للمرة الثانية في أقل من عام، يتم إعلان "ريف حلب الشمالي" منطقة منكوبة، وهذه المرة بفعل القصف الروسي، بالتزامن مع إعلان "حلب" مدينة مهددة بالحصار من قبل المليشيات الطائفية الزاحفة من بلدتي "نبل والزهراء" بالريف الشمالي، نحو بلدة "كفر حمرة" غرباً، و"قوات سوريا الديمقراطية" التي تطل مواقعها من حي "الشيخ مقصود" على طريق "الكاستيلو"، آخر طرق الإمداد إلى المناطق التي يسيطر عليها الثوار في حلب.
شباط: ذروة المعاناة في حلب
عربات تقل مدنيين فارين من جحيم القصف والمعارك، وشاحنات تحمل مواد إغاثية تحاول دخول المدينة .. أصوات هدير الطائرات الملازمة لسماء حلب، ومواطنون يمكن أن يتحولوا إلى أرقام مع دوي كل انفجار .. هكذا هي الحياة باختصار بالنسبة لسكان حلب حسب توصيف المؤسسات الحقوقية.
مدير "المعهد السوري للعدالة"، المحامي "عبد الله مندو" قال إن هذه الحالة الكارثية بلغت ذروتها منذ بداية شهر شباط\\فبراير الحالي، الذي يشهد أعنف هجمة عسكرية على حلب منذ بداية الثورة.
وأضاف مندو في تصريح خاص لـ"أورينت نت": إن الغارات التي شنتها المقاتلات الحربية الروسية، وطائرات النظام الحربية والمروحية، حولت حلب وريفها الشمالي خلال هذا الشهر إلى منطقة أشباح بكل معنى الكلمة، وخاصة في الريف الشمالي.
ويشرح "عبد الله مندو" طبيعة المناطق التي استهدفها القصف الجوي، والأسلحة التي تستخدمها روسيا، وقوات النظام في استهداف المدنيين بالقول: إن الطائرات الروسية وطائرات النظام الحربية والمروحية، استهدفت خلال العشرين يوماً الماضية، "743" موقع مدني ومركز خدمي في حلب، بينها سبعة مشافي دمرت بالكامل، وسبعة مدارس، واحدة منها كانت تأوي نازحين، وجامعة، بالإضافة إلى عشرة مساجد.
مايقارب 3000 غارة جوية
ووفق احصائية المعهد التي تعتمد على الصور والبيانات وشهادات العاملين مع فريق الإحصاء في حلب، فإن الطيران الروسي نفذ (1857) غارة جوية، مستخدماً الصواريخ الفراغية والقنابل الموجهة، إضافة إلى القائه (170) قنبلة عنقودية محرمة دولياً، وسبعة صواريخ بعيدة المدى.
أما بالنسبة إلى سلاح النظام الجوي، فقد كان معظم قصفه خلال الشهر الحالي على المدينة وريفها بالبراميل المتفجرة والصواريخ البالستية، حيث استهدف حلب بـ (196) برميل متفجر، و (47) صاروخ بعيد وقصير المدى من طراز أرض-أرض، كان لريف حلب الشمالي النصيب الأكبر منها، اذ تم استهداف تجمعاته السكنية بما يقارب "الألف" غارة.
وعن حصيلة الضحايا الذي سقطوا نتيجة القصف الجوي، يقول مندو: ارتفع معدل الضحايا المدنيين بشكل ملحوظ هذا الشهر، على الرغم من تجدد حركة النزوح في حلب المدينة وريفها الشمالي، حيث بلغ عدد الشهداء من المدنيين "307" شخصاً، مئة وثلاثة وتسعين رجلاً بينهم اعلامي، و 31 سيدة بينهم ممرضة، بالإضافة 83 طفلاً، وهي احصائية شبه نهائية لعدد الشهداء منذ اليوم الأول من الشهر الجاري وحتى يوم العشرين منه.
استهداف المشافي والمراكز الطبية
خلال أيام فقط، خرجت جميع المشافي الموجودة في ريف حلب الشمالي عن الخدمة، جراء استهدافها من قبل الطائرات الروسية، وكان آخرها مشفيا "اعزاز للأطفال" ومشفى "مدينة عندان" الذين تدمرا بالكامل، واستشهد نتيجة استهدافهما عشرة من الأطفال الخدج والكوادر العاملة فيهما.
وفي حديثه عن المصاعب التي تواجهها الكوادر الطبية بعد تدمير مشافي (عندان وحريتان) من قبل الطيران الروسي وطيران النظام، قال "عدنان مدلج" عضو في المكتب الإعلامي في مدينة عندان وممرض في مشفى المدينة: تعرض المشفى للقصف في أكثر من مناسبة، إلا أن هذه المرة كانت الأخطر ودمرت المشفى ومحتوياته بشكل شبه كامل، ما أسفر عن استشهاد ممرضة ومسعف، واحتراق عدد من سيارات الإسعاف، نتيجة جعلتنا نعلن خروج المشفى عن الخدمة.
ويضيف المدلج لـ"أورينت نت": اليوم نضطر إلى نقل المصابين إلى المشافي الموجودة داخل الأراضي التركية، نظراً لخطورة الإصابات التي يصعب على المشافي الميدانية التعامل معها، وهي صعوبة أخرى تضاف إلى ما نواجهه من معوقات، فقد أصبح الطريق من حلب إلى الحدود التركية طويلاً، ونحن مجبرين على أن نسلكه باتجاه الريف الغربي ومن ثم ريف ادلب نحو معبر باب الهوى.
القصف الممنهج الذي يستهدف المرافق الصحية بشكل مركز، يصعب من مهمة الكوادر الطبية، إلى درجة تدفع الكثير من الطواقم الإسعافية لكي تضع الأولوية للمصابين بجراح متوسطة وطفيفة، وهو وجه آخر من وجوه الجريمة المفتوحة التي تضاعفت آثارها على السوريين منذ التدخل العسكري الروسي.