أعظم أسباب السعادة
في غرفةٍ رثَّةٍ مُتهالِكة، ليس لها سقفٌ، وإن كان لها ما يُشبهُ الباب، عاشت أرملةٌ فقيرةٌ مع طفلِها الصغير.. وفي أحدِ ليالي الشتاء
هطلَت الأمطارُ غزيرةٌ، فقامت الأمُّ إلى بابِ الغرفةِ فخلعتهُ، ووضعتهُ بشكلٍ مائلٍ على أحدِ الجدرانِ، ثم أسرعت لتختبئ تحتهُ هيَ وطفلها الصغير
وعندما ذهبت روعةُ الموقفِ، نظرَ الطفلُ إلى أمهُ مبتسمًا، وقال يا أمـاه: الحمدُ للهِ أنَّ عندنا باب.. يا تُرى ماذا يفعلُ الفقراءُ
الذين ليس عندهم باب، إذا نزل عليهم مثل هذا المطرِ الغزير؟!
إنه الرضا يا كرام.. فالرضا والقناعة، هيَ أعظمُ أسبابِ السعادة.
وما أكثرُ الذين يظنُون أنهم محرومونَ من السعادة لأنَّ ما لديهم من متاع الدنيا قليلٌ.. ولو قارنَ أحدُهم متاعهُ القليل بما كانَ يملِكهُ
كِبارُ أباطِرةِ التاريخِ، الذين يُضربُ بهم المثلُ في البذخ والترفِ وكثرةِ المتاع، والذين يَظنُّ أكثرُ الناسِ أنهم الأسعَدَ والأكثرَ حظًا
كقيصرَ وكِسرى وأمثالِهم.. وحقيقة لو قارنَ (أحدنا) نفسهُ بهم لوجدَ أنَّ ما عندهُ من متاعٍ (قليل) أفضلَ منهم بمئات المرات.
نعم: فما كان أحدٌ من أولئك (الأباطرة) يملِكُ ما يملكه أحدنا من وسائل الراحة، كالسيارة والمكيفِ والثلاجةِ والغسالةِ وغيرها
من الأدوات الكهربائية، ووسائل النقل والراحة.. وما كان أحدٌ منهم عنده مِعشارَ ما عند أحدنا من وسائل الاتصالِ والتقنيةِ الحديثة، وبرامجِ التواصُلِ
والتَّسلية والترفيه، والأجهزة الذكية كالجوال والآيباد وشاشاتِ العرض، وأجهزةِ الألعاب.. وغيرها من الأدوات الحديثةِ والوسائلِ المتقدمةِ (وما أكثرها).
فلمَ إذن لا يكونُ سعيدًا؟!
والجوابُ: لأنَّ الغنى غنى النَّفس.. ولأنَّ السَّعادةَ سعادةُ القلب..
لقد عاشَ قُدوتنا المصطفى صلى الله عليه وسلم حياتَهُ كُلَّها، عاشَ بلا مركبٍ فخمٍ، ولا منزلٍ ضخمٌ، وعاشَ صلى الله عليه وسلم حياتَهُ كُلَّها
عِيشةً مُتواضِعةً جدًّا، بل كان يربِطُ الحجرَ والحجرين على بطنِهِ من الجوعِ، وكان يمرُّ عليه الشَّهرَ والشَّهرينِ لا يوقدُ في بيتِهِ نارٌ، وكان ينامُ على الحصيرِ
حتى يؤثِّرَ في جنبِهِ الشريف، لكنهُ عاشَ صلى الله عليه وسلم طوالَ حياتهِ سعيدًا، بل كان أسعدَ إنسانٍ؛ لأنه كان راضيًا
عن ربه تمامَ الرضى، ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾ [الضحى: 5]؛ ولأنه كان صلى الله عليه وسلم يستشعرُ نِعمَ اللهِ عليه
ولِعِظمِ شُعورهِ بها، فقد قامَ يُصلي ويشكُرُ اللهَ حتى تفطَّرَتْ قدماه، وقال لمن تعجبَ من حالته تلك: "أفلا أكونُ عبدًا شكورًا؟!".
أما من يظنُّ أنَّ السعادةَ في الغنى وكثرةِ المتاعِ، ويُقارنُ نفسهُ بمن مَن هو فوقَهُ، فسيورثه ذلك ازدراءً لما في يده من النِّعم
وسيُقلِّلُ من شُكرِهِ لربه، ويُؤثرُ سلبًا في حياتِه وإنتاجِيته، ويجعلُه يعيشُ في همٍّ وعناء، وضيقٍ وشقاء، تأمَّل:
﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].
وفي صحيح مسلم، قال صلى الله عليه وسلم: "انظروا إلى من هو أسفلَ منكم، ولا تنظروا إلى مَن هو فوقكم، فهو أجدرُ ألا تزدروا نِعمةَ الله عليكم".
فيا لها من لفتةٍ عظيمةٍ رائعة، ونصيحةٍ غاليةٍ نافعة، تأمَّل: ﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ
وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى ﴾ [طه: 130].
اللهم فقهنا في الدين، واجعلنا هداةً مهتدين..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
Hu/l Hsfhf hgsuh]m Hu/l
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|