.قتلى إبليس
لن تُكرههم، لكن سيفتح الله قلبًا مغلقًا وعينًا عميت وأذنًا صمت، وأسماءً كتب لهم الخير على يديك، فإن غُلبْتَ وأطاعوا غيرك؛ فابق على الطريق لا تحِد عنه ولو هبت رياح واستوحشت الطريق، ولا تملّ البيان والهتاف.. ولعلهم يرجعون.
قَدر الله في الفتنة.. وداعي الجنة وقتلى إبليس
عندما تنظر في واقعك، وفي الفتنة العامة الأخيرة منذ الانقلاب، وقبله منذ حلول فتنة العلمانية والقومية على الأمة، كما سبقتها فتنةٌ بعد فتنة على مدار الأيام اختبارًا من الله تعالى وعقوبةً على الذنوب.
فانظر إلى تلك الآيات لتفهم بعض الحقيقة التي يجري بها قدر الله تعالى.. فالحقيقة الضخمة أن من أنزل هذا الكتاب وتكلم به تعالى وضمّنه علمه وحكمته وعدله ورحمته وإصلاحه لخلقه في دنياهم ومعاشهم ومعادهم.. أنه تعالى كما يبين لخلقه حكمه الشرعي، كذلك يبين بعض مجرى قدره تعالى.
وعلى هذا فانظر إلى هذه الآية عندما ذكر شرك المشركين قال: {وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام جزء من الآية: 137]، وعندما ذكر مكرهم وكيدهم وتكاتفهم مع الشياطين يدًا واحدةً قال {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام جزء من الآية: 112].. ففيهما يبين تعالى أن ما يحدث ليس خارجا عن قدرته وإحاطته، وله تعالى حكمته في تركهم على ما هم عليه وتخليتهم بينهم وبين ما اختاروه.. ومنه قوله تعالى المتكرر {إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ} يعني لا يفلتون من قبضته.
ثم إذا نظرت إلى هذه الآية: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَـٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179] .. تبين لك أن ثمة خلقًا لهم طريق يحبونه لا يتركونه وكلما خُيّروا اختاروه، وكلما عُرضت عليهم الضلالة والرشد اختاروا الضلالة.
ثم إذا نظرت إلى قوله تعالى {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُون*مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ *إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 161-163] علمت أن الفتنة كالموجة تأكل فريقا من الناس كُتب عليهم مصير محدد، هم يعملون له ويختارونه عن طواعيةٍ واختيار، وجرى قدر الله تعالى أن تشرب قلوبهم الباطل وأن يتغير مزاجهم فيحبون ما يضرهم ويكرهون وينفرون مما ينفعهم بل ويحاربونه ويحاربون من يذكّرهم به حتى أنهم قد يقتلونهم!، إنه السقوط من عين الله.
عندئذ فاعلم أن جريان الأقدار لا يكون بما نهوى بل لله تعالى قدَره وحكمته فيما أجراه؛ فلا تنكسر أمام الحشود النافرة..
وحينئذ أيضًا فاعلم أن معركتنا مع
إبليس وجنده لنستنقذ من كتب الله له النجاة، ونحن لا نعلم قدر الله في الناس، وعلى هذا فيجب على المؤمن الاستمرار في الدعوة واستنقاذ هلكى
إبليس وقتلى الضلالة..
وعندما تدعو الناس الى ربهم ودينهم وما ينفعهم فلا تعجب من شدة النفور، ولا بد من الصبر الكبير والجميل في حالة النفور.. إنك تقتنص الى الجنة وعدوك يقتنص الناس الى النار.. وداعي الجنة صبور ورحيم، وواثق من ربه متوكل عليه، شفوق على الخلق مطمئن الى قدر الله..
لن تُكرههم، لكن سيفتح الله قلبًا مغلقًا وعينًا عميت وأذنًا صمت، وأسماءً كتب لهم الخير على يديك، فإن غُلبْتَ وأطاعوا غيرك؛ فابق على الطريق لا تحِد عنه ولو هبت رياح واستوحشت الطريق، ولا تملّ البيان والهتاف.. ولعلهم يرجعون.