04-18-2017, 05:18 PM
|
|
|
|
الجرة
الجرة
الحمد لله الذي أنعم علينا بما أعطانا من الأموال، ووفق من شاء من خلقه لاكتسابها من طريق حلال، وصرفها فيما يوجب رضى الكبير المتعال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العظمة والجلال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث بأكمل الشرائع وأفضل الخصال صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم لا بيع فيه ولا خلال، وسلم تسليماً مزيداً1. فقصة الجرة قصة حكاها النبي صلى الله عليه وسلم بين رجلين مؤمنين سيأتي تفصيلها في الحديث الآتي:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اشترى رجل من رجل عقاراً له، فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب، فقال له الذي اشترى العقار: خذ ذهبك مني إنما اشتريت منك الأرض ولم أبتع منك الذهب، وقال الذي له الأرض: إنما بعتك الأرض وما فيها، فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ قال أحدهما: لي غلام، وقال الآخر: لي جارية، قال: أنكحوا الغلام الجارية، وأنفقوا على أنفسهما منه، وتصدقا))2.
التعريف بصحابي الحديث:
أبو هريرة الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، اختلفوا في اسم أبي هريرة واسم أبيه اختلافاً كثيراً3، والأقوى والأشهر عبد الرحمن بن صخر، وكان في الجاهلية عبد شمس، وأخذ القرآن عرضاً عن أبي بن كعب4.
وقد أسلم عام خيبر، وشهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لزمه، وواظب على ملازمته؛ رغبة في العلم، راضياً بشبع بطنه، فكانت يده مع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يدور معه حيث دار، وكان من أحفظ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يحضر مالا يحضر سائر المهاجرين والأنصار؛ لاشتغال المهاجرين بالتجارة، والأنصار بحوائجهم، وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه حريص على العلم والحديث، وقال له: يا رسول الله إني قد سمعت منك حديثاً كثيراً، وأنا أخشى أن أنسى فقال: ((ابسط رداءك))، قال فبسطته، فغرف بيده فيه ثم قال: ((ضمه))، فضممته فما نسيت شيئاً بعده5.
استعمله عمر بن الخطاب على البحرين، ثم عزله، ولم يزل يسكن المدينة، وبها كانت وفاته، قال خليفة بن خياط: توفي أبو هريرة سنة سبع وخمسين. وقيل غير ذلك6.
مفردات الحديث:
قوله: (عقاراً) هو الأرض وما يتصل بها من مال، وقيل: المنزل والضياع، والمراد به هنا الدار.
قوله: (أبتع) أي أشتري.
قوله: (غلام) ولد ذكر.
قوله: (جارية) ولد أنثى.7
المعنى العام للحديث:
هذا حديث عظيم وقد استنبط الفقهاء من هذا الحديث مسائل وفرعوا عنه أحكاماً تذكر في كتاب البيع من دواوين الإسلام ولسنا بصدد البحث عنها والخوض فيها، وإنما مهمتنا من إيراد هذا الحديث شيئان: الأول: ورع البائع والمشتري وزهدهما في شيء لا يعلمان حكم الله فيه، وأن كلا منهما يرى الحق لصاحبه في شيء لم يدفع ثمنه ولا ملك له عليه والثاني: عدل الحاكم في حكمه وأنه عرف الحق فقضى به أو تردد فيه فأصلح بين المتحاكمين، والصلح خير8.
شرح الحديث:
قوله: ((اشترى رجل من رجلٍ عقاراً له، فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب، فقال له الذي اشترى العقار)) المراد بالعقار هنا الدار، وقد صرح بذلك في حديث وهب بن منبه في قوله: ((فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب، فقال له: خذ ذهبك، فإنما اشتريت منك الأرض ولم أبتع الذهب)) وهذا صريح في أن العقد إنما وقع بينهما على الأرض خاصة، فاعتقد البائع دخول ما فيها ضمناً، واعتقد المشتري أنه لا يدخل، وأما صورة الدعوى بينهما فوقعت على هذه الصورة، وأنهما لم يختلفا في صورة العقد التي وقعت، والحكم في شرعنا على هذا في مثل ذلك: أن القول قول المشتري، وأن الذهب باق على ملك البائع، ويحتمل أنهما اختلفا في صورة العقد بأن يقول المشتري: لم يقع تصريح ببيع الأرض وما فيها بل ببيع الأرض خاصة والبائع يقول وقع التصريح بذلك، والحكم في هذه الصورة أن يتحالفا ويستردا المبيع، وهذا كله بناء على ظاهر اللفظ أنه وجد فيه جرة من ذهب، لكن في رواية إسحاق بن بشر أن المشتري قال: إنه اشترى داراً فعمرها، فوجد فيها كنزاً، وأن البائع قال له لما دعاه إلى أخذه: ما دفنت، ولا علمت، وأنهما قالا للقاضي: ابعث من يقبضه وتضعه حيث رأيت، فامتنع. وعلى هذا فحكم هذا المال حكم الركاز في هذه الشريعة إن عرف أنه من دفين الجاهلية، وإلا فإن عرف أنه من دفين المسلمين فهو لقطة، وأن جهل فحكمه حكم المال الضائع يوضع في بيت المال، ولعلهم لم يكن في شرعهم هذا التفصيل؛ فلهذا حكم القاضي بما حكم به.
قوله: ((وقال الذي له الأرض)) أي الذي كانت له.
وهذا يدل على شدة ورع الرجلين، والورع -كما قال إبراهيم بن أدهم-: ترك كل شبهة، وترك مالا يعنيك هو ترك الفضلات.
وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: كنا ندع سبعين باباً من الحلال مخافة أن نقع في باب من الحرام.
وقال صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة: ((كن ورعاً تكن أعبد الناس))9.
ولو نظرنا إلى السابقين الأولين الذين ملكوا زمام الدنيا ومفاتيح الآخرة حيث عرفوا قدر هذه الأموال، فكانوا لا يحصلونها إلا عن طريق مباح ولا يصرفونها إلا في طريق نافع، سلكوا في تحصيلها سبيل الورع، وفي تصريفها سبيل الكرم والبذل المحمود، وقد كان لأبي بكر غلام فجاء يوماً بشيء فأكل منه أبو بكر فقال له الغلام: تدري ما هذا؟ تكهنت في الجاهلية لإنسان وما أحسن الكهانة، ولكني خدعته فلقيني فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلت منه! فأدخل أبو بكر يده في فمه فقاء كل شيء في بطنه!. وشرب عمر بن الخطاب لبناً فأعجبه فقال للذي سقاه: من أين لك هذا؟ قال مررت بإبل الصدقة وهم على ماء فأخذت من ألبانها، فأدخل عمر يده فاستقاء.
هكذا أيها الأخ المسلم: كان سلفنا يخرجون الحرام من بطونهم بعد أكله وهم جاهلون به حين أكلوه وما ضرهم ذلك، بل ملكوا به خزائن الدنيا ومفاتيح الآخرة، وكانت حياتهم طيبة وعاقبتهم حميدة.
الله أكبر! ما أعظم الفرق بيننا وبين هؤلاء! ما أعظم الفرق بين قوم يرون الحرام عياناً فيتجرؤون عليه ويأكلونه لا يبالون من أين أخذوا المال، أمن حلال أم من حرام، فالحلال ما حل بأيديهم، والطريقة المباحة للكسب ما أملته عليهم أهواؤهم وشهواتهم سواء وافق ما في كتاب الله وسنة رسوله أم خالفه، يأكلون أموال الناس بالباطل: بالكذب، بالغش، بالخيانة، لا يتورعون ولا يتنزهون، إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون، إن من البياعين من يظهر السلعة على أعلى ما يكون من الأصناف الطيبة وهي في باطنها معيبة، يجعل الطيب في أعلاها والرديء في أسفلها، يغش الناس بذلك، ومن غش فليس من أمة محمد، تبرأ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن البياعين من يكذب في ثمن السلعة، يقول اشتريت السلعة بكذا أو تساوي كذا وهو كاذب، فيأخذ بذلك زيادة في الثمن لكنها تمحق بركته ويأكلها سحتا، فاتق الله أيها المسلم وعامل الناس بالعدل عاملهم بما تحب أن يعاملوك به، حلل مكاسبك، اجعلها غنيمة لك تعينك على طاعة الله، لا تجعلها غرماً عليك فتفقد بركتها وتستحق عقوبة الله10.
وقوله: ((فتحاكما)) قال القرطبي: ظاهره أنهما حكماه في ذلك، وأنه لم يكن حاكماً منصوباً للناس مع أنه يحتمل ذلك، وفي ظاهره يكون فيه لمالك حجة على صحة قوله: إن المتداعيين إذا حكَّما بينهما من له أهلية الحكم صح ولزمهما حكمه ما لم يكن جوراً، سواء وافق ذلك الحكم رأي قاضي البلد أو خالفه11.
قوله: ((ألكما وَلَد؟)) بفتح الواو واللام، والمراد الجنس؛ لأنه يستحيل أن يكون للرجلين جميعاً ولد واحد، والمعنى: ألكل منكما ولد؟ ويجوز أن يكون قوله: ((ألكما وُلْد)) بضم الواو وسكون اللام، وهي صيغة جمع: أي أولاد، ويجوز كسر الواو أيضاً في ذلك12.
قوله: ((فقال أحدهما: لي غلام...)) الحديث.
قال القرطبي: هذا الرجل المحكم لم يحكم على أحد منهما، وإنما أصلح بينهما بأن ينفقا ذلك المال على أنفسهما وعلى ولديهما ويتصدقا، وذلك أن هذا المال ضائع إذ لم يدعه أحد لنفسه، ولعله لم يكن لهم بيت مال فظهر لهذا الرجل أنهما أحق بذلك المال من غيرهما من المستحقين؛ لزهدهما وورعهما، وحسن حالهما، ولِمَا ارتجى من طيب نسلهما وصلاح ذريتهما13.
من فوائد الحديث:
1- في الحديث بيان ورع البائع والمشتري، وزهدهما في شيء لا يعرفان حكم الله فيه.
2- فيه فضل تزويج الشباب وأنه من الشعائر الدينية العظيمة.
3- فيه بيان حكمة القاضي في فصل النزاع بينهما بحيث انصرفا جميعاً بنفس طيبة وقناعة تامة.
4- فيه فضل الإصلاح بين المتنازعين وأن القاضي يستحب له الإصلاح بين المتنازعين كما يستحب لغيره14.
.................................................
1 الضياء اللامع من الخطب الجوامع (2/ 13).
2 رواه البخاري برقم (3285) ومسلم برقم (1721) وغيرهما.
3 الاستيعاب في معرفة الأصحاب (1/570).
4 غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري (1/164).
5 رواه البخاري برقم (3448).
6 الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر (1/571) بتصرف.
7 صحيح البخاري (3/1281).
8 إصلاح المجتمع للبيحاني (191) المطبعة العصرية -الكويت: ط2: 1392هـ-1972م.
9 رواه ابن ماجه برقم (4217) قال الشيخ الألباني: ( صحيح ) انظر حديث رقم : 4580 في صحيح الجامع.
10 الضياء اللامع من الخطب الجوامع (2/14-15)بتصرف.
11 طرح التثريب، للحافظ العراقي (6/388).
12 فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني(6/519-520)بتصرف.
13 طرح التثريب (6/389).
14 طرح التثريب (6/392).
|
|
|
|
hg[vm hgpve
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ ملاك الورد على المشاركة المفيدة:
|
|
04-18-2017, 05:22 PM
|
#2
|
رد: الجرة
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
04-19-2017, 01:22 AM
|
#3
|
رد: الجرة
طرح اكثر من رائع
سلمت اناملك
ويعطيك الله العافيه على مجهودك
في أنتظار المزيد
والمزيد من عطائك ومواضيعك الرائعه والجميله
ودائما في إبداع مستمر
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
04-19-2017, 01:24 AM
|
#4
|
لا بأسَ .
رد: الجرة
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
04-19-2017, 06:46 AM
|
#5
|
رد: الجرة
جزاك الله خير الجزاك
يعطيك الف عافية على الطرح القيم
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
04-19-2017, 08:38 AM
|
#6
|
رد: الجرة
جزاك الله خيـر
وجعله في ميزان حسناتك
آنآر الله قلبك بالآيمآن وطآعة الرحمن
دمت بحفظ الرحمن
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
04-20-2017, 12:06 AM
|
#7
|
رد: الجرة
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناثر الريحان
منور بمرورك العطر
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
04-20-2017, 12:07 AM
|
#8
|
رد: الجرة
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عنيزاوي حنون
طرح اكثر من رائع
سلمت اناملك
ويعطيك الله العافيه على مجهودك
في أنتظار المزيد
والمزيد من عطائك ومواضيعك الرائعه والجميله
ودائما في إبداع مستمر
منوربمرورك العطر
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
04-20-2017, 12:07 AM
|
#9
|
رد: الجرة
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أيلُول .
جزاك الله خير .
منوره بمرورك العطر يالغلا
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
04-20-2017, 12:08 AM
|
#10
|
رد: الجرة
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شموع الحب
جزاك الله خير الجزاك
يعطيك الف عافية على الطرح القيم
منوره بمرورك العطر يالغلا
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 11:03 PM
| | | | | | | | | |