[ خير الناس ذو القلب المخموم واللسان الصادق ]
فالقلب العامر بنور الإيمان هو المعيار الأساسي للتقوى
قال صلى الله عليه وسلم [ التقوى هاهنا التقوى هاهنا …وأشار إلى صدره ] رواه مسلم .
فأمر الإيمان ليس بكثرة الأعمال الظاهرة ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل [ ألا وإن في الجسد مضغه إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب] رواه مسلم.
لذلك كان صلاح القلوب بالطاعات الشغل الشاغل للمؤمنين الصادقين .
قال إبراهيم الخواص :[دواء القلب في خمسة أشياء قراءة القرآن بالتدبر وخلاء البطن وقيام الليل والتضرع عند السحر ومجالسه الصالحين ]. والذنوب للقلب بمنزلة السموم إن لم تهلكه أضعفته ولابد، والضعيف لا يقوي علي مقاومــة العوارض ، قال ذو النون المصري :[سقم الجسد في الأوجاع وسقم القلوب في الذنوب فكما لا يجد الجسد لذة الطعام عند سقمه كذلك لا يجد القلب حلاوة العبادة مع الذنوب ]
والقلوب الفارغة مــن طاعة الله موكله بالشهوات التي هي سبب هلكتها وموتها .
[ قيل ما القلب المخموم ؟ قال هو التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا حسد ]
إنه القلب الخالي من آفات وأمراض القلوب كالبغي والغل والحقد والحسد …فهو القلب السليم التقي النقي الذي لا يفلح ولا ينجو يوم القيامة إلا صاحبه
قال تعالى [ يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ]الشعراء 88-89 ،
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال : "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلع رجل من الأنصار ينظف لحيته من وضوئه قد تعلق نعليه في يده الشمال فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضا فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال إني لاحيت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثا فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت قال نعم قال أنس وكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئا غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر قال عبد الله غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن أحتقر عمله قلت يا عبد الله إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر ثم ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث مرات فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به فلم أرك تعمل كثير عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما هو إلا ما رأيت قال فلما وليت دعاني فقال ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه فقال عبد الله هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق " رواه أحمد.
[ خير الناس ذو القلب المخموم و اللسان الصادق ]
قال تعالى [ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ] التوبة 119 وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الصدق يهدى إلى البر وإن البر يهدى إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً وإن الكذب يهدى إلى الفجور وإن الفجور يهدى إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً " رواه البخاري.
وقيل لبعض العلماء ما خير المكاسب ؟ قال : خير مكاسب الدنيا طلب الحلال لزوال الحاجـة والأخذ منه للقوة على العبادة وتقديم فضلة الزائد ليوم القيامة .وأما خير مكاسب الآخرة فعلم معمول به نشرته وعمل صالح قدمته و سنه حسنة أحييتـها ، ولقي معاوية بن قرة أحد إخوانه وقد جاء من الكلأ فقال له معاوية ما صنعت ؟ قـال : اشتريت لأهلي كذا وكذا قال وأصبت من حلال قال نعم قال : لأن أغدو فيما غدوت به أحب إلى من أن أقوم الليل وأصوم النهار ، وكان حسان بن أبى سنان يقـول : لولا المساكين ما اتجــرت ]
أريد من الدنيا ثلاث و إنهـا *** لغاية مطلوب لمن هو طالب
تلاوة قرآن ونفس عفيـفة *** وإكثار أعمال عليها أواظب
و إذا تأملت القرآن وجدت أن الله تعالى حين ذكر الدنيا قال ( فامشوا في مناكبها )وحين ذكر الذكر فيها قال ( فاسعوا إلى ذكر الله ) وحين تكلم عن الجنة قال (وسارعوا )(سابقوا ) وحين تكلم عن العلي القدير قال (ففروا إلى الله)
وروى عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال:{يؤتى بالدنيا يوم القيامة على صورة عجوز شمطاء زرقاء أنيابها بادية مشوهه الخلقه لا يراها أحد إلا كرهها فتشرف على الخلائق فيقال لــهم أتعرفون هذه ؟ فيقال لهم هذه التي تفاخرتم وتحاربتم عليها ثم يؤمر بها إلى النار فتقول يا رب أين أتباعي وأصحابي وأحبابي؟ فيلحقونها} ووجه إلقائها في النار لينظر إليها أهلها فيرون هوانها علـى الله عز و جل ]
فحب الدنيا يورث الضغائن والعداوات ويزرع الأحقاد ويكمن الشر ويمنع البر ويســبب العقوق وقطيعة الرحم والظلم وطالب الدنيا قصير العمر كثير الفكر فيما يضر ولا ينفـع فأمر الدنيا أفقر من أن تتعادى فيه النفوس وأن تطاع فيه الضغائن والأحقاد
صلوات الله وسلامه عليك يا رسول الله
فكلامك شفاء من كل داء
ومنهج للحيارى الذين يتلمسون طريق النجاة
إنه نور لا يخرج إلا من مشكاة النبوة