01-08-2019, 07:39 AM
|
|
|
|
الفوائد العَقَديَّة من حادثة الإفك
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتابَ ولم يجعل له عِوَجاً، فصَّلَ وبيَّنَ وقرَّرَ صراطاً مستقيماً ومنهجاً، ونصَبَ ووضَّحَ من براهين معرفته وتوحيدهِ سلطاناً مُبيناً وحِجَجَاً، أحمدُه سبحانه حمدَ عبدٍ جعَلَ له من كُلِّ همٍّ فَرَجاً، ومن كلِّ ضيقٍ مخرجاً، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له، شهادةً ترفعُ الصادقين إلى منازل المقرَّبين دَرَجاً، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه الذي وَضَعَ اللهُ برسالته عن المكلَّفين آصاراً وأغلالاً وحَرَجاً، اللهُمَّ صلِّ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ وعلى آله وأصحابه خيرِ الأنامِ طريقةً وأهداهم مَنْهجاً، وسلِّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله حقَّ تقواه، وسارعوا إلى مغفرته ورضاه، فقد خلَقَكُم لأمرٍ عظيمٍ، وهيَّأكُم لشأنٍ جسيمٍ، خلَقَكُم لمعرفته وعبادته، وأمَرَكُم بتوحيدِه وطاعته، وجَعلَ لكم ميعاداً تجتمعون فيه للحُكمِ فيكم، وفَصْلِ القضاءِ بينكم، فخابَ وشقيَ عبدٌ أخَرَجَهُ اللهُ من رحمته التي وَسِعت كُلَّ شيءٍ وجنةٍ عرضها السمواتُ والأرضُ، وإنما يكونُ الأَمَانُ غدَاً لمن خافَ واتقَى، وباعَ قليلاً بكثيرٍ، وفانياً بباقٍ، وشقوةً بسعادةٍ.
عبادَ اللهِ:
إنَّ من أضخمِ المعاركِ التي خاضَهَا رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومن أعظمِ الآلام التي مرَّت عليه، ولعلَّ الخَطَرَ على الإسلامِ كان من أشدِّ الأخطارِ التي تعرَّضَ لها في تأريخهِ، ألا وهي حادثةُ الإفكِ، وقد وَقَعَت في شعبانَ من السنةِ الخامسةِ من الهجرةِ النبويَّة.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إذا أَرَادَ أن يَخرُجَ أَقْرَعَ بينَ أزواجِهِ، فأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُها خرَجَ بها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مَعَهُ، قالت عائشَةُ: فأقْرَعَ بينَنا في غَزْوَةٍ غَزَاها فخَرَجَ سَهْمِي، فخَرَجْتُ معَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بعدَما نزَلَ الحِجَابُ، فأنا أُحْمَلُ في هَوْدَجِي، وأُنْزَلُ فيهِ، فَسِرْنا حتَّى إذا فَرَغَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مِن غَزْوَتِهِ تِلْكَ وقَفَلَ، ودَنَوْنا من المدينةِ قافلينَ، آذَنَ ليلةً بالرَّحِيلِ، فقُمْتُ حينَ آذنُوا بالرَّحيلِ فَمَشَيْتُ حتى جاوزتُ الجَيْشَ، فلمَّا قَضَيْتُ شأني أقبَلْتُ إلى رَحْلِي، فإذا عِقْدٌ لي من جَزْعِ ظَفَارٍ قدِ انقَطَعَ، فالتَمَسْتُ عِقْدِي وحَبَسَنِي ابتِغاؤُهُ، وأقبَلَ الرَّهطُ الذينَ كانُوا يَرْحَلُونَ لي، فاحتَمَلُوا هَوْدَجِي فرَحَلُوهُ على بعيرِي الذي كُنتُ رَكِبْتُ، وهُم يَحْسِبُونَ أني فيهِ، وكانَ النساءُ إذْ ذاكَ خِفَافاً، لم يُثقِلْهُنَّ اللحمُ، إنما تَأْكُلُ العُلْقَةَ من الطعامِ، فلم يَستنكِرِ القومُ خِفَّةَ الهَوْدَجِ حينَ رفَعُوهُ، وكُنتُ جارِيَةً حديثةَ السِّنِّ، فبَعَثُوا الجَمَلَ وسارُوا، فوَجَدْتُ عِقْدِي بعدَما اسْتَمَرَّ الجيشُ، فجِئْتُ منازِلَهُم وليسَ بها دَاعٍ ولا مُجيبٌ، فأَمَمْتُ مَنزِلي الذي كُنتُ بهِ، وظَنَنْتُ أنهم سَيَفْقِدُوني فيَرْجِعُونَ إليَّ، فبَيْنَا أنا جالسةٌ في مَنزِلي غَلَبَتْنِي عَيْنِي فنِمْتُ، وكانَ صَفْوانُ بنُ المُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوانيُّ مِن وَرَاءِ الجيشِ، فأَدْلَجَ فأَصْبَحَ عندَ مَنْزِلي، فرأَى سَوَادَ إنسانٍ نائمٍ، فأتاني فَعَرَفَني حينَ رآني، وكانَ رآني قَبْلَ الحِجابِ، فاستيقظْتُ باسترجاعِهِ حينَ عرَفَني، فخَمَّرْتُ وَجهِي بجلبابي، وواللهِ ما كَلَّمَني كَلِمَةً ولا سَمِعْتُ منهُ كَلِمَةً غَيْرَ استِرجاعِهِ، حتى أَناخَ راحلَتَهُ فَوَطِئَ على يَدَيْهَا فَرَكِبْتُها، فانطَلَقَ يَقُودُ بي الراحلَةَ، حتَّى أَتَينا الجيشَ بعدَما نَزَلُوا مُوغِرِينَ في نَحْرِ الظهيرَةِ، فهَلَكَ مَن هَلَكَ، وكانَ الذي تَوَلَّى الإفكَ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ ابنَ سَلُولَ، فَقَدِمنا المدينةَ، فاشْتَكَيْتُ حينَ قَدِمْتُ شَهْراً، والناسُ يُفيضُونَ في قولِ أصحابِ الإِفْكِ، لا أَشْعُرُ بشيءٍ مِن ذلكَ، وهُوَ يَرِيبُني في وَجَعي أني لا أَعْرِفُ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ اللُّطَفَ الذي كُنتُ أَرَى مِنهُ حينَ أَشتكي، إنما يَدخُلُ عليَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فيُسَلِّمُ ثمَّ يقولُ: كيفَ تِيكُمْ؟ ثُمَّ يَنصَرِفُ، فذاكَ الذي يَرِيبُني، ولا أَشعُرُ بالشَّرِّ حتى خَرَجْتُ بعدَما نقَهْتُ، فخَرَجَتْ مَعي أُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَناصِعِ وهُوَ مُتَبَرَّزُنا، وكُنَّا لا نَخرُجُ إلاَّ ليلاً إلى لَيْلٍ، وذلكَ قَبْلَ أنْ نَتَّخِذَ الكُنُفَ قريباً من بُيُوتِنا، وأَمْرُنا أَمرُ العَرَبِ الأُوَلِ في التبَرُّزِ قِبلَ الغائطِ، فكُنَّا نتأذَّى بالكُنُفِ أنْ نتَّخِذَها عندَ بُيُوتِنا، فانطَلَقتُ أنا وأُمُّ مِسْطَحٍ وهيَ ابنةُ أبي رُهْمِ بنِ عبدِ مَنافٍ، وأُمُّها بنتُ صَخْرِ بنِ عامرٍ خالةُ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ، وابنُها مِسْطَحُ بنُ أُثاثةَ، فأقبَلْتُ أنا وأُمُّ مِسْطَحٍ قِبلَ بيتي، وقد فَرَغنا من شأنِنا، فعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ في مِرْطِها، فقالت: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فقُلتُ لها: بئسَ ما قُلتِ، أتسُبِّينَ رَجُلاً شَهِدَ بدراً؟ قالت: أي هَنْتَاهْ أوَلَم تسمعي ما قالَ؟ قالت: قُلتُ: وما قالَ؟ فأخبَرَتْني بقولِ أهلِ الإِفكِ، فازدَدْتُ مَرَضَاً على مَرَضي، فلَمَّا رَجعتُ إلى بَيْتي، ودَخَلَ عليَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ تَعْني سَلَّمَ، ثمَّ قالَ: كيفَ تِيكُم؟ فقُلتُ: أتأذَنُ لي أنْ آتيَ أَبَوَيَّ، قالت: وأنا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أنْ أسْتَيْقِنَ الخَبَرَ من قِبلِهِما، قالت: فأذِنَ لي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فَجِئْتُ أَبَوَيَّ فقلتُ لأُمِّي: يا أُمَّتاهْ ما يَتحدَّثُ الناسُ؟ قالت: يا بُنَيَّةُ هوِّنِي عليكِ، فواللهِ لقَلَّما كانتِ امرأةٌ قطُّ وَضِيئَةٌ عندَ رَجُلٍ يُحِبُّها ولَها ضَرائِرُ إلاَّ كَثَّرْنَ عليها، قالت: فقُلتُ سُبحان اللهِ، أَوَ لَقَدْ تَحدَّثَ الناسُ بهذا؟ قالت: فَبكَيْتُ تِلكَ الليلَةَ حتى أصبَحتُ لا يَرْقَأُ لي دَمْعٌ، ولا أَكْتَحِلُ بنومٍ، حتى أصْبَحْتُ أبكي، فدَعا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عليَّ بنَ أبي طالبٍ وأُسامةَ بنَ زيدٍ رضيَ اللهُ عنهُما حينَ اسْتَلْبَثَ الوَحْيُ، يَستأمِرُهُما في فِراقِ أهلِهِ، قالت: فأمَّا أُسامةُ بنُ زيدٍ فأشارَ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بالذي يَعلَمُ من بَرَاءَةِ أهلِهِ، وبالذِي يَعلَمُ لهم في نَفسِهِ منَ الوُدِّ، فقالَ: يا رسولَ اللهِ، أهلَكَ ولا نعلَمُ إلاَّ خيراً، وأمَّا عليُّ بنُ أبي طالبٍ فقالَ: يا رسولَ اللهِ لَم يُضيِّقِ اللهُ عليكَ، والنساءُ سِواها كثيرٌ، وإن تَسأَلِ الجاريةَ تَصْدُقْكَ، قالت: فدَعا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بَرِيرَةَ، فقالَ: أَيْ برِيرَةُ، هل رَأيتِ مِن شيءٍ يَرِيبُكِ؟ قالت بَرِيرَةُ: لا والذي بَعَثكَ بالحقِّ، إنْ رأيتُ عليها أمراً أَغْمِصُهُ عليها أَكثرَ مِن أنها جاريةٌ حَديثةُ السِّنِّ، تَنامُ عن عَجِينِ أهلِها، فتأتي الدَّاجِنُ فتأكُلُهُ، فقامَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فاستعذَرَ يومئِذٍ مِن عبدِاللهِ بنِ أُبيٍّ ابنِ سَلُولَ، قالت: فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وهُوَ على المنبرِ: يا مَعشَرَ المسلمينَ مَن يَعْذِرُني مِن رَجُلٍ قد بَلَغَني أذاهُ في أهلِ بيتي، فواللهِ ما عَلِمْتُ على أهلي إلا خَيراً، ولقَدْ ذكَرُوا رَجُلاً ما عَلِمْتُ عليهِ إلاَّ خَيراً، وما كانَ يَدخُلُ على أَهلي إلاَّ مَعِي، فقامَ سعدُ بنُ مُعاذٍ الأنصارِيُّ، فقالَ: يا رسولَ اللهِ أَنا أَعْذِرُكَ منهُ، إنْ كانَ من الأوسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وإن كانَ من إخوانِنا منَ الخزرَجِ أَمَرْتَنا ففَعَلْنا أَمْرَكَ، قالت: فقامَ سعدُ بنُ عُبادةَ وهُوَ سيِّدُ الخَزْرَجِ، وكانَ قبلَ ذلكَ رجُلاً صالحاً، ولكنِ احتَمَلَتْهُ الحَمِيَّةُ، فقالَ لسعدٍ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللهِ لا تَقْتُلُهُ، ولا تَقْدِرُ على قَتْلِهِ، فقامَ أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ وهُوَ ابنُ عَمِّ سعدِ بنِ مُعاذٍ، فقالَ لسعدِ بنِ عُبادةَ: كذبتَ لَعَمرُ اللهِ لَنقْتُلنَّهُ، فإنكَ مُنافقٌ تُجادلُ عنِ المنافقينَ، فَتثَاوَرَ الحيَّانِ الأوسُ والخَزرَجُ حتى هَمُّوا أن يَقتَتِلُوا، ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قائمٌ على المنبَرِ، فلم يَزَلْ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يُخَفِّضُهُم حتى سَكَتُوا، وسَكَتَ، قالت: فبَكَيْتُ يَوْمي ذلكَ لا يَرْقَأُ لي دَمْعٌ ولا أَكْتَحِلُ بنَوْمٍ، قالت: فَأَصْبَحَ أبَوَايَ عندِي وقد بَكَيْتُ ليلَتَينِ ويوْماً لا أَكْتَحِلُ بنومٍ، ولا يَرْقَأُ لي دَمْعٌ، يَظُنَّانِ أنَّ البُكاءَ فالقٌ كَبدِي، قالت: فبَيْنَما هُمَا جالسانِ عِندِي، وأنا أَبكِي فاستأذَنَتْ عليَّ امرأةٌ منَ الأنصارِ، فأذِنتُ لها فجَلَسَتْ تَبكي مَعِي، قالت: فبَيْنا نحنُ على ذلكَ، دخَلَ علينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فَسَلَّمَ ثمَّ جَلَسَ، قالت: ولَم يَجلِسْ عندِي مُنذُ قِيلَ ما قِيلَ قبْلَهَا، وقد لَبثَ شَهْراً لا يُوحَى إليهِ في شَأني، قالت: فتَشَهَّدَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ حينَ جلَسَ، ثم قالَ: أمَّا بعدُ: يا عائشةُ فإنهُ قد بَلَغَني عنكِ كذا وكذا، فإنْ كُنتِ بَريئةً فسَيُبَرِّئُكِ اللهُ، وإنْ كُنتِ أَلْمَمْتِ بذنبٍ فاستغفِرِي اللهَ وتُوبي إليهِ، فإنَّ العبدَ إذا اعتَرَفَ بذنبهِ ثمَّ تابَ إلى اللهِ تابَ اللهُ عليهِ، قالت: فلَمَّا قضَى رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مَقالَتَهُ قَلَصَ دَمْعي حتى ما أُحِسُّ منهُ قَطْرَةً، فقلتُ لأبي: أَجِبْ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فيما قالَ، قالَ: واللهِ ما أَدْرِي ما أقُولُ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقُلْتُ لأُمِّي: أَجيبي رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، قالت: ما أَدْرِي ما أقُولُ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، قالت: فقُلتُ وأنا جاريةٌ حديثةُ السِّنِّ لا أقرَأُ كثيراً منَ القُرآنِ: إني واللهِ لقد عَلِمْتُ لقد سَمِعتُم هذا الحديثَ، حتى استَقَرَّ في أنفُسِكُم وصَدَّقتُم بهِ فلَئِنْ قُلتُ لكُم: إني بريئةٌ واللهُ يَعلَمُ أني بريئةٌ لا تُصدِّقُوني بذلكَ، ولئنِ اعتَرَفتُ لكم بأمرٍ واللهُ يَعلَمُ أني منهُ بريئةٌ لَتُصَدِّقُنِّي، واللهِ ما أَجِدُ لَكُم مَثَلاً إلا قولَ أبي يُوسُفَ، قالَ: ﴿ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 18]، قالت: ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فاضْطَجَعْتُ على فراشي، قالت: وأنا حِينئِذٍ أعلَمُ أني بريئةٌ، وأَنَّ اللهَ مُبرِّئي ببَرَاءتي، ولكِن واللهِ ما كُنتُ أَظُنُّ أنَّ اللهَ مُنزِلٌ في شأني وَحْياً يُتلَى، ولَشَأْنِي في نفسي كانَ أَحْقَرَ من أن يَتكلَّمَ اللهُ فيَّ بأمْرٍ يُتلَى، ولكنْ كُنتُ أرجُو أن يَرَى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في النومِ رُؤيا يُبرِّئُني اللهُ بها، قالت: فواللهِ ما رَامَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، ولا خَرَجَ أحَدٌ من أهلِ البيتِ حتَّى أُنزِلَ عليهِ، فأخَذَهُ ما كانَ يَأخُذُهُ منَ البُرَحَاءِ، حتى إنهُ لَيَتحدَّرُ منهُ مثلُ الجُمَانِ منَ العَرَقِ، وهوَ في يومٍ شاتٍ، مِن ثِقَلِ القولِ الذي يُنزَلُ عليهِ، قالت: فلَمَّا سُرِّيَ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ سُرِّيَ عنهُ وهُوَ يَضْحَكُ، فكانتْ أوَّلُ كَلِمَةٍ تكلَّمَ بها: يا عائشةُ، أمَّا اللهُ عزَّ وجَلَّ فقدْ بَرَّأَكِ، فقالت أُمِّي: قُومِي إليهِ، قالت: فقُلتُ: لا واللهِ لا أقُومُ إليهِ، ولا أحْمَدُ إلاَّ اللهَ عزَّ وجلَّ، فأَنزَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ ﴾ [النور: 11] العَشْرَ الآياتِ كُلَّهَا، فلمَّا أَنزلَ اللهُ هذا في براءتي، قالَ أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ رضيَ اللهُ عنهُ وكانَ يُنفقُ على مِسْطَحِ بنِ أُثاثةَ لقَرابتهِ منهُ وفَقْرِهِ: واللهِ لا أُنفِقُ على مِسْطَحٍ شيئاً أبداً بعدَ الذي قالَ لعائشةَ ما قالَ، فأنزلَ اللهُ: ﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22]، قالَ أبو بكرٍ: بلَى واللهِ إني أُحِبُّ أن يَغفِرَ اللهُ لي، فرَجَعَ إلى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ التي كانَ يُنفقُ عليهِ، وقالَ: واللهِ لا أَنْزِعُها منهُ أبداً، قالت عائشةُ: وكانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَسأَلُ زَينَبَ ابنةَ جَحْشٍ عن أَمْرِي، فقالَ: يا زَيْنَبُ ماذا عَلِمْتِ أوْ رَأيتِ؟ فقالت: يا رسولَ اللهِ أَحْمِي سَمعي وبصَرِي، ما علمتُ إلاَّ خيراً، قالت: وهيَ التي كانتْ تُساميني من أزواجِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فعَصَمَها اللهُ بالوَرَعِ، وطَفِقَت أُختُها حَمْنةُ تُحارِبُ لَها، فهَلَكَتْ فيمَن هَلَكَ من أصحابِ الإِفْكِ) رواه البخاري ومسلم.
اللهمَّ ارض عن أُمِّ المؤمنين وأرضها يا ربَّ العالمين، اللهُمَّ وخذ ثأرك ممن قذفها يا حيُّ يا قيوم، آمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين الأحياء والميتين من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.
♦ ♦ ♦
|
|
hgt,hz] hguQrQ]d~Qm lk ph]em hgYt; hgt,hz] hgYt;
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
01-08-2019, 07:41 AM
|
#2
|
رد: الفوائد العَقَديَّة من حادثة الإفك
إِنَّ الحمدَ للهِ، نَحمَدُه ونستعينُه، مَن يَهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأنَّ مُحمَّداً عبدُه ورسولُه.
أمَّا بعدُ:
يقول الفقهاء: الإفك أبلغ ما يكون من الكذب والافتراء، أو هو البُهتان لا تشعرُ به حتى يفجأك.
وقد أجمع المسلمون على أن المراد بالإفك ما وقَعَ من الكذب والافتراء على أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، والمراد منه: الطعن في عِرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وعِرض صاحبه أبي بكر رضي الله عنه، وإشعال نار الفتنة بين المسلمين.
إن من أهمِّ الأمور العَقَدية التي تُستنبطُ من حادثة الإفك: إثبات توحيد الربوية والألوهية والأسماء والصفات، والإيمان بالقضاء والقدر، وأن الله خالق كلِّ شيء، وأن الإيمان قولٌ وعملٌ وتصديق ويزيد وينقص، وأن البلاء والصبرَ عليه يرفع الله به درجة المؤمن، فقد ابتُليت عائشة رضي الله عنها بهذه المحنة العظيمة شهراً كاملاً وهي لم تتجاوز الثالثة عشرة من عمرها، لا يرقأ لها دمعٌ ولا تكتحل بنوم، وأبواها المشفقان يظنان أن البكاء فالقٌ كبدها، ففوَّضت أمرها إلى الله وقالت (واللهِ ما أجدُ لكم مَثلاً إِلاَّ قَولَ أبي يُوسُفَ: ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 18]، فكان عاقبة صبرها أن أنزل الله براءتها بسبع عشرة آية تُتلى إلى يوم القيامة، وفيه إثبات صفة الكلام لله سبحانه، وأن القرآن كلام الله، وإثبات صفة العلوِّ لله، وأن الإنسان مسؤولٌ عن أقواله وأفعاله، والرَّد على القَدَرية والجبرية والخوارج والروافض، وأن التوبة تجُبُّ ما قبلها، ووجوب إحسان الظنِّ بالمؤمنين والمؤمنات، والدفاع عن أعراضهم، وخطر الإشاعة على العقيدة، وأن قذف المسلمين والمسلمات من الكبائر، وخطر النفاق والمنافقين، وحُرمة الأعراض، وأن الكذب من أكبر الذنوب، وإثبات أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، وأن حُبَّ عائشة رضي الله عنها من أُصول الإيمان، وأنَّ من سبَّ عائشة رضي الله عنها ورماها بما برَّأها الله به فهو كافرٌ مُعاندٌ للقرآن، وفيه وجوب إحسان الظن بالله تعالى، وفيه أن كيد الكائدين سينقلب عليهم، قال ابن كثير: ﴿ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ ﴾ [النور: 11]، أيْ: يا آلَ أبي بكرٍ، ﴿ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [النور: 11]، أيْ: في الدُّنيا والآخرةِ، لِسَانُ صِدقٍ في الدُّنيا، ورِفعَةُ مَنازِلَ في الآخرةِ، وإظهارُ شَرَفٍ لهُم باعتناءِ اللهِ بعائشةَ أُمِّ المؤمنينَ، حيثُ أنزلَ اللهُ تعالى بَرَاءَتَها في القُرآنُ العظيمُ) انتهى، قال ابنُ أبي مُلَيْكَةَ: (استأذنَ ابنُ عبَّاسٍ قبلَ مَوْتِها على عائشةَ وهيَ مَغْلُوبَةٌ - أي في كرب الموت - قالت: أَخشَى أنْ يُثنِيَ علَيَّ، فقيلَ: ابنُ عَمِّ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ومِن وُجُوهِ المسلمينَ، قالت: ائْذَنُوا لهُ، فقالَ: كيفَ تَجِدِينَكِ؟ قالت: بخيرٍ إِنِ اتقيْتُ، قالَ: فأنتِ بخيرٍ إنْ شاءَ اللهُ، زَوْجَةُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، ولَمْ يَنْكِحْ بكْراً غَيرَكِ، ونَزَلَ عُذرُكِ منَ السماءِ) رواه البخاري، وفيه مُدافعةُ الله عن أوليائه ﴿ نَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [الحج: 38]، وفيه: أن الذي تولَّى كبرَ الإفك هو رأسُ المنافقين عبدالله بن أُبيِّ بن سلول، وفيه: إن من أعظم ما تَندفعُ به المنكرات هو استغرابُ الناس لها واستنكارُهم إيَّاها لكي لا تشيعَ بينهم، وفيه: إن عدم قطع الإحسان عن الأقارب الذين بدَرَت منهم الإساءةُ ولو كان قذفاً في العِرضِ من أعظم أسباب المغفرةِ، وفيه: أهمية استشارة أهل العلم والدِّين، إلى غير ذلك من الفوائد والعبر.
الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
|
|
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
01-08-2019, 12:17 PM
|
#3
|
رد: الفوائد العَقَديَّة من حادثة الإفك
طرح قيم جزاك الله خير
ننتظر جديدك بشوق
يعطيك العافية على ماقدمت
لقلبك السعادة
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
01-08-2019, 02:29 PM
|
#4
|
رد: الفوائد العَقَديَّة من حادثة الإفك
شآكره لحضوركم وطلتكم
فالروحكم النقيه اجمل بإقات الود والعرفإن
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
01-09-2019, 12:21 AM
|
#5
|
رد: الفوائد العَقَديَّة من حادثة الإفك
جزاك المولى الجنه
وكتب الله لك اجر هذه الحروف
كجبل احد حسنات
وجعله المولى شاهداً لك لا عليك
دمتِم بسعاده لاتغادر روحكم
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
01-09-2019, 07:36 AM
|
#6
|
رد: الفوائد العَقَديَّة من حادثة الإفك
شآكره لحضوركم وطلتكم
فالروحكم النقيه اجمل بإقات الود والعرفإن
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
01-09-2019, 09:21 PM
|
#7
|
رد: الفوائد العَقَديَّة من حادثة الإفك
جزاك الله خيرعلى الطرح الجميل
ننتظر جديدك بشوق
ودي و تقديري
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
01-10-2019, 12:13 AM
|
#8
|
رد: الفوائد العَقَديَّة من حادثة الإفك
شآكره لحضوركم وطلتكم
فالروحكم النقيه اجمل بإقات الود والعرفإن
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
01-12-2019, 10:14 AM
|
#9
|
url=http://www.tra-sh.com/up/] [/url]
رد: الفوائد العَقَديَّة من حادثة الإفك
انتقاااء راائع ومميز
الله يسعد قلبك
يعطيك العافية
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
01-12-2019, 11:49 AM
|
#10
|
رد: الفوائد العَقَديَّة من حادثة الإفك
شآكره لحضوركم وطلتكم
فالروحكم النقيه اجمل بإقات الود والعرفإن
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 03:45 AM
| | | | | | | | | |