فقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : ( العاجز من عجز عن سياسة نفسه ) .
إن سياسة النفس ، وتطويعها على مايريده الإنسان ، وتدريبها عليه ، أمر في غاية الأهمية ، و يحتاج إ
لى عناية كبيرة ، واهتمام بالغ ، وجهاد مستمر ، وذلك لأن النفس أمارة بالسوء ،
وهي تتأثر بالمحيط الخارجي لها من الشهوات والشبهات ، والأخلاق الرديئة ، كما أن البناء صعب ، والهدم سهل .
كما أن الاستمرار على الطاعات من واجبات ومستحبات ، يحتاج إلى جهاد واصطبار ( وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها ) .
وإن من أنجع الأسباب ، وأفضل الطرق ، لسياسة النفس ، وتربيتها على الخير الديني ، والدنيوي –
لأن الخير الدنيوي من تجارة وتعلم مهن نافعة ونحو ذلك تحتاج لمجاهدة واصطبار –
إن من أنجع الأسباب والطرق : سلوك سبيل التدرج
فيما يراد جلبه ، أو يراد دفعه .
فمثلاً : أراد أن يكون ممن يقوم الليل ، فإنه يسلك سبيل التدرج ، بأن يقوم في البداية قبل الفجر بربع ساعة مثلاً ،
ويستمر على ذلك فترة ، ثم يزيد شيئاً فشيئاً حتى يحصل له مقصوده بإذن الله تعالى ،
أما لو أثقل على نفسه بأن بدأ يقوم الليل لمدة ساعتين مثلاً
فإنه وإن فعل ذلك عدة أيام فإنه – في الغالب - لن يستطيع الاستمرار .
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشدد والإثقال ، وحذر منه ، وبين عاقبته السيئة ،
فقال عليه الصلاة والسلام – كما في الصحيحين –
لما ذكرت له عائشة رضي الله عنها حال المرأة التي ربطت حبلاً في الحائط ، تتعلق به لتذهب النوم عنها ـ
قال عليه الصلاة والسلام منكراً ذلك : ( مه عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا )
وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر : ( إن هذا الدين شديد فأوغلوا فيه برفق )
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة ) .
ففي هذه الأحاديث بيان آفة الإثقال والتشديد على النفس ، وأن ذلك من أقوى الأسباب للانقطاع وعدم الثبات ( ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ) .
هذا أمر وددت أن أذكر به نفسي أولاً ، ثم إخواني ثانياً ، وهو مجرد تنبيه ولم أجمع فيه شيئاً كثيراً ، لكن –
فيما ذكر – كفاية بإذن الله عز وجل ، والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .....