لا شيء يشعرك بالعجز التام
كما يفعل ( جرح الفقد)
تبقى له في الحلق غصة
و في القلب حرقة
وفي الروح مرارة
لا تهدأ أبدا
حينما نتأمل
تلك التخبطات و الانهيارات
التي تعصف بحياة الكثيرين
نلحظ أن هذا التشتت والتخبط
و الانحراف أحيانا
ما هو إلا انعكاس و ردة فعل .. لافتقاد شيء ما
قد يكون هذا الشيء مادة – المال-
أو إحساسا – الحنان -
أو حتى شخص
ويتسبب هذا الافتقاد في جرح
يزداد نزفا في أعماقنا
كلما تجاهلناه
لسنا هنا بصدد الحديث عن (جراح الفقد)
ولعلنا نفرد الحديث عنه في مقال آخر
غير أن (جرح الفقد) الذي أعنيه هنا
هو الأخير
( فقد حبيب قريب )
و ليس فقدانه
بقسوة ظروف الحياة
بل هو
فقدان بالموت
الموت لا يستأذن
جميعنا ندرك ذلك
هو يأتي بغتة
إنه لا يستأذن ليأتي .. لا يستأذن أبدا
((وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَاجَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ
كنا قد تحدثنا
أن القرآن شفاء
شفاء لجراحات القدر
وشفاء لجراحات الذنوب
و (جرح الفقد)
هو تفرع عن جراحات القدر
اليوم
نتعلم سويا .. كيف نداويه بكلام الرحيم الرحمن:
(وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ
وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ @
الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون )
البقرة 156-157
يقول السعدي: { وَالأنْفُسِ } أي: ( ذهاب الأحباب من الأولاد، والأقارب، والأصحاب،
ومن أنواع الأمراض في بدن العبد، أوبدن من يحبه )
أفهم أن ( إحساس الفقد)
هو الإحساس الوحيدالذي يجبرك
أن تقف مستسلما على (هامش الحياة)
أن ترى روحك
و هي تحتضرألف مرة
و تدرك أن كل لحظة احتضار ونزع
وكل سكرة .. تمر بها
لن تنتهي بموت!!!
الحل لهذا الألم المُــــحرق .. الذي يلجمنا عندما ينتزع الموت أرواحا أحببناها بطهر
هو في تحويل هذا الاستسلام
من (عجز مُلجم) إلى (رضا)
( قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون )
هذه بعض الخطوات لنصل إلى البلسم الذي يشفي جراحنا
(1)
كن شجاعا
العمل على استرداد توازنك هو مسئوليتك أنت
لا تطالب الجميع بأن يفهموك أو يحتووك أو يعيدوا لك التوازن المفقود
اقرأ بقلبك أول شيء ذكره الله للتصدي للصدمة:
( قَالُوا)
لم يقل : (قيل لهم قولوا)
بل هم من تحمل مسئولية البدء في مواجهة الصدمة
و يعينك على ذلك إقناع نفسك بأمرين:
الأول
( قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ)
أنا وذلك (الحبيب الفقيد) ملك لك
ملك لك يا لله
ملك لك يا رحيم
يا من أنتأرحم بنا من أنفسنا
يا من قدَّرت هذا الفراق
لحكمة تعلمها أنت و نجهلها نحن
الثاني
( قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون )
لا مفر من الرجوع إلى الله
إن كان ذلك الرجوع و التسليم في الدنيا
أنست به في رجوعك الأخروي الحتمي
أما إن لم يكن ..
فستلقى هناك ما لا تود أن تلقاه ( ومن سخط فله السخط)
يقول عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ :
” لَأَنْ أَخِرَّ مِنْ السَّمَاءِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُولَ لِشَيْءٍ قَضَاهُ اللَّهُ تَعَالَى لَيْتَهُ لَمْ يَكُنْ“
وهاتان الحجتان العقليتان تكفيلإقناع كل ذي لب وجعله يستعيد توازنه
(3)
تجلد
لا تظن أنك ستملك عصا أو مصباح سحري
يهبك الجلد
لا بد أولا .. من التجلد و التصبر
يقول جبران خليل جبران
( زرعت أوجاعي فيحقل من التجلد .. فأنبتت أفراحا )
ليكن لك حقلا كحقله
إن لم تصدق النتيجة التي وصل إليها جبران
فاقرأ بقلبك
( ومن يتصبر يُصبِّره الله )
(4)
الجأ
شد قلبك بحبل من الله
فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ))
أنت هنا محتاج إلى مصدر أمان ثابت يمدك بالقوة
(أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِجَمِيعاً )
إن كنت طبقت ما تحدثنا عنه في الأمان المفقود
فسيسهل عليك ذلك
فإنه الركن إن خانتك أركان
ابتعد مؤقتا عن الناس و أجمع قلبك على دعاء مخلص
بأن يكون الله عونك ومعينك
و أن يوفقك للالتجاء والاستغناء به
إذن الرابعة الالتجاء بالدعاء
وهو أنواع وأعذب أنواعه الصبر مع الله
فهو وربي طريق البشرى
(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)
(6)
كن صالحا
صلاحك يشفع لمن انتزعته حكمة الله من بين يديك
تقول أ.العنود الطيار في حديث مطول أختصره :
اسمع ماذا يقول الله عن أوليائه
( ولئن سألني لأعطينه)
إن كنت صالحا و تقربت إلى الله حتى صرت وليه
ف سيقبل الله شفاعتك في من أحببت
فأقترب من ربك
و أكثر من الدعاء لحبيبك الذي فقدته
(7)
استعد لجرح آخر
الفقد سنة كونية
لن تنتهي إلا بنهاية هذا الكون
ولا حل أمامنا
سوى أن نستعد لها