يتصبب الجبين عرقا ، وتتسارع الأنفاس لهفا ، تُصرف الساعات سَرَفا ، وتُراق النفائس هدرا وسفها ، فهل جنينا بعد كل هذا إلا الكبد ، والفناء ؟!
واشتغلنا عن دار ( لا فيها نصب وهم فيها لا يُخرجون ).
$$حقول يانعة ، وأنهار جارية ،و زهور قُزحيََّّة ، وتغاريد سمفونية ،و نسمات نديَّة ، وهضبات تعرجيَّة ، و أودية مائية ، وثمار دانية ، وأشجار غانية ، فما كل هذا إلا صورة من اللاشىء مما اشتغلنا به عن ( فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون ).
$$تُذرف العيون ، وتُسكب الحسرات على فوات فائت ، وضياع عَرَض ، آهات تعقبها زفرات لو لامست شيء لأحرقته ، اكتئاب يعتري النفس ، ونظرة مسودة للحياة ؛ والنهاية الموت بارتفاع ضغط القلب ، ولو صبر لنال ( أولئك يُجزون الغرفة بما صبروا ويُلقَّون فيها تحية وسلاما ).
$$ سخَّر حياته كلها لعلوم الدنيا ، فتجده عاملا ناصبا ، نسي حظوظ نفسه ، واستغرق في الوسائل لتحقيق المقاصد ، فبعد أن شقَّ طريقه بجهاد مضني ، وبلغ من العمر عتيَّا ؛ أخذ يتساءل : وماذا بعد ؟!
فتكوينات التربة ، وطبقات الفضاء لا تنتهي والعمر قد انتهى .
( يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون )
$$ صافِحْ السماء بتسبيح عينيك ، وحيي الأرض بحمدِ خُطاك ، وزر الكون بتأمل إيمانك ، ونادي في الملكوت من رأيتَ في الأرجاء شواهده ( ربِ ابني لك عندك بيتا في الجنة ).
$$ كلمة واحدة ممن يحب ؛ كفيلة بإسعاده أو إتعاسه ، منتهى الراحة عنده الاجتماع بحبيبه ، وإن اختلى بنفسه فاعلم أنه يعيش الذكرى معه ، طيف محبوبه يرافقه ويتهيأ في كل تحركات معيشته ، فعاش خادما ومات غارما ، ولو جرَّب معالي ( يحبهم ويحبونه ) لمات نادما من حقارة ما صنع وحلاوة ما ضيَّع .
$$ أكـْلٌ وشـُرْب ، لعبٌ ونـوم ، زواج ونسل ، فماذا يساوي كل هذا عند ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ).
$$امتداد أبعد من مد البصر ، وعمران لا يسعه محيط النظر ، ونِـعَم تنافي الحصر ، وعظمة تفوق إدراك البشر ، فإن تعالى ذلك في نفسك فرتل ( وما متاع الدنيا في الآخرة إلا قليل )
$$ قلوب نبضت بالحقد والبغض ، وعقول سكرت بالانتقام والمكر ، قطَّعت أرحامها ، وهجرت جيرانها ؛ من أجل مالا يسوي عند الله جناح بعوضة ( بل تؤثرون الحياة الدنيا * والآخرة خير وأبقى )
$$ تتوسع دائرة المعرفة فيقل الدعاء والتبـتـُّل ، وتتعدد وسائل الترفيه فتضمحل السكينة والقناعة ، وتكثُر وسائل الاتصال فتمحق البركة والإنجاز ، وفي كل يوم تزداد العروض تتلاشى معه معانٍ لا تكون إلا في قلب مؤمن زاهد
( ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب ).