.
ما
موقف زينب من
دعوة أبيها, وما
موقف زوجها من هذه
الدعوة ؟
الآن دخلنا في تفاصيل حياة السيدة
زينب الكبرى بنت النبي عليه الصلاة والسلام.
لقد كانت تعلم
زينب أنه سيكون لأبيها محمد صلى الله عليه وسلم شأن عظيم، من أين؟ علمت هذا من أخلاقه، من صفائه، من رحمته، من وفائه، من كرمه، لأنها ترى من
أبيها من الصفات الحميدة، والأخلاق الكريمة، والصفاء النادر، والسمت الحسن الذي يختفي وراءه ينبوع الحكمة المتفجرة على لسانه الصادق، وقوله الحق، وعمله الصالح، وأمانته الفذة، ونهجه المستقيم، حتى غدا بين رجال قريش, بل والعرب من خلفهم, غدا الرجل الأمثل، والأكمل والأعظم، فلا تسمع بصفة حميدة إلا وجدتها في أبيها، ولا بخلق كريم، أو سجية حسنة, إلا وقد عرفتها في
أبيها, من حين وعت عليه أباً, يحنو عليها ويرعاها، هذا الخلق يؤهل أباها ليكون شخصاً عظيماً، لذلك لم تُفاجأ
زينب بخبر الوحي .
ذات صباح سعت
زينب مبكرة إلى بيت
أبيها, لأن أبا العاص كان على سفر، فالتقت عند الباب بأمها, عائدة من زيارة عاجلة لابن عمها ورقة بن نوفل، ولم يسبق لزينب أن رأت أمها على مثل هذه الحالة المضطربة، واللهفة, والاهتمام, والاشتغال، وقد راعها أن قد مرت بها, فلم تكد تراها، بل اندفعت لا تلوي على شيء نحو مخدع زوجها, حيث تلبثت .
هناك فترة غير قصيرة قبل أن تخرج إلى بناتها، وقد عاودها هدوءها، وأصغت
زينب إلى أمها، وهي تحدثها حديثاً عجباً عن نزول الوحي على
أبيها محمد صلى الله عليه وسلم، وهو يتعبد بغار حراء، فأخذت بما سمعت, حتى لم تحر جواباً، ذلك أن الأمر كان من الخطر والجلال, حيث قصر عقلها عن إدراكه، وأعياها أن تبلغ مداه، ولبثت
زينب في مكانها ساكتة واجمة, حتى ردها إلى يقظتها, صوت أختها فاطمة .
تقول فاطمة:
((أو ما يسرك يا أختي أنك بنت نبي هذه الأمة؟ أجابت: أجل والله يا فاطمة ، وأي فتاة لا يزيدها ذلك الشرف الذي ما بعده شرف، لكنه الذي سمعت، وسمعت من قول خالي ورقة, قال: ليُكَذَّبَنّ أبي، وليُؤذَيَنّ أبي، وليُخرَجَّن أبي، وليقاتلنّ أبي .
-لما التجأت السيدة خديجة إلى ابن عمها ورقة, تحدثه بما جرى للنبي من نزول الوحي، قال لها:
((ليكذبن، وليؤذين، وليخرجن، وليقاتلن))
فكرت فاطمة ملياً، وقد عزَّ عليها أن يُؤذى أبوها، ثم رفعت وجهها، وقالت لأختها: هو والله كما قالت أمي لأبي: الله يرعانا يا أبا القاسم، أبشر يا بن العم، واثبت, فو الله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتؤدي الأمانة، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق .
-الآن ما علاقتنا بهذا النص؟ الواحد منكم إذا كان صادقاً, عفيفاً, أميناً, يؤدي عباداته كاملة، وأنا أقول لكم بالقياس المتواضع: والله لا يخزيك الله أبداً .
إذا كنت مع الله صادقاً, أميناً, عفيفاً، تتحرى الحلال، تضبط أعضاءك، تضبط حواسك، تضبط بيتك، إذا كنت شاباً مستقيماً أبشر، فو الله ما يخزيك الله أبداً, هذا علاقتنا بهذا النص- .
وابتسمت زينب، وكذلك فعلت فاطمة، وإن أحست كلتاهما أن لهذا الأمر ما بعده، وعاد
زوجها أبو العاص، وملأ سمعه شائعات المشركين, قد تناقلتها الركبان, عن ظهور محمد بن عبد الله بدين جديد .
أخذ ابنته
زينب أن محمداً نبي، رجع من السفر, فسمع بالنبوة والوحي, فاستقبلته وأخبرته بالنبأ اليقين، ولكنه خيب أملها, حين ردد مزاعم المشركين، وقفت أمامه قبل أن يتم كلامه, وقالت: والله ما كنت لأكذب أبي، وإنه والله لكما, عرفت أنت وقومك, إنه صادق أمين، أيْ أنّ أبي نبي، صارت مشكلة بينها وبين
زوجها .
ثم قالت: والله إني قد آمنت بما جاء وأسلمت، وكذلك آمنت أمي وأخواتي، وعلي بن عم أبي، وأبو بكر، وأسلم من قومك ابن عمك عثمان، وابن خالك الزبير بن العوام بن خويلد، وكما آمن به وصدقه ابن خالك ورقة بن نوفل، الذي توفاه الله منذ عهد قريب، فليس لك إلا أن تؤمن وتسلم، فلم يجبها بشيء، ثم خرج من بيتها, وتوجه إلى الكعبة .
ولما عاد قال لها: لقيت أباك اليوم في الكعبة، ودعاني إلى الإسلام، ثم لم يزد، وكانت ملامح وجهه من الوجوم، وترنح صوته ما يغني
زينب عن سؤاله: بمَ أجبته؟ -يعني هل أسلمت؟ لم تسأله؟ وضعه يبين أنه لم يسلم- .
وقد قال لها ذات يوم, وهي تدعوه إلى الإيمان والإسلام: والله ما أبوك عندي بمتهم، وليس أحب إلي من أن أسلك معه يا حبيبة في شعب واحد، ولكنني أكره أن يُقال: إن زوجك خذل قومه، وكفر بآبائه إرضاء لامرأته .
-أخذها عصبية- وتمثل بموقف أبي طالب، وإن محمداً صلى الله عليه وسلم عنده أحب إليه من والده, لم يساوره في صدقه أدنى ريب، فتندت عيناها بالدموع حزناً عليه، وإن كانت لترجو اليوم الذي يخلع عن كاهله, رجز الجاهلية وشركها))
إنّ من سعادة الإنسان, أن يكون هو مؤمناً، وأن تكون زوجته مؤمنة، ومن سعادة المؤمنة, أن تكون هي مؤمنة، وأن يكون
زوجها مؤمناً، ولهذه القصة تتمة إن شاء الله, نأخذها في درس قادم .