يميل الإنسان بطبعه ككائن اجتماعي إلى العيش وسط جماعة معينة والاختلاط بالآخرين، حيث يشعر بينهم بالأمان والاستقرار والطمأنينة، وتشبع حاجته إلى الانتماء، وتتشكل شخصيته من خلالهم. ونتيجة لخلل نفسي ما أو حادث معين يتنازل الشخص عن احتياجاته
الاجتماعية ويفضل العيش وحيدا في عزلة عن المجتمع، ما يلحق به أضرارا نفسية وصحية تصل في بعض الأحيان إلى الوفاة.وأظهرت دراسة أميركية جديدة أن
العزلة ولا سيما لدى كبار السن مضرة بالصحة، وقد تزيد احتمال
الوفاة المبكرة بنسبة 14 بالمئة. وأشارت نتائجها إلى أن مخاطر
العزلة الاجتماعية معروفة منذ فترة طويلة، إلا أن انعكاساتها الجسدية المضرة لم تكشفت حتى الآن، بحسب ما أوضح الباحثون.
وكشف الباحثون آليات تأثير هذه الظاهرة على مستوى الخلايا، بعد دراسة أداء بعض جينات خلايا النظام المناعي التي تحمي الجسم من البكتيريا والفيروسات، حيث حددوا وجود رابط بين
العزلة وازدياد الجينات المسؤولة عن الإصابة بالالتهابات، فضلا عن تراجع في الدور الذي يلعبه الجسم في محاربة الفيروسات، ومن ثم تسمح
العزلة بتوقف نشاط هذه الجينات المختلفة لمدة عام.
ويبدو أن ثمة رابطا مباشرا بين أداء هذه الجينات التي تحفز الكريات البيضاء والعزلة، ما يجعل الأشخاص الذين يعيشون في عزلة يعانون من نظام مناعي أضعف ويصابون بأمراض أكثر من الأشخاص الآخرين.وقال د. جون كاسيوبو، عالم النفس بجامعة شيكاغو، وأحد المشاركين في الدراسة إنه تبين أن أخطار
العزلة على الصحة ليست أقل من أخطار التدخين، فتأثير
العزلة يشبه تأثير تدخين 15 سيجارة في اليوم. وضرر
العزلة يساوي الضرر الناجم عن تعاطي الكحوليات بشكل يومي.
وقد أوصت الدراسة التي أجرتها جامعة شيكاغو بالتعاون مع الأكاديمية القومية للعلوم (بناس)، كبار السن بأن يكوّنوا دوائر اجتماعية، ويتواصلوا مع الآخرين، ويقصدوا المناطق المشمسة، ويقوموا بالأنشطة الرياضية والحيوية، وأن يكونوا فاعلين في الأعمال التطوعية، ما يبعدهم قدر المستطاع عن
العزلة والبقاء على انفراد.
وهناك أنواع مختلفة من العزلة، منها
العزلة الشخصية، حيث يعكف الفرد على العيش وحيدا دون التفاعل الاجتماعي حتى مع أفراد الأسرة، وهناك
العزلة الفكرية والتي تمنع الفرد من التطور والتقدم، وتتمثل في عدم التشجيع الفكري من خلال القراءة، والاطلاع على الإنترنت. وتعد
العزلة الاجتماعية تلك التي تفرضها بعض العائلات على أفرادها، بحيث لا يستطيعون التواصل مستقبلا مع محيطهم الاجتماعي، كما أن هناك مجتمعات معزولة، وتُعرف بالمجتمعات المغلقة، بحيث لا تسمح لأفرادها بالخروج من القرية أو الاختلاط بأفراد آخرين.
وتشير الإحصائيات إلى أن ما يقرب من 16 بالمئة من البشر يصابون في فترة من فترات حياتهم بالعزلة والاكتئاب المرضي. وهو ما يمكن ترجمته إلى عشرات الملايين من البشر المصابين بالعزلة، حيث تصل النسبة في الولايات المتحدة إلى 6.5 بالمئة من النساء،
.3 بالمئة من الرجال، وفي كندا هناك 5 بالمئة من السكان يعانون من
العزلة والاكتئاب المرضي. وفي بريطانيا يصاب شخص واحد من بين كل خمسة أشخاص بالعزلة في مرحلة ما من حياته، بينما تتراجع النسبة إلى أقل من 2 بالمئة في الدول العربية.
ويعرّف د. مصطفى مرتضى، أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة عين شمس،
العزلة الاجتماعية بأنها غياب قدرة الكائن الحي على التواصل مع مجتمعه، ورغبة الإنسان في العيش منفردا بعيدا عن الناس، وفقدان القدرة على التعامل معهم، حيث قد يصل الأمر في بعض الأحيان إلى ملازمة المنزل لفترة طويلة قد تصل إلى أسابيع عدة، مع عدم التواصل مع أي شخص، سواء كان من الأسرة أو الأصدقاء.
ولفت مرتضى إلى أن
العزلة تبدأ إرادية ثم تصبح لا إرادية بسبب الوقت الكبير الذي يعزل فيه الشخص نفسه عن محيطه الاجتماعي، فيعتاد على الوحدة، ويجد صعوبة في التأقلم مع المجتمع مرة أخرى. وأشار إلى أن أعراض
العزلة الاجتماعية كثيرة، منها شعور الشخص بالإحباط، إذ يعاني مريض
العزلة الاجتماعية في العادة إحباطا شديدا وتسيطر عليه أفكار تشاؤمية، فلا يرى إلا الجانب المظلم من كل شيء، أو قد يُصاب بتغيرات مزاجية حادة غير مبررة الأسباب، فيفقد، شيئا فشيئا، القدرة على التواصل مع من حوله ونسج علاقات جديدة، حيث يفتقر مريض
العزلة الاجتماعية إلى الذكاء الاجتماعي بشكل واضح، ويشعر بالتالي بغربة شديدة عندما يتواجد في أي تجمع بشري.
وأوضح مرتضى أن الانطواء يمثل بداية مرحلة
العزلة لدى الشخص، والذي يبدأ بالانطواء التدريجي ثم يتحول إلى عزلة تامة بحيث تصبح في بعض الأحيان حالة مرضية، وأن انعدام التوافق الاجتماعي للفرد في علاقاته مع الآخرين يجعله يتجنب الاتصالات الاجتماعية، ويتأثر بالتالي تفاعله الاجتماعي من حيث عدم تطوير علاقات الصداقة أو الحفاظ عليها، فيهرب الفرد إلى عالمه الشخصي المتمثل في
العزلة الفردية.
hgu.gm hgh[jlhudm 'Hrwv hg'vr' kp, hg,thm hglf;vm Hrwv hglf;vm hgh[jlhudm hgu.gm hg,thm hg'vr ,dk