ابيض , نقي , مغري , ناعم ,فيه الكثير من مظاهر البراءة يوجه دعوة دون كلام
لكنه خادع بارد مؤذي إن عشت معه فترة طويلة سيقتلك ببطء ولن تجد له رادع
ألا يكفي انه يجعل الكثيرين يخلون مقاعد الانتظار , رغم هذا أحب الثلج
يعطيني الكثير من الهدوء والسكينة ,يبعدني عن الجميع لأكون أنا فقط ,
أتحداه واعشقه اتركه يلامس وجهي دون حياء أو خجل
هذه ليست أول مرة أجلس في هذا المكان وليس أول موسم يجر أفكاري عنوة
ويختطف أحاسيسي لأتلصص على من حولي , لا يهمهم المطر ويرون فيه الكثير
من الرومانسية وحر الصيف لا يؤذيهم لأنهم يذوبون بلهفة اللقاء ونار الوداع ,
لا تبهت مشاعرهم كما يسرق الخريف من الأشجار سترها الأخضر ..
ماذا عن الثلج كيف هو ومشاعرهم ؟
ان كانت لدينا القدرة لنفجر حاجز السؤال فلا بد أن نبحث عن الإجابة
ولا ننتظر أن تتمسك بالبساط السحري لتعرض نفسها أمامنا ..
لذا ذهبت في هذا اليوم المثلج إلى ذلك المكان لاني ارتدته في كل حالة
جوية مختلفة ولم يبخل عليَ بالإجابة .
أجلس على ذلك المقعد فيقشعر جسدي من وحدته وألمه من وطأة
الثلوج
ولم يكن من قبل وحيداً كما هو اليوم وليس هو فقط حتى رفاقه الآخرين يخترق أنينهم
روحي إلا ذلك المحظوظ الذي حظي بدفء استمده من لقاء هذين العاشقين
وليس هو من سًعِد لوجودهم فقد وجدت ما ابحث عنه .
ننسى ما حولنا وأين نكون في لحظات اللقاء والفراق حتى تلك المقاعد
التي نشغلها لا نعرف من أي مادة صنعت؟ وما حدث لها ؟
وكم مر عليها من لحظات متشابهة؟ وهل تتذكر كل ما مر بها كل...
كلمة وكل إحساس ؟ فهاهي تلك الكراسي تحتضن أكوام من الثلج تغطيها
ببياضها لكنها لا تراعيها وهي تصلبها ببرودتها وتفقدها دفء مشاعر
المواسم الماضية ولا تكتفي بل تهلكها وتستنزف طاقتها فتصدأ المعدنية منها
وهي تجاهد كي تعزل عنها لسعات
الثلوج ولكنها تعود وتتفاعل معها
لتشوه ملامحها اللامعة بتلك البقع المؤذية والمقاعد الخشبية
يخترق ذوبان
الثلوج تراصها الجميل فتتفت شيئاً فشيئاً لان ذاكرتها أثقلت
بعابرين احتضنت أجسادهم بكل محبة وعانت
معهم وفرحت لهم , ربما هذا يؤذيها ولكنه يساعدها على الاستمرار كي تنسى
ما مر بها فتصنع ذاكرة النسيان والتي لم نمتلكها بعد حاولنا ولكن لم يكن مقدر لنا .
- هل يمكنني الجلوس ؟
صوته اخترق سكوني وهربت منه أفكاري من رجل تزين شعره
بخصلات ضاهت الثلج في بياضها ومنحته وقار يناسب سنونه المقاربة للخمسين .
- نعم تفضل
- إذا ليس لقاء أو فراق
- عفواً ؟
- لستِ هنا للقاء مزين بالحب أو فراق مضرج بالحزن .. يا ترى ماذا يكون ؟
عذراً لفضولي لكن لم استطع مقاومة السؤال.
- صحيح ما قلته , والسؤال يكلفنا الكثير من الانتظار حتى نحصل على الجواب
واسمح لي أن استعير سؤالك إن لم يكن لا هذا ولا ذاك ما الذي جاء بك
هنا بدل أن تجلس وتستمتع بمدفأة وربما صحبة كتاب .
- ذكية وتتلاعبين بالكلمات لهذا سأجيبك أنا بالبدء , أرى لقاء عشته
ومكان أهداني أجمل اللحظات ولكنه لم يظني عليَ بالفراق .. دوركِ ؟
- لصة تبحث عن شيء يستحق السرقة
- ومنذ متى يحمل اللصوص معهم مفكرات .
- اللصوص على شاكلتي لا يريدون أن يضيع منهم ما يسرقونه في غياهيب النسيان
- ولماذا تسمين ما تكتبينه سرقة
- لأنهم لا يعرفون إني اخترق بعقلي وقلبي لقائهم وأمزق هالة الحب التي تحيط بهم
لأملأ اسطري بحوار نسبته لهم , ماذا عنك ألم تسرق من قبل ؟
- سرقت كثيراً وعزفت مقطوعات من الصمت واثبت الجريمة بخطوط
وألوان ناطقة لمن يفهمها ويشعر بها
- الرسام من يقترف هذه الجريمة
- الكاتبة من تكون الكلمات لعبتها
لحظة صمت فرضها وجود عاشقان ادفئا المكان بنظراتهم المتبادلة
التي تحمل الكثير من الاشتياق لم يطيقا الصبر حتى يكف تساقط
الثلوج .
- ما هي لغة لوحاتك وفي أي فصل تعيش أم تراها تولد في كل المواسم ؟
ابتسامة هادئة رسمت خطوط من السنين حول عينيه
- عقلكِ اكبر من أن يسعه عمركِ أن تقيديه بصفحات وتغلليه بكلمات,
فالأغلب يرى اللوحات صامتة تعبر عن لحظة عابرة , شيء من المسلمات
يكملون بها مظهر منازلهم أو مكاتبهم ولا يرون ما خلف تلك الألوان
وقليلون من يشعرون بالأحاسيس التي كونت هذه اللوحة أو دونت تلك اللحظة ..
جواباً على سؤالك الفن له لغة المشاعر أما الفرح أو الحزن ,يولد في كل الفصول
ولكني أفضل الخريف أحب تلك الألوان التي ترتديها الأرض والأشجار وحتى السماء .
- العمر ليس بمظهر أو رقم مخطوط على ورق إنما هو بمقدار ما عشته
من ألم أو سعادة وبما تمسكت بما أعطته لك الحياة. الرسم يتحدث بلغة صامتة
يعزف على أوتار القلوب ..في كل ضربة فرشاة يخلد أعاصير من المشاعر
التي استلزمها الكثير من الوقت لتصل إلى تلك اللوحة أما الكتابة تصف الكثير
من المشاعر لتصل بها إلى لحظة معينة وغرض محدد وبهذا يمكن
ان يكون احدهما مكمل للآخر , لقطة صامتة تنقش الكثير من الخفايا
والكثير من الشد والجذب حتى تصل تلك النقطة .
- لما كل هذا الاستغراق بمشاعر من حولكِ بدلاً من أن تأخذي ما يدور بين جنبات
قلبكِ وتصنعين منه ما تشائين به من الحكايات .
- لا املك مشاعري حتى اهديها للآخرين ولا أستطيع أن تدور
حياتي حول الـا( أنا ) وأتخلى عمن حولي ربما لا تكون لديهم القدرة
ليعبروا عما يجول في خاطرهم ولا يستطيعون اللجوء لأحد حتى يفعل ذلك
ولا أريد أن تنتشر غربان أحزاني وتسرق بريق سعادتهم أو يزيد أشواك
أحزانهم فلم أجد إلا أن أنسى نفسي حتى أتغلغل في حياتهم ،
وهل استطعت أن ترسم نفسك أو تدون ما بداخلك بفرشاة وورق ؟
.. نظرة ماكرة وخطوة تخطيها مقابل خطوته .