اسلوب جديد يحاول المحللون النفسيون اتباعه في علاج الاكتئاب، ولدى دراسة القرآن تبين أنه مليء بأساليب العلاج..
لنتأمل .... في جامعة برن وجد علماء ألمان أن حوار المريض الذي يعاني من اكتئاب مزمن له فوائد طبية عديدة. حيث يؤدي إلى تحسن صحة المريض وتخفيف حدة الاكتئاب. ووجدوا أن لكل مريض حوار خاص أو طريقة خاصة بالحوار يناسب شخصيته. فقد أثبتت دراسات عدة أن أسلوب العلاج بالحوار أعطى نتائج فعالة في علاج بعض الاضطرابات النفسية ولذلك يحاول بعض المعالجين النفسيين استخدام هذه الطريقة كأسلوب جديد للعلاج. العجيب أن القرآن مليء بالقصص الحوارية التي تهدف لتحسين حالة المؤمن النفسية... والذي يتأمل آيات القرآن يلاحظ أن أكثر من الثلث عبارة عن قصص وعبر وموعظة وحوار بين الأنبياء والناس، وبين الله تعالى وأنبيائه وتارة بين إبليس وآدم... كل هذه الحوارات غنية جداً وتغطي كل الحالات النفسية التي يحتاجها الإنسان. فمثلاً في حالة الضيق الشديد والإحساس بالعزلة وعدم تقدير الناس لك ومكر بعض الناس من حولك... فإن القرآن يعطيك قصة سيدنا يوسف وكيف مكر إخوته ليقتلوه... ولكن الله تعالى نجاه وعلمه وأغناه وأخيراً جعله ملكاً لدولة عظيمة في ذلك الزمن هي مصر. لذلك كانت مثل هذه القصص تنزل على قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لتواسيه وتثبته على الحق، وليتعلم منها قصص من سبقوه ويستفيد في علاج المشاكل التي يتعرض لها مع مجتمعه وقومه... فالقصة القرآنية هدفها الأول التعليم والعلاج. وسوف نقوم بإعطاء علاج سريع بقصص من القرآن (وهذا حسب تجربتي الشخصية، لأنه لا توجد دراسات علمية حتى الآن عن العلاج بالقصة القرآنية وتأثيرها على القلب وضغط الدم واضطرابات النفس... وغيرها من الأمراض)...
1- علاج أي مرض والتخفيف من الآلام وذلك من خلال قصة سيدنا أيوب وتعرضه للبلاء الشديد، المرض كاد يصرفه عن ذكر الله، الشيطان مسَّه بتعب وعذاب وعانى من الألم سنوات طويلة.. ولكن هل تركه الله دون شفاء، بل شفاه بأهون الأسباب. تأمل معي قوله تعالى عن سيدنا أيوب عليه السلام: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) [الأنبياء: 83-84]. وتأمل معي كيف يلجأ العبد الصالح لربه (َإنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) وكيف تأتي الاستجابة من الله عز وجل (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ)... هذا هو حال المؤمن لا يفقد الأمل من الله تعالى.
2- علاج الإحساس بالوحدة والضيق الشديد والكرب وذلك من خلال قراءة قصة سيدنا يونس عندما وجد نفسه فجأة وحيداً في ظلمات البحر وظلمات بطن الحوت... ولكن هل فقد الأمل من الله تعالى؟ هل نسي الله تعالى؟ لقد ذكر الله وسبحه في أصعب الظروف وكانت النتيجة أن الله عز وجل لم يتركه وحيداً بل نجاه بمعجزة... وكانت هذه القصة عبرة لكل مؤمن. تأمل معي أخي المؤمن هذه الآية العظيمة التي تجعلك أقوى من أي إنسان لم يعرف هذه القصة ولم يقرأها... (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) [الأنبياء: 87-88] فكلما أحسست بالضيق والغم عليك بهذا الدعاء: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) فكما نجى الله سيدنا يونس فإن هذا الإله العظيم قادر على أن ينجيك ويكرمك ويرزقك من حيث لا تحتسب.
3- سيدنا نوح يحاور قومه 950 سنة! علاج الإحساس بالظلم من روائع القصص القرآني قصة سيدنا نوح الذي لبث في قومه 950 سنة، وحاورهم بشتى الوسائل والطرق ولم يترك وسيلة للإقناع إلا اتبعها ولكن لم يؤمن معه إلا القليل. ولذلك فإن قصة نوجح مليئة بالأحداث والعبر وبخاصة عندما نجى الله سيدنا نوحاً عليه السلام ونصره على قومه. تأملوا معي هذه الآية وكم تحمل من معاني ترفع معنويات المؤمن وبخاصة من يشعر بالظلم: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) [القمر: 9-10] فعندما تنظر أخي المؤمن إلى هذا النبي العظيم وكيف كذبه قومه واستهزأوا به واتهموه بالجنون، فإنك تشعر بأن الله لن ينساك أيضاً وسوف ينصرك في هذه الدنيا على من استهزأ بك، وبخاصة عندما تدعو الله بإخلاص. وانظر معي إلى دعاء نوح (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) فماذا كانت النتيجة؟ لقد جاء النصر من عند الله تعالى قال عز وجل في الآية التالية: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ) [القمر: 11-14] وهذه نتيجة من يكفر بالله ويستهزئ بعباد الله تعالى.
4- علاج الهموم واليأس إن أفضل سورة لعلاج الهموم سورة يوسف، هذه السورة من أحسن القصص حيث تضمنت أروع الأمثلة في العلاج والشفاء فهذا هو سيدنا يعقوب لا يفقد الأمل من رحمة الله على الرغم من غياب ابنه يوسف وغياب أخيه من بعده ومضي سنوات طويلة... انظروا ماذا قال؟ يقول سيدنا يعقوب مخاطباً أبناءه: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف: 87].. إنها كلمات شافية لكل من يعاني من مشكلة فقدان عزيز عليه أو لا يجد من يواسيه ... إنها آية تمنح الأمل لكل يائس وتشعرك بالقرب من الله وأن الله معك يراك ويسمعك وأقرب إليك من نفسك ... انظر معي إلى عظمة هذا العلاج... العلاج بالثقة بالله: (إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ).. فسبحان الله!
5- علاج الحزن طبعاً قصص القرآن كلها علاج... قصة إبراهيم وموسى وعيسى... عليهم السلام وكثير من الأنبياء ذكرهم القرآن وذكر قصص صبرهم وشدة ثقتهم بالله تعالى، ولا ننسى قصة خير الأنبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. فالظروف التي مر بها سيد البشر تشمل كل نواحي الحياة ومهما تكن ظروفك ومشاكلك فإنك تجد علاجاً لها في السيرة النبوية الشريفة. فمثلاً تأمل معي هذا الموقف للنبي الكريم: (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) [التوبة: 40].. فهذه الآية تعلمنا ألا نحزن مهما اشتد الكرب مادام الله موجوداً يسمعك ويراك وهو معك وقد كتب عليك كل شيء... فلا تظن أن شيئاً في هذا الكون يتحرك إلا بأمر الله تعالى. وأخيراً ننصح كل من يعاني من مشكلة نفسية أن يلجأ إلى الاستماع إلى القرآن وبخاصة سورة يوسف وسورة مريم وسورة الأنبياء وكل سور القرآن فيها شفاء وينبغي أن نفرح برحمة الله ولا نحزن، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 57-58].