12-18-2015, 04:39 PM
|
|
|
|
إسلام صفوان بن أمية بن خلف
أُمية بن خلف الجمحي واحد من ألدِّ أعداء الإسلام في مكة، وأشدها ظلماً لضعفاء المسلمين، وقد هلك نتيجة بغيه وطغيانه، فقُتِل على يد بلال رضي الله عنه وإخوانه المستضعفين في غزوة بدر في السنة الثانية من الهجرة النبوية، وقد ورث صفوان بن أمية من أبيه البغض والعداء الشديد للنبي صلى الله عليه وسلم، حتى وصل به البغض إلى أن دبَّر مؤامرة لقتل النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت هذه المؤامرة بينه وبين ابن عمه عُمير بن وهب الجمحي،وفيها تعهَّد صفوانُ بن أمية لعمير أن يتحمل عنه نفقات عياله، وأن يسدِّد عنه دَيْنه، في نظير أن يقتل عميرٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، غير أن هذه المحاولة باءت بالفشل، فقد ذهب عمير إلى المدينة المنورة لتنفيذ اتفاقه مع صفوان، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بما دار بينه وبين صفوان في حجر الكعبة من المؤامرة على قتله، ومن ثم سارع عمير رضي الله عنه في إعلان إسلامه قائلا: "أشهد أنك رسول الله، قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء، وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام". وأما صفوان بن أمية فظل يسأل القادمين من المدينة المنورة عن صاحبه عمير بن وهب، حتى أخبروه عن إسلامه، فحلف صفوان ألا يكلمه أبدا.
ومرت ست سنوات على مؤامرة صفوان بن أمية مع عمير بن وهب لقتل النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رمضان من العام الثامن للهجرة النبوية دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة منتصراً وفاتحاً، فقال قولته الشهيرة لمن حاربه وآذاه: (ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً، أخ كريم، وابن أخ كريم، فقال: أقول كما قال أخي يوسف: {قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (يوسف:92)، اذهبوا فأنتم الطلقاء) رواه البيهقي وضعفه الألباني،ولا ريب أنه صلى الله عليه وسلم قد أمّن أهل مكة على أنفسهم بقوله صلوات الله وسلامه عليه: (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن) رواه مسلم، وفي رواية أبي داود: (ومن دخل المسجد فهو آمِن، فتفرَّق الناس إلى دُورهم وإلى المسجد)، وهو أمر لم يُعْرَف له مثيلًا في العفو والصفح.
ورغم العفو النبوي عن المشركين في فتح مكة إلا أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتل أربعة منهم وإن وُجِدوا متعلقين بأستار الكعبة، وذلك لما فعلوه من إيذاء شديد بالمسلمين، فعن مصعب بن سعد عن أبيه رضي الله عنهما قال: (لما كان يوم فتح مكة أمَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين، وسماهم ..) رواه أبو داود وصححه الألباني، ولم يكن صفوان بن أمية من هؤلاء الأربعة الذين أُهْدِرَت دماؤهم، ومع ذلك ولشدة إيذائه للمسلمين خاف على نفسه ففَرَ من مكة، وخرج في اتجاه البحر ومعه غلام اسمه يسار، فاستأمن له عمير بن وهب الجمحي الرسولَ صلى الله عليه وسلم فأمَّنه، فلحقه عمير وهو يريد أن يركب البحر من جدة إلى اليمن فردَّه، وقد روى البيهقي في دلائل النبوة وابن هشام في السيرة النبوية عن عائشة رضي الله عنها قالت: (خرج صفوان بن أمية يريد جدة ليركب منها إلى اليمن، فقال عمير بن وهب: يا نبي الله إن صفوان بن أمية سيد قومه، وقد خرج هارباً منك ليقذف نفسه في البحر. فأمِّنْه يا رسول الله، قال: هو آمن،فقال: يا رسول الله فأعطني آية يمعرف بها أمانك، فأعطاه رسول الله عمامته التي دخل فيها مكة، فخرج بها عمير حتى أدركه وهو يريد أن يركب البحر فقال: يا صفوان: فداك أبي وأمي! الله الله في نفسك أن تهلكها، هذا أمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جئتك به، قال: ويلك اغرب عني فلا تكلمني، قال: فداك أبي وأمي! أفضل الناس، وأبر الناس وأحلم الناس وخير الناس! ابن عمك، عزه عزك، وشرفه شرفك، وملكه ملكك، قال: إني أخافه على نفسي، قال: هو أحلم من ذلك وأكرم، فرجع معه حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صفوان: إن هذا يزعم أنك أمَّنتني، قال: صدق، قال: فاجعلني في الخيار شهرين، قال: أنت في الخيار أربعة أشهر).
وفي شهر شوال وبعد فتح مكة كانت غزوة حنين، التي انتهت بانتصار كبير للمسلمين، وقف النبي صلى الله عليه وسلم يقسِّم الغنائم على كثرتها، فرأى أن يتألف البعض بالغنائم تأليفا لقلوب بعضهم، ولحداثة عهد البعض الآخر بالإسلام، ومن هؤلاء صفوان بن أمية الذي لم يكن قد أسلم، وكان هدف النبي صلى الله عليه وسلم من هذا العطاء ـ مع تأليفهم وتثبيتهم ـ تحويل قلوبهم من حب الدنيا إلى حب الإسلام، بعد أن يخالط الإيمان بشاشة قلوبهم، ويتذوقون حلاوته، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها) رواه مسلم، وقد عبر عن هذا صفوان بن أمية رضي الله عنه بقوله: (لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إليَّ، فما برح (ما زال) يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليَّ) رواه مسلم.
يقول ابن القيم: ".. ومعلوم: أن الأنفال لله ولرسوله يقسمها رسوله حيث أمره لا يتعدى الأمر، فلو وضع الغنائم بأسرها في هؤلاء لمصلحة الإسلام العامة، لما خرج عن الحكمة والمصلحة والعدل ..، ولقد أتم (الله) نعمته على قوم ردهم إلى منازلهم برسوله صلى الله عليه وسلم يقودونه إلى ديارهم، وأرْضى من لم يعرف قدر هذه النعمة بالشاة والبعير، كما يعطى الصغير ما يناسب عقله ومعرفته، ويعطى العاقل اللبيب ما يناسبه".
فالعطاء لتأليف القلوب كان تشريعاً ربانياً نص عليه القرآن الكريم، حيث جعل للمؤلَّفة قلوبهم نصيباً من مصارف الزكاة الثمانية، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (التوبة: 60)، قال ابن كثير: "وأما المؤلفة قلوبهم: فأقسام: منهم من يُعْطَى ليُسْلِم، كما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم صفوان بن أمية من غنائم حنين، وقد كان شهدها مشركاً، قال: (فلم يزل يعطيني حتى صار أحب الناس إلي بعد أن كان أبغض الناس إليّ) ..، ومنهم من يُعْطَى ليحْسُن إسلامه، ويثبت قلبه، كما أعطى يوم حنين أيضاً جماعة من صناديد الطلقاء وأشرافهم: مائة من الإبل، مائة من الإبل وقال: (إني لأعطي الرجل وغيره أحب إليَّ منه، مخافة أن يكبه الله على وجهه في نار جهنم) رواه البخاري".
وفي قصة إسلام صفوان بن أمية رضي الله عنه تجلَّت حكمة النبي صلى الله عليه وسلم وسماحته، وحرصه على هداية الناس إلى الإسلام، وكذلك جميل عفوه حتى مع من آذاه من المشركين، فقد كان المشرك يأتي وفي نيته قتله وليس على وجه الأرض من هو أبغض له منه، ويعود ويصبح وليس على وجه الأرض من هو أحب إليه منه صلوات الله وسلامه عليه، وذلك لعفوه عنه وإحسانه إليه، كما حدث مع عمير ين وهب وصفوان بن أمية رضي الله عنهما.
Ysghl wt,hk fk Hldm ogt gl]m ogt wt,hk
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 10:14 AM
|