الحمد لله:
لا يكون العمل الصالح مقبولاً إلا بشرطين:
الإخلاص
والمتابعة
فأما الإخلاص فأن يكون العمل خالصا لله -عز وجل-، لا يُريد به الإنسان رياء ولا سمعة، قال - سبحانه وتعالى -: (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)
وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتُغي به وجهه)) رواه الإمام أحمد وغيره.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((قال اللّهُ -تبارك وتعالى-: أَنَا أَغْنَىَ الشّرَكَاءِ عَنِ الشّرْكِ،.مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ)) رواه مسلم.
وأما متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلقوله تعالى: (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا)
ومن مشاقّة النبي - صلى الله عليه وسلم - ابتداع ما لم يشرعه لأمته ولم يتعبّد به - عليه الصلاة والسلام -.
قال - عليه الصلاة والسلام -: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد)) رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)).
سُئل الفضيل بن عياض عن قوله تعالى: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا) قال: هو أخلص العمل وأصوبه، قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟
قال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكونخالصا وصوابا، فالخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة.
فلا بدّ من اجتماع الإخلاص لله مع المتابعة للنبي -صلى الله عليه وسلم- في العمل.
قال ابن القيم: لو نفع العلم بلا عمل لما ذم الله -سبحانه- أحبار أهل الكتاب، ولو نفع العمل بلا إخلاص لما ذم المنافقين.
وقد نص العلماء على أن المتابعة لا تتحقق إلا بستة أمور:
الأول: سبب العبادة.
الثاني: جنس العبادة.
الثالث: قدر العبادة.
الرابع: صفة العبادة.
الخامس: زمان العبادة (فيما حُدِّد لها زمان).
السادس: مكان العبادة (فيما قُيّدت بمكان مُعيّن).
وطالما أننا نتكلّم عن السنة ومتابعة النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا بُد في إثبات عبادة أو قُربة وطاعة على وجه مخصوص من دليل خاص.
فليس كل عمل مشروع تُشرع آحاده.
ولذا أنكر ابن مسعود -رضي الله عنه- على مَن سبّحوا بالحصى، بل رماهم بالحصى وسيأتي تفصيل ذلك.
فالذّكر مشروع ولكن الوسيلة والطريقة غير مشروعة فأنكر عليهم.
وسوف أشير إلى قصة سعيد بن المسيّب مع الرجل الذي يُصلّي بعد العصر.
فالصلاة مشروعة لكن الصلاة في ذلك الوقت أو على صفة تُخالف الصفة المشروعة مُحدّثة.
والصيام عبادة، لكن لا يُشرع أن يتقرب الإنسان إلى الله بصيام الليل مثلا
ولا باقتران الصيام بأمر خارج عنه بقصد القُربة كما لو صام ونذر أن لا يتكلم أو لا يستظل ونحو ذلك.
فالنّيّة هنا لها أثر في العمل، تماماً كما في مسألة الصيام لأجل فلسطين، فقد رأيت لبعضهم بدعة جديدة!
وهي الاتفاق على صيام يوم معيّن لأجل فلسطين (وتفصيل ذلك كان في محله ووقته).
وهكذا.
فلو أراد شخص أن يتقرّب إلى الله بصلاة، لقلنا: نعم. الصلاة مشروعة، ولكن ما صفة تلك الصلاة، وفي أي وقت تريد أن تُصلي؟
فلو قال أريد أن أتقرّب إلى الله بثلاث ركعات بعد الظهر لمُنِع من ذلك.
لأن هذه الصفة لم ترد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-
ولو قال أريد أن أُصلي ركعتين ولكن بعد العصر لمُنِع من ذلك أيضاً، وربما قال: أريد أن أُصلّي وأتقرّب إلى الله، والصلاة مشروعة وقُربة، فيُقال له: الصلاة مشروعة، ولكنها في هذا الوقت ممنوعة، وهذا ما فهمه السلف الصالح، فقد رأى سعيد بن المسيب رجلا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يكثر فيها الركوع والسجود فنهاه، فقال: يا أبا محمد يعذبني الله على الصلاة؟!
قال: لا ولكن يعذبك على خلاف السنة.
رواه عبد الرزاق.
ومثله الأذكار، فقد أفرط فيها بعض الناس، وجعلوا لها آلات يعدّون بها التسبيح وجعلوا لهم أعداداً ما شرعها لهم نبيهم - صلى الله عليه وسلم -.
من أجل ذلك أنكر ابن مسعود - رضي الله عنه - بل وشدد في الإنكار على من كانوا يعدّون التسبيح بالحصى وقد تحلّقوا في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد روى الدارمي عن عمر بن يحيى قال سمعت أبي يحدث عن أبيه قال: كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال: أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد؟
قلنا: لا.
فجلس معنا حتى خرج فلما خرج قمنا إليه جميعا فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن اني رأيت في المسجد أنفاً أمراً أنكرته ولم أر والحمد لله الا خيرا.
قال: فما هو؟
فقال: إن عشت فستراه.
قال: رأيت في المسجد قوما حلقاً جلوسا ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصاً فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، ويقول: سبحوا مائة، فيسبحون مائة.
قال: فماذا قلت لهم؟
قال: ما قلت لهم شيئا انتظار رأيك أو انتظار أمرك.
قال: أفلا أمرتهم ان يعدوا سيئاتهم، وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء، ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق فوقف عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟
قالوا: يا أبا عبد الرحمن حصاً نعدّ به التكبير والتهليل والتسبيح قال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن ان لا يضيع من حسناتكم شيء.
ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم!
هؤلاء صحابة نبيكم - صلى الله عليه وسلم - متوافرون، وهذه ثيابه لم تبلَ، وأنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلي ملة هي أهدي من ملة محمد، أو مفتتحوا باب ضلالة؟
قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا الا الخير!
قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه!
إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدثنا أن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم.
وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم ثم تولى عنهم. فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج. ورواه ابن وضاح في البدع والنهي عنها.
فانظر إلى فقه ذلك الصحابي الجليل - رضي الله عنه -، وإلى نظرته الشديدة للبدعة ووأدها في مهدها، وأن حسن النية وسلامة المقصد ليس عذرا في ارتكاب البدع
ثم قال كلمة تُخـطّ بماء العيون: وكم من مريد للخير لن يصيبه.
ثم انظر بعين بصيرتك إلى آثار البدع كيف حملت أصحابها على مفارقة السنة ومجانبة الحق وأهله، حتى قاتلوا خير الناس بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقاتلوا الصحابة في يوم النهروان، قد خرجوا مع الخوارج.
فعليكم عباد الله بالتمسك بالسنة لتحشروا في زمرة صاحبها -عليه الصلاة والسلام-.
وفي البدع سوء أدب مع مقام النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال الإمام مالك - رحمه الله -: من ابتدع في الدين بدعة فرآها حسنة فقد اتهم أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم -، فإن الله يقول: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا.
فكأن من يبتدع في دين الله يستدرك على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويُريد أن يعمل عملا لم يعمله - عليه الصلاة والسلام - بحجة أن ذلك العمل من أعمال الخير.
فهل نحن أحرص على الخير من النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن أصحابه؟؟
إن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قد أوصى أصحابه بوصية عظيمة فقال:
فقال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم، وهو حديث صحيح بمجموع طرقه.
وكان - عليه الصلاة والسلام - يفتتح خطبه بقوله:
قال جابر بن عبد الله: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في خطبته يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ثم يقول: من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلله فلا هادي له، إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
رواه النسائي وغيره.
فها هو أفصح ولد آدم يقول: كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم يأتي من يقول: إن من البدع ما هو حسن أو مُستحسن!
ولقد أحسن ابن مسعود - رضي الله عنه - عندما قال: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفيتم.
نسأل الله أن يُلهمنا رشدنا وأن يرزقنا الفقه في ديننا والتمسك بسنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -،
والله أعلم.
الشيخ عبد الرحمن بن عبدالله السحيم