عدد صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم
رغم اتفاق المراجع والمصادر المختلفة في مفهوم الصحابي إلا أنها اختلفت في عدد الصحابة.. من ذلك نجد ابن كثير يقول في البداية والنهاية:
(أما عن جملة
صحابة الرسول صلى
الله عليه وسلم فقد اختلف في عدتهم فنقل عن أبي زرعة أنه قال: يبلغون مائة ألف وعشرين ألفاً، وعن الشافعي رحمه
الله أنه قال: توفي رسول
الله صلى
الله عليه وسلم والمسلمون ممن سمع منه أو رآه زهاء عن ستين ألفًا. وقال الحاكم أبو عبد الله: يروى الحديث عن قريب من خمسة آلاف صحابي). ثم يعقب على ذلك بقوله: (قلت: والذي روى عنهم الإمام أحمد مع كثير روايته واطلاعه واتساع رحلته وإمامته فمن الصحابة تسعمائة وثمانون نفسًا ووضع في الكتب الستة من الزيادات على ذلك قربت من ثلاثمائة صحابي أيضًا).
كما يذكر ابن الأثير عددهم بقوله:
(قلت: وأصحاب رسول
الله صلى
الله عليه وسلم على ما شرطوه كثيرون، فإن رسول
الله صلى
الله عليه وسلم شهد حنينا ومعه اثنا عشر ألفًا سوى الأتباع والنساء، وجاء إليه هوازن مسلمين فاستنقذوا حريمهم وأولادهم وترك مكة مملوءة ناسًا وكذلك المدينة أيضًا، وكل من اجتاز به من قبائل العرب كانوا مسلمين، فهؤلاء كلهم لهم صحبة، وقد شهد "تبوك" من الخلق الكثير ما لا يحصيهم ديوان، كذلك حجة الوداع وكلهم له صحبة.
كذلك يذكر ابن الأثير رواة أحاديث رسول
الله صلى
الله عليه وسلم بقوله: (وأول رواتها أصحاب رسول
الله صلى
الله عليه وسلم ولم يضبطوا ولا حفظوا في عصرهم كما فعل بمن بعدهم من علماء التابعين؛ لأنهم كانوا مقبلين على نصرة الدين وجهاد الكافرين فإن الإسلام كان ضعيفًا وأهله قليلون فكان أحدهم يشغله جهاده ومجاهدة نفسه في عبادته عن النظر في معيشته والتفرغ لهم، ولم يكن فيهم أيضا من يعرف الخط إلا النذر اليسير، ولو حفظوا ذلك الزمان لكانوا أضعاف من ذكره العلماء؛ ولهذا اختلف العلماء في كثير منهم، فمنهم من جعله بعض العلماء من الصحابة، ومنهم من لم يجعله فيهم) .
ثم يذكر لنا ابن حزم عددهم بقوله:
(وقد غزا رسول
الله صلى
الله عليه وسلم هوازن بحنين في اثني عشر ألف مقاتل كلهم يقع عليهم اسم الصحابة، ثم غزا تبوك في أكثر من ذلك، ووفد
عليه البطون من جميع قبائل العرب وكلهم صاحب، وعددهم بلا شك يبلغ أزيد من ثلاثين ألف إنسان ووفد
عليه صلى
الله عليه وسلم وفود الجن فأسلموا وصح لهم اسم الصحبة، وأخذوا عنه صلى
الله عليه وسلم القرآن وشرائع الإسلام وكل من ذكرنا ممن لقي النبي صلى
الله عليه وسلم وأخذ عنه فكل امرئ منهم، إنسهم وجنهم، فلا شك أفتى أهله وجيرانه وقومه).
ومن هذا المنطلق نجد أن الكتب الخاصة بالطبقات قد اختلفت في عدد صحابته صلى
الله عليه وسلم. فنجد مثلاً ابن الأثير في كتابه (
أسد الغابة)، وابن حجر في كتابه (
الإصابة) قد أوردا عددًا كبيرًا جدًا من الصحابة بالنسبة لما أوردته الكتب الأخرى مثل (
الطبقات) لابن سعد، و(
الاستيعاب) لابن عبد البر.
إلا أن ابن حجر وضع شرطًا بالنسبة للتأكد من صحبة الصحابي فقسمهم أربعة أقسام:
القسم الأول: فيمن وردت صحبته بطريق الرواية عنه أو غيره.
القسم الثاني: فيمن ذكر في الصحابة من الذين ولدوا في عهد النبي صلى
الله عليه وسلم دون سن التمييز.
القسم الثالث: فيمن ذكر من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يرد خبر قط أنهم اجتمعوا بالنبي صلى
الله عليه وسلم ولا رأوه.
القسم الرابع: فمن ذكر في الكتب المذكورة على أنه صحابي على سبيل الوهم والغلط
.
هذا، وما يعرّف به الصحابي، هو ما يعرّف به الصحابية فهن نساء المؤمنين، منهن المهاجرات، هاجرن إلى الحبشة مرة أو مرتين، وللمدينة كذلك، ومنهن الأنصاريات أيضًا ومنهن المجاهدات في الحروب أو المجاهدات بالمال والنفس في سبيل الدعوة الإسلامية، ومنهن روايات الحديث، ومنهن المعضدات لأزواجهن في كل موقف من المواقف السابقة وغيرها، ومنهن الشاعرات، ومنهن الطبيبات وهن قبل وبعد ذلك أمهات، وأخوات، وزوجات وبنات المؤمنين المجاهدين المصاحبين لرسول
الله صلى
الله عليه وسلم، كن يترددن على المساجد ويستمعن إلى أحاديث
الرسول صلى
الله عليه وسلم ويروين عنه. وفي تعريفنا الحديث عن الصحابة أن
الرسول صلى
الله عليه وسلم لم يسم أصحابه بالحواريين، ولا الأتباع وإنما احترمهم واحترم حريتهم، فسماهم الصحابة.
فالصاحب من هذا المنطلق هو من كان في رفقة رسول
الله صلى
الله عليه وسلم يجالسه ولو مرة واحدة، ويأخذ عنه ويبادله الرأي. وكان رسول
الله صلى
الله عليه وسلم يحترمهم جميعًا ويأخذ بالرأي الصواب حتى من النساء. وهذا يظهر طبيعة الأمة الإسلامية.
فكانت الصحبة بهذا الوصف شرفًا عظيمًا؛ ولذلك نجد أناسًا كثيرين أرادوا أن يدخلوا أنفسهم في الصحابة مع أن الشرط أن يكونوا قد شاهدوا
الرسول صلى
الله عليه وسلم أو جالسوه أو أخذوا عنه. كما أن بعض القبائل زعمت أن منهم
صحابة للشرف في هذا الصدد. ومن هنا كانت الدراسات الخاصة لتعريف الصحابي. وفي هذه الدراسة سوف نأخذ الصحابة الذين اتفقت عليهم كتب الصحابة والمعترف بها ونشير إلى كل ما يلزم أن هذا مشكوك في أمره أم لا.
ويطبق هذا الأساس على الصحابيات اللاتي نحن بصدد إحصائهن فنأخذ المعترف بهن من الكتب الموثوق فيها مثل: كتاب المغازي للواقدي، وسيرة النبي صلى
الله عليه وسلم لابن هشام وكتاب الطبقات لابن سعد، والاستيعاب لابن عبد البر، ثم ابن الأثير في أسد الغابة، وابن حجر في الإصابة، ونسب قريش لمصعب الزبيري، وجمهرة أنساب العرب لابن حزم، وبقية كتب الأحاديث والسيرة النبوية مثل كتاب (الإحكام في أصول الأحكام) لابن حزم، و(أعلام الموقعين عن رب العالمين) لابن قيم الجوزية. وكتب الحديث الستة وغيرها من الكتب الموثوق بها.
أما من لم تذكرهن كتب الطبقات، أو الأنساب، أو السيرة فلا يدخلن في نطاق بحثنا، والله الموفق لما يحبه ويرضاه.