ليس في الدنيا أحد أكثر ثوابًا من أهل الحديث؛ لِكثرة صلاتهم على النبيِّ صلى
الله عليه وسلم كلما مرَّ ذِكرُه في حديث!
ولا يليق بمَن أعطاه
الله هذا الفَضلَ العظيم أن يقصِّر في نَيْل أسبابه، فيترك
الصلاةَ والسَّلام
عليه صلى
الله عليه وسلم كلَّما مرَّ اسمُه على السَّمع، أو جرى ذِكرُه في الورق، مهما تكرَّر، أو يختصر فيها تعجُّلًا من أجل العلم، بكتابة نحو: (ص) أو (صلعم)، فيُحرَم خيرًا كثيرًا، فلولاه ما كان عِلم ولا علماء، وربَّما فعل ذلك بعضُ أهل الحديث، فعاتبَهم
النبيُّ صلى
الله عليه وسلم - بأبي هو وأمِّي - عتابَ المحبِّ لِحبيبه، حتى كانوا بعد ذلك لا يَفتُرون عن الصَّلاة والسلام عليه، ويبالغون فيها أشدَّ المبالغة، ويخشون تَركها لموضع العتاب!
ذَكَر عليُّ بن المفضل المقدسي في كتابه "الأربعون على الطبقات": أنَّ أبا علي الحسن بن علي القطان قال: كَتب لي أبو الطاهر المخلِّص (أجزاء) بخطه، فرأيتُ فيها: إذا جاء ذِكر النبيِّ صلى
الله عليه وسلم، قال: (صلى
الله عليه وسلم كثيرًا كثيرًا كثيرًا)، قال: فسألتُه عن ذلك، وقلت له: لِمَ تَكتب هكذا؟! فقال: كنتُ في حداثتي أكتب الحديثَ، وكنتُ إذا جاء ذكر النبي صلى
الله عليه وسلم لا أصلِّي عليه، فرأيتُ النبيَّ صلى
الله عليه وسلم في المنام، فأقبلتُ إليه، فسلَّمتُ عليه، فأدار وجهَه عنِّي، ثم دُرْتُ إليه من الجانب الآخر، فأدار وجهَه ثانية عنِّي، فاستقبلتُه ثالثة، فقلت: يا نبيَّ الله، لِمَ تُدير وجهك عنِّي؟! فقال: لأنَّك إذا ذكرتني لا تصلِّي عليَّ! قال أبو طاهر: فمِن ذلك الوقت لا أذكره إلَّا كتبتُ: صلى
الله عليه وسلم تسليمًا (كثيرًا كثيرًا كثيرًا)!
وذكر النميريُّ في "الإعلام بفضل الصلاة والسلام على النبي صلى
الله عليه وسلم" أنَّ الحسن بن موسى الحضرمي - المعروف بأبي عجينة - رحمه
الله تعالى قال: كنتُ إذا كتبتُ الحديثَ أتخطَّى فيه الصَّلاة على النبيِّ صلى
الله عليه وسلم، أريد بذلك العَجلة، فرأيتُ النبيَّ صلى
الله عليه وسلم في المنام، فقال: ما لك لا تصلِّي عليَّ إذا كتبتَ، كما يصلِّي أبو عمرو الطبري؟
قال رحمه
الله تعالى: فانتبهتُ وأنا فَزِعٌ، فجعلتُ لله على نَفسي أن لا أكتب حديثًا فيه النبي صلى
الله عليه وسلم؛ إلَّا كتبتُ: "صلى
الله عليه وسلم"!
وذكر قِوام السنَّة الأصبهاني في "الترغيب والترهيب" عن محمد بن الحسين الحرَّاني قال: قال لي رجل من جيراني (يُقال له: الفضل، وكان كثير الصوم والصلاة): كنتُ أكتب الحديثَ ولا أصلِّي على النبيِّ صلى
الله عليه وسلم، فرأيتُه في المنام فقال: إذا كتبتَ أو ذكرتَ فلِمَ لا تصلِّي عليَّ؟ ثمَّ رأيتُه صلى
الله عليه وسلم مرة من الزَّمان فقال: بلغني صلاتُك عليَّ، فإذا صليتَ عليَّ أو ذكرتَ فقل: صلى
الله عليه وسلم!
وذكر عليُّ بن المفضل في "الأربعون على الطبقات" عن حمزة الكِناني الحافظ بمصر قال: كنتُ أكتب الحديثَ، فأصلِّي فيه على النبي صلى
الله عليه وسلم، ولا أسلِّم، فرأيتُ النبيَّ صلى
الله عليه وسلم في المنام، فقال لي: أما تختمُ الصلاة عليَّ في كتابك؟ قال: فما كتبتُ بعد ذلك إلَّا صليتُ
عليه وسلَّمتُ!
صلى
الله عليه وعلى آله وصحبه
وسلم تسليمًا.