إنّ ممّا يسخط الناس على أنفسهم وعلى حياتهم،
ويحرمهم لذة الرضا، أنّهم قليلو الإحساس بما يتمتّعون به من نعم غامرة،
ربّما فقدت قيمتها بإلفها، أو بسهولة الحصول عليها،
وهم يقولون دائماً، ينقصنا كذا وكذا، ونريد كذا وكذا،
ولا يقولون: عندنا كذا وكذا.
ولكن
المؤمن عميق الإحساس بما لله
عليه من فضل عميم،
وإحسان عظيم، ونعم تحيط به عن يمينه وعن شماله،
ومن بين يديه ومن خلفه، ومن فوقه ومن تحته.
إنّه يشعر بنعمة
الله عليه منذ كان في المهد صبيّاً،
بل منذ كان في بطن أُمّه جنيناً، كان صبيّاً وليداً لا سنّ له تقطع،
ولا يد له تبطش، ولا قدم له تسعى،
فأجرى
الله له عرقين رقيقين في صدر أُمّه يجريان لبناً خالصاً،
كامل الغذاء، دافئاً في الشتاء، بارداً في الصيف،
وألقى
الله محبته في قلب أبويه، فلا يطيب لهما طعام ولا شراب،
ولا يهنّا لهما نوم ولا عيش؛ حتّى يكفياه ما أهمّه ويدفعا عن كُلّ سوء.
وكان في بطن أُمّه جنيناً، فجعل له قراراً مكيناً،
هيأ له فيه أسباب الغذاء والدفء والتنفس، وجعل له متكئاً عن يمينه،
ومتكئاً عن شماله: (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ *
إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ * فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ) (المرسلات/ 20-23).
المؤمن يشعر بنعمة
الله عليه في كل شيء حوله،
ويرى في كل ذرة في الأرض أو في السّماء منحة من
الله له،
تُيسر له معيشته، وتُعينه على القيام برسالته في الحياة.
إنّه يرى نعمة
الله في هبة الريح، وسير السحاب، وتفجر الأنهار،
وبزوغ الشمس، وطلوع الفجر، وضياء النهار، وظلال الليل،
وتسخير الدواب، وإنبات النبات