الجواب:
الحمد لله
أولا :
تصحيح النية ، واستحضارها في بداية
العمل ، من أعظم ما ينبغي أن يشتغل به المسلم ، فإن عليها مدار قبول
العمل ، أو رده ، وعليها مدار صلاح القلب أو فساده .
ومن أراد أن ينوي النية الصالحة في عمله ، فلا بد أن يلتفت إلى الباعث الداعي الذي يدعوه إلى ذلك
العمل ، فيحرص على أن يكون باعثه هو مرضاة الله تعالى وطاعته ، وامتثال أمره
، فبهذا تكون النية لله تعالى ، ثم عليه بعد ذلك أن يحافظ على هذا الباعث الأصلي على
العمل ، الخالص لله تعالى ، فلا يتفلت منه أثناء عمله ، ولا يتقلب قلبه ونيته ، ولا ينصرف إلى غير الله ، ولا يداخله شرك آخر .
انظر السؤال رقم : (162186)، والسؤال رقم : (220806).
ثانيا :
يستطيع العبد أن يتعرف على إخلاصه في
العمل ، وأنه لا يعمل إلا لله ، بمراعاة ما يلي :
- ألا يعمل
العمل من أجل أن يراه الناس أو يسمعوا به .
روى البخاري (6499) ، ومسلم (2987) عن جُنْدُب قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ يُسَمِّعْ يُسَمِّعِ اللهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللهُ بِهِ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا عَلَى غَيْرِ إِخْلَاصٍ ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يَرَاهُ النَّاسُ وَيَسْمَعُوهُ : جُوزِيَ عَلَى ذَلِكَ ، بِأَنْ يُشَهِّرَهُ اللَّهُ وَيَفْضَحَهُ ، وَيُظْهِرَ مَا كَانَ يُبْطِنُهُ .
وَقِيلَ : مَنْ قَصَدَ بِعَمَلِهِ الجاه والمنزلة عند الناس ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ : فَإِنَّ اللَّهَ يَجْعَلُهُ حَدِيثًا عِنْدَ النَّاسِ الَّذِينَ أَرَادَ نَيْلَ الْمَنْزِلَةِ عِنْدَهُمْ ، وَلَا ثَوَابَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ ".
انتهى من " فتح الباري " (11/ 336).
وقَالَ العزّ ابن عَبْدِ السَّلَامِ رحمه الله : " يُسْتَثْنَى مِنِ اسْتِحْبَابِ إِخْفَاءِ الْعَمَلِ: مَنْ يُظْهِرُهُ لِيُقْتَدَى بِهِ أَوْ لِيُنْتَفَعَ بِهِ كَكِتَابَةِ الْعِلْمِ " انتهى من " فتح الباري " (11/ 337) .
وينظر السؤال رقم : (148158).
- ألا يتعلق قلبه بمدح الناس ، أو وذمهم له .
قال ابن القيم رحمه الله :
" مَتَى اسْتَقَرَّتْ قَدَمُ الْعَبْدِ فِي مَنْزِلَةِ الْإِخْبَاتِ ، وَتَمَكَّنَ فِيهَا : ارْتَفَعَتْ هِمَّتُه ُ، وَعَلَتْ نَفْسُهُ عَنْ خَطْفَاتِ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ ، فَلَا يَفْرَحُ بِمَدْحِ النَّاسِ. وَلَا يَحْزَنُ لِذَمِّهِمْ ، هَذَا وَصْفُ مَنْ خَرَجَ عَنْ حَظِّ نَفْسِهِ ، وَتَأَهَّلَ لعُبُودِيَّةِ رَبِّهِ ، وَبَاشَرَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ قَلْبُهُ " .
انتهى من " مدارج السالكين " (2/ 8).
- أن يكون إخفاء
العمل والإسرار به أحب إليه من إظهاره .
عَنْ عَاصِمٍ قَالَ: " كَانَ أَبُو وَائِلٍ إِذَا صَلَّى فِي بَيْتِهِ يَنْشُجُ نَشْجًا ، وَلَوْ جُعِلَتْ لَهُ الدُّنْيَا عَلَى أَنْ يَفْعَلَهُ وَأَحَدٌ يَرَاهُ مَا فَعَلَهُ " رواه أحمد في " الزهد " (ص 290) .
- أن يكون حريصا على البعد عن مواطن الظهور والشهرة، إلا أن يكون في ذلك مصلحة شرعية .
قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله : " ما صدق الله من أراد أن يشتهر " .
انتهى من " إحياء علوم الدين " (3/ 297) .
- ألا يزيد في
العمل ويحسنه لرؤية الناس.
وقد قيل: " الْإِخْلَاصُ : اسْتِوَاءُ أَعْمَالِ الْعَبْدِ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ.
وَالرِّيَاءُ: أَنْ يَكُونَ ظَاهِرَهُ خَيْرًا مِنْ بَاطِنِهِ " انتهى من "مدارج السالكين" (2/ 91) .
- أن يتهم دائما نفسه بالتقصير ، ولا يرى لها فضلا ، ويعلم أن الفضل كله لله ، ولولا الله تعالى لهلك .
قال تعالى : (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ) النور/ 21 .
- أن يكثر من الاستغفار بعد
العمل ، لشعوره بالتقصير .
قال السعدي رحمه الله:
" ينبغي للعبد، كلما فرغ من عبادة ، أن يستغفر الله عن التقصير، ويشكره على التوفيق، لا كمن يرى أنه قد أكمل العبادة ، ومنّ بها على ربه ، وجعلت له محلا ومنزلة رفيعة ، فهذا حقيق بالمقت ، ورد الفعل، كما أن الأول، حقيق بالقبول والتوفيق لأعمال أخر " .
انتهى من " تفسير السعدي " (ص 92).
- الفرح بتوفيق الله للعمل الصالح .
قال تعالى: ( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) يونس/ 58 .
فمن راعى ذلك في عمله : فعسى أن يكون من المخلصين .
أما القطع بالإخلاص في العمل: فهذا لا سبيل إليه، لأن علم ذلك عند الله وحده، ولكن العبد يأخذ بأسباب
الإخلاص ، ويسأل الله تعالى التوفيق إلى حسن
العمل ، ولا يقطع به لنفسه ، ولا لغيره .
والله أعلم .