الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فأقول: الصلاة أقوال وأفعال، تبدأ بالتكبير، وتنتهي بالتسليم.
أما الأقوال فلا أحسن من قولك: الله أكبر، تحيي بها مولاك، وتستفتح بها مناجاتك معه.
ولا أحسن بعد ذلك من دعاء الاستفتاح، ولا قولًا أفضل من قراءة الفاتحة عند القيام، فإن قلتها، قال مولاك e: حمدني عبدي، أثنى عليَّ عبدي، مجدني عبدي، أعرفتَ ذلك؟
ولا أحسن من قولك: سبحان ربي العظيم، وأنت راكع، وهكذا جميع الأقوال لا أحسن ولا أكمل مما علمنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، بل أنت عاجز أن تأتي بثناء وحمد وتمجيد وقول أحسن منه، فهو خطابك المأمور أن تلقيه بين يدي مليكك e، وقد كفيت كتابته وتزويره في نفسك، فاستشعر هذا.
أما الأفعال فهي كذلك، فلا أحسن من أن تقف أمامه رافعًا يديك حَذو منكبيك تحيي وتعظم الله مكبرًا بهذه الصفة، ثمَّ تضع يدك اليمنى على اليسرى مطرقًا برأسك كما أمرت، راكعًا وساجدًا... إلخ، كما علمَّك حبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) [2]، وهكذا سائر الأفعال.
فلا يوجد مراسيم (شعائر) من قول وفعل تقف به أمام الملك e أحبَّ وأفضل من هذا، فالزَمه واتِّبعه، وتباكَ - كالطفل عند أمه لحاجته - وإن لم تبكِ، وتخشَّع وإن لم تخشع، وتعود هذا حتى يكون لك عادة.
واستحضر أنَّك عبدٌ مأمورٌ بعبادته ﴿ مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، ولا عبادة أفضل من الصلاة بعد الشهادة لله وتوحيده، وأنها سترفع بعد الانتهاء منها لتعرض على مولاكe، فقف على عظمتها وأهميتها، فإن القلب يحضر عند الأمر المهم[3]، ولا يكن غيرها في وقتها أهم منها.
ولأجل أن تكون هي المهمَّة في وقتها، كذلك إيَّاك ثمَّ إيَّاك ثمَّ إيَّاك من العجلة عند أدائها، وإلا (ارجع فصلِ فإنك لم تصلِّ...حتى تطمئن راكعًا... حتى تطمئن ساجدًا..) [4]، فإنه يستحيل أن يأتي الخشوع مع العجلة[5]، وبه تعرف سِرَّ (العَشَاء قبل العِشَاء)[6]، ونحوها.
واعلم أنَّ هذه الأقوال والأفعال (الصلاة) هي غذاء قلبك وروحك الذي لا قوام لهما إلا بها، فمثل الذي يصلي ولا يطمئن أو يخشع في صلاته، كمثل الجائع إذا قُدِّم إليه طعام فتناول منه لقمة أو لقمتين، ماذا تغني عنه[7].
ولولا المشقة على العباد لكان الواجب حضور هذه المأدبة (الصلاة) خمسين مرة في اليوم، أما وقد بقي العشر فتضلع منها، ولا تعجل من القيام عنها، واستعن بالله على نفسك بكثرة السجود.
وصلى الله وسلَّم على نبينا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] للخشوع طرقٌ، بعضها قد لا يتطلب زيادة علم ومعرفة، ليتدبر القول في الصلاة، وهي المقصودة في المقال، وإلا حق الخشية لا تحصل إلَّا بالعلم.
[2] أخرجه البخاري (6008)، ومسلم (674).
[3] قال الغزالي في إحياء علوم الدين (1/162): "فاعلم أن حضور القلب سببه الهمة، فإن قلبك تابع لهمتك، فلا يحضر إلا فيما يهمك، ومهما أهمك أمر حضر القلب فيه شاء أم أبى، فهو مجبول على ذلك ومسخر فيه".