بسم الله الرحمن الرحيم
كان من هدي الصحابة وكذلك التابعين وتابع التابعين أن الرجل منهم كان إذا أبطأ عليه رزق أو تخلف عنه نصر أو ضاقت به حاجة نظر في متابعته لرسول الله وأخذ يراجع نفسه ، هل قصرت في متابعة رسول الله؟ وفي ماذا قصرت؟ فإذا استدرك ما قصر فيه وجد لطف الله يحف به ويتنزل له فضل خالقه وباريه ، حتى قال قائلهم "إني لأعرف حالي مع الله حتى في تشامس دابتي وفي خُلقْ زوجتي"
يعني إذا تشامست عليه الدابة ولم تقف له مستكينة ، فمعنى ذلك أن متابعته غير صحيحة وإذا كانت الزوجة غير مطيعة في وقت من الأوقات ، إذاً يوجد في المنهج شيء غير صحيح ، علامات وإشارات قال فيها الله للصالحين والصالحات {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}
قال الإمام أبو العزائم رضي الله عنه :
لسنته فاخضع وكن متأدباً وحاذر فحصن الشرع باب السلامة
على الجمر قف إن أوقفتك تواضعاً يكن لك برداً بل سلاماً برحمة
فلو أن السنة قالت لك قف على الجمر فامتثل ، والإمام أبو العزائم رضي الله عنه وأرضاه أوصانا في هذا المقام بحكمة قصيرة المبنى عظيمة المعنى كثيرة المغنى قال فيها "حافظ على السنة ولو بشرت بالجنة"
أي حتى لو بشرت بالجنة إياك أن تتكاسل في إتباع السنة لأن الله جعل الروح والريحان والرضى والرضوان في إتباع النبي العدنان صلى الله عليه وسلم ، فمتابعة رسول الله هي الباب الأعظم لنوال فضل الله والحصول على إكرام الله {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} آل عمران31
ويظل المرء يتابع رسول الله في ظاهر أمره وخافيه لأن العبرة ليست في المتابعة الظاهرة ولكن العبرة في النوايا الباطنة ، إنما الأعمال بالنيات
انشغل كثير من الناس بمتابعته في الظواهر ، وتركوا متابعة حضرته في النوايا وفي صفاء الطوايا ، فلم يأتهم من الملأ الأعلى خفيات الألطاف ، ولا طرائف الحكمة ولا غرائب العلوم ، وذلك لأن المتابعة عندهم كلها في الأشياء الظاهرة ، لكن العبرة بالنوايا وهي الأساس ، والباب الأعظم في كمال المتابعة ، ليس هو العبادات كما يظن البعض بل هو ما أشار إليه الله حين قال له {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}
فقال صلى الله عليه وسلم لأمين الوحي جبريل عندما نزل عليه بهذه الآيات ، ماذا يراد مني يا أخي يا جبريل؟ فقال: انتظر حتى أسأل العليم ، فذهب ثم عاد وقال: يقول لك ربك {صل من قطعك وأعطي من حرمك واعفو عمن ظلمك}[1]
وهذه هي متابعة الرجال أهل الكمال ، فالمنافقين كانوا يتابعونه ويقفون خلفه في الصلاة ، وكانوا يتابعونه في ميادين القتال ، ويذهبون معه إلى الحرب ، لكن من الذي يستطيع أن يتابعه في الأخلاق الكاملة؟ والنوايا والطوايا الخافية؟ إنهم الرجال أهل الكمال وقد قال فيهم صلى الله عليه وسلم {إن أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطئون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون} وفى رواية {إن أحبكم إلىِّ}[2]
ونفر فيمن على غير هذه الشاكلة وقال في وصف المؤمن {المؤمن إلف مألوف ولا خير فيمن لا يألف و لا يؤلف}[3]
وبعد أن يقول رسول الله هذا الكلام فلا خير فيمن لا يتخلق بهذه الكمالات ، إذاً كيف يتمسك الإنسان بهذه الأوصاف؟ والمتابعة التي يفوز صاحبها بمعية الحَبيب المُصطفى والجمال والكمال والبهاء والنور الكامل من الله والضياء تكون في الكمالات الخلقية وفي المعاملات الدينية الشرعية على نهج الشريعة المحمدية ، وهذا ما فيه التفريط والإفراط من الناس الآن لكن من يريد أن يحبه الله فيجب ان يتخلق بحقيقة
ففى الأثر المعروف {إن الله يحب من خَلقِهِ من كان على خُلُقِهِ} فالله عفو يحب كل عفو ، وهو كريم يحب عبده الكريم ، وهو باسط يحب الذي يبسط لعباده ، وهكذا قس على ذلك سائر الأسماء فإن الله يحب من خلقه من كان على خلقه ، ولذلك فإن أخلاق رسول الله التي جمله بها مولاه كانت مواهب من عند الله (ففى آداب الصحبة لعبد الرحمن بن سلمى) قال صلى الله عليه وسلم {أدبني ربي فأحسن تأديبي}
ليس فيها جهاد أو تعب أو عناء لأن الله فطره على ذلك ، وحفظه من كل شيء يخالف ذلك وقد قال عن نفسه : ما حدثتني نفسي بشيء من لهو الجاهلية إلا مرتين في المرة الأولى وكان هناك عرس في مكة فطلبت من رفيقي في رعي الغنم أن يحرس لي غنمي حتى أذهب إلى مكة لأحضر هذا العرس ، ما الذي حدث؟ يقول : فألقى الله عليَّ النوم فلم أستفق إلا بعد أن ضربتني حرارة الشمس وفي المرة الثانية تكرر ذلك أيضاً ، لماذا؟ لأن الله حفظه من أخلاق الجاهلية ورباه على الأخلاق الربانية فطرة وسجية من الله خصوصية لخير البرية صلى الله عليه وسلم
{1} صحيح البخارى و سنن أبى داوود عن عقبة بن عامر
{2} المعجم الصغير للطبراني وشعب الإيمان للبيهقي عن أبي هريرة
{3} المعجم الصغير للطبراني وشعب الإيمان للبيهقي عن جابر
hgYjfhu ,hgfghx!!!