11-06-2017, 10:26 AM
|
|
|
|
نقض الاجتهاد
ما يطرأ على الاجتهاد
""
تعرَّضْنا في المبحث السابق للمسائل المتعلقة بالركن الثاني من أركان الاجتهاد، وهو المجتهَد فيه، وفي هذا المبحث نتعرض لمسائل تطرأ على عملية الاجتهاد، فتُبطِلها أو تنقُضُها.
ويقال: طرأ؛ أي: حدث، أو خرج فجأة، فهو طارئ[1]، وما يطرأ للاجتهاد؛ أي: ما يعرض له مما يُبطِله، أو ينقُضُه.
المطلب الأول: نقض الاجتهاد:
النقض في اللغة: مصدر من نقض، وهو أصل يدل على نكث شيء، والنقض ضد الإبرام؛ ومنه نقضت البناء والحبل والعَقد إذا أفسدت ذلك، ويطلق النقض على جنس من الصوت، فيقال لصوت المفاصل: نقيضها، وهو قريب من الأول؛ لأنها تنتقض فيُسمَع لها صوت عند ذلك؛ فالنقض إذًا هو إبطال الشيء ونكثه وإفساده بعد أن كان مبرمًا[2].
والمراد بالنقض هنا في هذه المسألة هو: النقض بمعناه السابق في اللغة، فنَقْض حُكم الحاكم؛ أي: إبطاله وإفساده بعد أن كان مبرمًا.
رأي الشَّاطبي:
يرى الشَّاطبي أن القاضيَ والحاكم إنما هما مبلِّغان عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما أمر به أو نهى عنه؛ ولذا فيُقبَل منهما ما بلَّغا به؛ لكونهما مبلغين، لا لكونهما منتصبين للحكم بإطلاق كالنبي صلى الله عليه وسلم، فهما لا يساويان النبي صلى الله عليه وسلم في الانتصاب للحكم مطلقًا؛ لعدم عصمتهما من الخطأ، بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهو معصوم من الإقرار على الخطأ، وعلى هذا فالحاكم والقاضي منتصبان على شرط الموافقة للشريعة، فإذا حكما بخلافها كان حكمُهما باطلًا باتفاق العلماء[3]، وأما إن حكَمَا بما يوافق الشرع، فلا شك في سريان حكمهما ووجوب اعتماده، وأما إن أخطأ أحدهما فهو غير مؤاخَذ بخطئه في اجتهاده، ولا ينبغي تعنيفُه بما أخطأ فيه[4].
وما أبرمه القاضي من الأحكام إذا تبين له خطؤه في ذلك الحكم لا يخلو من حالين:
الحال الأول: أن يكون هذا الحكم في المسائل الاجتهادية، ولم يخالف فيه صاحبه نصًّا، أو إجماعًا، أو قاطعًا، وأخطأ فيه بسبب تقصير منه في النظر، أو لكون الظاهر مخالفًا للباطن، ولا دليل على الأمر الباطن، أو لأي سبب آخر، فلا ينقض الحكم هنا - كما يرى الشَّاطبي - إذا كان للحكم ما يسوغه، ولم يخالف نصًّا ولا إجماعًا أو قاطعًا، ولو تبين له الخطأ وتيقن منه؛ قال الشَّاطبي: "ولا ينقض الحكم - إذا كان له مساغٌ ما - بسبب أمر آخر، وهو أن الفسخ يؤدي إلى ضد ما نصب له الحاكم من الفصل بين الخصوم ورفع التشاجر؛ فإن الفسخ ضد الفصل"[5].
الحال الثاني: أن يكون هذا الحكم مخالفًا لنص من القرآن أو السنة أو الإجماع، ففي هذه الحالة ينقض ولا يعتبر به؛ قال الشَّاطبي: "فإذا كان بينًا ظاهرًا أن قول القائل مخالف للقرآن أو للسنَّة، لم يصحَّ الاعتداد به، ولا البناء عليه، ولأجل هذا ينقض قضاء القاضي إذا خالف النص، أو الإجماع"[6]، وقال: "ولكن ينقض مع مخالفة الأدلة؛ لأنه حكم بغير ما أنزل الله"[7]، وفي موضع آخر قال: "ما لم يكن قد أخطأ نصًّا، أو إجماعًا، أو بعض القواطع"[8]، وفي موضع آخر - في تقريره أن من الخلاف ما لا يعتبر: وهو ما كان راجعًا إلى دوران المسألة بين طرفين واضحين يتعارضان في أنظار المجتهدين، أو إلى خفاء بعض الأدلة وعدم الاطلاع عليه - قال: "أما هذا الثاني فليس في الحقيقة خلافًا؛ إذ لو فرضنا اطلاع المجتهد على ما خفي عليه لرجع عن قوله؛ فلذلك ينقض لأجله قضاء القاضي"[9].
فهو هنا - كما يلاحظ - أطلق "الأدلة"، وفي الموضع الأول أشار إلى أن مراده بالأدلة النصُّ من كتاب أو سنَّة أو الإجماع، وأشار في موضع إلى إضافة بعض القواطع دون تحديد، كما يلاحظ أنه أطلق قوله في "النص"، ولم يقيِّده بقيد يوضِّحه، وعلى هذا فهو محتمل للنصوص القطعية، سواء كانت قطعية الثبوت والدلالة أم اقتصر الأمر على أحدهما، كما أنه محتمل للنصوص الظنية أيضًا، ثم هل يمكن أن يندرج في كلامه القياس سواء كان خفيًّا أو جليًّا؟ وهل المراد بالإجماع الإجماع القطعي أو يندرج معه الظني أيضًا؟ وهل يندرج في كلامه القواعد الشرعية القطعية والظنية؟ هذا كله محتمل، ولكن بتأمُّل كلامه في هذه المواضع يظهر ما يلي:
أولًا: أن مراده بالنص هو النص القطعي ثبوتًا ودلالة، وإلى ذلك يشير قوله: "أو بعض القواطع"[10]، فيفهم من هذا أن كل ما كان قطعيًّا فهو ناقض، وكذلك النص لا بد أن يكون قطعيًّا، وأيضًا قوله: "فإذا كان بينًا ظاهرًا أن قول القائل مخالف للقرآن أو للسنة..."[11].
ولا يكون بينًا ظاهرًا واضحًا حق الوضوح إلا إذا كان قطعيًّا ثبوتًا ودلالة، ويؤيد هذا قوله: "النص إنما يكون نصًّا إذا أمن الاحتمالات العشر[12]، وهذا نادر أو معدوم"[13]؛ فالنص عنده هو السالم من الاحتمالات العشر، وما سلم من هذه الاحتمالات كان قطعيًّا ثبوتًا ودلالة عنده، كما صرح بذلك في المقدمة الثالثة من كتابه الموافقات[14].
ولذلك فيما يبدو ذكر الشَّاطبي - بعد كلامه السابق في نقض حكم الحاكم إذا خالف نصًّا من كتاب أو سنة أو الإجماع أو بعض القواطع - فصلًا قرر فيه أن زلة العالم المخالفة للدليل من الكتاب والسنة لا يصح اعتمادها، وقال: "لأنها لا تصدر في الحقيقة عن اجتهاد، ولا هي من مسائل الاجتهاد[15]، وإن حصل من صاحبها اجتهاد، فهو لم يصادف فيها محلًّا..."[16].
وكلامه هذا لا ينبغي أن يكون إلا على أمر قطعي؛ إذ هو قد قرر - فيما سبق - أن المسائل الظنية الدائرة بين النفي والإثبات هي محل الاجتهاد، فلم يبقَ إلا المسائل القطعية حتى تحمل على كلامه هذا.
وأما الإجماع، فالذي يظهر من خلال تأمل كلامه أنه إنما أراد الإجماع القطعي دون الظني؛ ولذا عطف عليه بعض القواطع، ولو كان يريد غير الإجماع القطعي لبيَّنه؛ إذ المتبادر إلى الذهن إنما هو القطعي دون غيره.
وأما القواعد: فهي إن كانت قطعية فهي مندرجة تحت قوله: "أو بعض القواطع"[17]، وإن لم تكن كذلك فلا.
وأما القياس: فالذي يظهر أنه إن كان ظاهرًا قاطعًا في بابه، فهو حجة قطعية يندرج تحت قوله: "أو بعض القواطع"، فينقض حكم الحاكم لأجله.
أما عمن وافق الشَّاطبي من الأصوليين، فيقتضي المقام التفصيل في ذلك:
أولًا: النقض في المسائل الاجتهادية:
وقد وافق الشَّاطبيَّ في أنه لا نقض في المسائل الاجتهادية في الجملة جمهورُ الأمة، من الأئمة الأربعة وغيرهم[18]، بل نقل الإجماع عليه كثيرٌ من الأصوليين[19].
وخالَفه القائلون بالنقض في المسائل الاجتهادية: وهو قول عند المالكية[20]، قال به ابن القاسم منهم، ونقل عنه قوله: "يجوز نقض ما بان غيرُه أصوب"[21]، واختاره ابن بدران[22] من الحنابلة، وممن قال به الأصم[23]، والمريسي، وابن علية[24] من المعتزلة، قالوا: لأن على جميع الأحكام أدلة قطعية، فينقض الحكم[25]، ونسب لداود من نفاة القياس، وأبي ثور؛ إذ قالا: النقض بجميع ما بان له خطؤُه[26].
ثانيًا: النقض بالنص:
وقد وافق الشَّاطبيَّ على ذلك الجمهورُ؛ فهم لا يختلفون في أن النص في الجملة ينقض به الحكم القضائي إلا ما نسب إلى أبي حنيفة ومالك من أنهما قالا: "إن ما خالف نصًّا - كتابًا، أو سنة، أو قياسًا جليًّا، أو خفيًّا - لم ينقض حكمه، إلا إن خالف إجماعًا نقض".
وعلَّق على هذا الماوردي - وتبعه ابن قدامة - بأنه قول مستبعَد، لكنه محكيٌّ عنهما، ثم ذكرا أنهما ناقضاه[27].
ومع اتفاق الجمهور على هذا الأصل إلا أن عباراتهم اختلفت في تحديد المراد بالنص:
• فمنهم مَن أطلق النص ولم يحدده بشيء؛ كقول الكرخي: "يفسخ بالنص"[28].
• ومنهم من فصَّل، فقال: بنص من كتاب أو سنة، أو بالكتاب والسنة: كقول الشافعي: "فما خالف كتابًا أو سنة..."[29]، وقول الماوردي: "وإذا خالف ما لا يسُوغ فيه الاجتهاد، وهو أن يخالف نصًّا من كتاب أو سنة"[30]، وقال ابن نُجَيم وقد نقل رأي الحنفية: "إن لم يخالف الكتاب والسنة..."[31].
• ومنهم من قيده بالظاهر أو الجلي: كقول القرافي، ونقله عن جماعة من العلماء: "ضابط ما ينقض من قضاء القاضي أربعة في جميع المذاهب: ما خالف الإجماع، أو النص أو القياس الجلِيَّيْن، أو القواعد، مع سلامة جميع ذلك عن المعارض الراجح"[32]، وقول ابن السبكي: "... أن يظهر نص"[33]، وقال ابن فرحون: "النص الجلي"[34].
وحمل ابن الرفعة كلام الشافعي في الأم بأن مراده بالنص الذي ينقض به الحكم إنما هو النص الظاهر[35]، وكذا الزركشي؛ حيث قال: "أما لو ظهر نص، أو إجماع، أو قياس جلي بخلافه، نقض هو، وغيره لا"[36]، وقد فسر ابن السبكي الجلي بما يفيد القطع، فقال: "لأن ذلك مقطوع به، فلم ينقضه الظن، وإنما ينقضه بالدليل القاطع على تقديم النص، والإجماع، والقياس الجلي، على الاجتهاد، فهو أمر لو قارن العلم به، لوجب تقديمه قطعيًّا، فكذلك نقض به"[37].
• ومنهم مَن قيده بالقطع، أو يُفهَم مِن كلامه ذلك: كالرازي حيث قال: "لا ينقض، بشرط ألا يخالف دليلًا قاطعًا، فإن خالفه نقضناه"[38]، وقال الآمدي: "وإنما يمكن نقضه بأن يكون حكمه مخالفًا لدليل قاطع من نص"[39]، ومثله أبو يعلى[40]، وأبو الخطاب[41]، وابن الحاجب، والعضد[42]، وقد فسره الأصفهاني، فقال: "إذا خالف دليلًا قاطعًا، نصًّا، أو إجماعًا، أو قياسًا جليًّا"[43]، ومثله التفتازاني حيث قال: "يعني نصًّا قطعيًّا، أو إجماعًا، أو قياسًا جليًّا"[44]، وقيده بالقاطع ابن التلمساني[45]، والصفي الهندي[46]، وابن أمير الحاج[47]، وابن عبدالشكور[48].
وأما الغزالي فإنه أشار إلى ذلك، حيث قال: "ألا يخالف نصًّا ولا دليلًا قاطعًا"[49].
وكلام هؤلاء محتمل لأن يكون مرادهم بالقطعية قطعية الثبوت فحسب، أو يكون مرادهم قطعية الثبوت والدلالة، والذي يبدو هو أن مراد أكثرهم قطعية الثبوت والدلالة، وذلك يتأيَّد بما يلي: أولًا: قول الآمدي: "ولو كان حكمه مخالفًا لدليل ظني من نص أو غيره فلا ينقض ما حكم به بالظن؛ لتساويهما في الرتبة"[50]، وظني الدلالة موضع اجتهاد؛ فهو مساوٍ للاجتهاد السابق في الرتبة، ويفيد ذلك أيضًا قوله: "لدليل قاطع من نص"[51]، فقوله: "قاطع" يفيد قطعية الثبوت، وقوله: "نص" يفيد قطعية الدلالة، وقيد بهما؛ لأن النص قد لا يكون قاطعًا.
ثانيًا: قول ابن السبكي: "فإن خالف نصًّا، أو ظاهرًا جليًّا، ولو قياسًا"[52]، وقد فسره البناني بقوله: "نصًّا؛ أي: في معناه، بدليل مقابلته بقوله: أو ظاهرًا جليًّا"[53].
وقد عُلم مما سبق أن ابن السبكي فسر الظاهر بما يفيد القطع، فإذًا مراده ما كان قطعيًّا في ثبوته ومعناه؛ لأن ذلك هو الذي يكون مقطوعًا به، فلا يمكن نقضه بالظن، وإذا علم أن النص هو القاطع في معناه، تبيَّن أن من قيده بالظهور أو بالجلاء، لا يريد قطعية ثبوته، وإنما يريد قطعية دلالته؛ إذ هذا التعبير لا يليق إلا بالمعاني والدلالات.
ثالثًا: ما ذكره القرافي عن بعض العلماء ونسبوه لجميع المذاهب، بل وأكده القرافي في أكثر من موضع، مِن اشتراط السلامة من المعارض الراجح[54]، ومن المعلوم أنه لا يكون سالمًا من المعارض إلا بكونه قطعي الثبوت والدلالة؛ إذ لو كان قطعي الثبوت دون الدلالة، لاحتمل عدم السلامة من المعارض الراجح، ولكان مساويًا للاجتهاد السابق فلا ينقض به[55].
رابعًا: أن إطلاق الأصوليين للقاطع منزَّل على الأصل؛ إذ الأصل هو قطعية الثبوت والدلالة، ولو أرادوا قطعية الثبوت دون قطعية الدلالة لقيدوا ذلك؛ لأن في الإطلاق حينئذ إيهامًا ولا شك؛ لأن المتبادر عند الإطلاق إنما هي القطعية في الأمرين جميعًا.
ومما عبر به بعض الأصوليين النص وأدرجوا فيه السنة المشهورة: قال المرغيناني: "إلا أن يخالف الكتاب والسنة"، ثم قال: "والمراد بالسنَّة المشهورة منها"[56].
وقال الأنصاري اللكنوي - شرحًا على قول ابن عبدالشكور: "لا ينقض الحكم في الاجتهاديات إذا لم يخالف قاطعًا" - قال: "وهو الكتاب والسنَّة المتواترة والمشهورة"[57].
وبعضهم صرَّح بدخول الآحاد في مسمى النص أو السنة: كالنووي؛ حيث قال: إن تبين أنه خالف قطعيًّا كنص كتاب، أو سنة متواترة، أو إجماع، أو ظنًّا بخبر الواحد، أو بالقياس الجلي، فيلزمه نقض حكمه"[58].
وقال الصفي الهندي: "لا ينقض إلا في مواضع؛ لقوة أدلتها، وإن كانت ظنية"[59].
وقال ابن النجار: "ينقض بمخالفة نص للكتاب أو سنة، ولو آحادًا"[60].
وبعد سرد عباراتهم في هذه المسألة يمكننا تلخيص المسألة في نقاط:
أولًا: النقض بالكتاب:
ومما سبق تبين أنه لا خلاف في النقض بالكتاب؛ فهو قطعي الثبوت، وعباراتهم تحتمل خلافًا في اشتراط قطعية الدلالة، إلا أن الظاهر من عبارة أكثرهم موافقتهم للشاطبي في النقض بقطعي الثبوت والدلالة.
ثانيًا: النقض بالسنة:
والسنة على قسمين: القسم الأول: السنة المتواترة:
وهذه كالكتاب تمامًا؛ فهي قطعية الثبوت، وقد تكون قطعية الدلالة، وقد لا تكون.
القسم الثاني: السنة الآحادية: سواء كانت مشهورة[61]، أم لا:
واختلَف الأصوليون في النقض بخبر الآحاد؛ فوافق الشَّاطبيَّ في عدم النقض به أكثرُ الأصوليين[62]، واختاره خاصةً من الحنابلة أبو يعلي[63]، وأبو الخطاب[64].
وخالَفه القائلون بالنقض بخبر الآحاد: وهو اختيار أكثر الحنابلة[65]، ويفهم من كلام النووي النقضُ به[66]، وتبعه فقهاء الشافعية[67]، واختاره الصفي الهندي إذا كان الآحاد قويًّا محفوفًا بالقرائن[68]، ومثله قول ابن السبكي: "قال علماؤنا: أو مظنونًا ظنًّا محكمًا بخبر الواحد"[69].
ولعل كلام النووي وفقهاء الشافعية يحمل على هذا.
كما خالفه الحنفية، فرأَوُا النقض بالسنة المشهورة، ومن رأى النقض بالآحاد عمومًا، فيندرج في كلامه السنة المشهورة، وأما كلام مَن أطلق النص من الأصوليين فهو محتمل[70].
ثالثًا: النقض بالإجماع:
تتابعت عباراتُ الأصوليين موافقةً للشاطبي، ومؤكدةً النقض بالإجماع، ويفهم من عبارات بعضهم تقييده بالقطعي، وصرح بذلك بعضهم[71]، وأطلق آخرون فلم يقيدوا[72].
وصرح المرداوي وتبعه ابن النجار بوجود قول آخر: وهو النقض بالإجماع الظني، وذكر المرداوي أنه ظاهر كلام مَن أطلق من الأصحاب[73]، وقال ابن النجار: "ينقض.. أو مخالفة لإجماع قطعي لا ظني في الأصح"[74]؛ فقوله: "في الأصح" واضح منه وجود الخلاف في المذهب، بل جعله المرداوي هو الصحيحَ من المذهب، وذكر أن ظاهر كلام كثير من الأصحاب النقض بالإجماع الظني[75].
رابعًا: اختلف الأصوليون في النقض بالقياس على قولين:
الأول: أن القياس ينقض به الحكم إذا كان جليًّا، أما الخفي فلا ينقض به: واختاره ابن أمير الحاج من الحنفية[76]، وبه قال المالكية[77]، وأكثر الشافعية[78]، وابن حمدان[79] من الحنابلة، وهو قول الشافعي[80]، ونسب لمالك[81]، ونقل عليه الاتفاق[82].
الثاني: أن القياس لا ينقض به الحكم، سواء كان جليًّا أم خفيًّا: اختاره ابن عبدالحكم[83] من المالكية وهو الصحيح من مذهب الحنابلة، وبه قال أكثرهم[84].
ويحتمل أن في المسألة قولًا ثالثًا: وهو النقض بالجلي والخفي: وقد ذكر الغزالي أن الفقهاء يقولون بالنقض بالجلي، وذكر أن كلامهم إن أرادوا به ما هو في معنى الأصل مما يقطع به فهو صحيح، وإن أرادوا به قياسًا مظنونًا مع كونه جليًّا فلا وجه له؛ إذ لا فرق بين ظن وظن[85]، وعلى الاحتمال الأخير يكون قولًا ثالثًا في المسألة؛ لأن الجلي عند هؤلاء ليس بمعناه عند أصحاب القول الأول، ثم إن بعض مَن أجاز النقض بالظن قد يختار النقض به هنا أيضًا.
خامسًا: النقض بالقواعد:
ذكَر هذا الناقض بعض علماء المالكية[86]، والحصني[87] من الشافعية، ونقله السيوطي عن القرافي، ولم يتعقبه[88]، قال القرافي: "والحكم الذي ينقض في نفسه، ولا يمنع النقض، هو ما خالف أحد أمور أربعة: الإجماع، أو القواعد، أو النص، أو القياس الجلي"[89]، ونقله القرافي عن جماعة من العلماء، وذكر أنهم نسبوه للمذاهب[90]، ونسبه ابن النجار لمالك[91].
ولكن هل مرادهم هنا القواعد القطعية أو الظنية؟، يحتمل أن في المسألة قولين:
القول الأول: أنه ينقض بالقواعد القطعية دون الظنية، ويفيده ما اشترط القرافي من السلامة من المعارض[92]، والظن لا يسلم من معارضة ظن آخر، فلم يكن أحدهما أولى بالتقديم من الآخر.
القول الثاني: أنه ينقض بالقواعد القطعية والظنية.
ويؤيد هذا التقسيم ما ذكره المقري من أن للمالكية قولين في نقض الظن بالظن[93].
دليل الشَّاطبي ومَن وافقه:
استدل الشَّاطبي على أن الحكم لا ينقض إذا لم يخالف نصًّا أو إجماعًا أو بعض القواطع: بأن الحاكم إنما نصب لفصل الخصومات ورفع التشاجر بحسب الظاهر، ولا شك أن مصلحة نصب الحاكم تخالف نقض حكمه، ولا يمكن إبقاء مصلحة نصب الحكام إلا بالإبقاء على أحكامهم؛ إذ لو قيل بالنقض، لَمَا استقر حكمٌ مطلقًا[94].
كما استدل الشَّاطبي على النقض في حالة مخالفته ما تقدم بدليلين:
الدليل الأول: أن الحاكم إنما هو مبلغ عن الشريعة؛ إذ ليس هو بالمعصوم حتى يكون انتصابه في الحكم كالنبي المعصوم، وعلى هذا فهو منتصب للحكم على شرط الحكم بمقتضى الشريعة، فلو حكم بحكم مخالف لما عليه دليل قاطع في الشرع لم يكن حاكمًا؛ لأنه حكم بغير ما أنزل الله قطعًا، وهو مأمور برد النزاع إلى الشريعة الحاكمة؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ [النساء: 59] [95].
الدليل الثاني: أن خطأ الحاكم فيما فيه أدلة ظاهرة وواضحة لخفاء الأدلة عليه، أو لعدم اطلاعه عليها لا يعتبر في الشرع خلافًا معتبرًا؛ إذ اجتهاده لم يصادف محلًّا معتبرًا، وإنما يعتبر في الشرعِ ما صدَر عن أدلة معتبرة[96].
krq hgh[jih]
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
3 أعضاء قالوا شكراً لـ MS HMS على المشاركة المفيدة:
|
|
11-06-2017, 01:04 PM
|
#2
|
رد: نقض الاجتهاد
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
11-06-2017, 09:05 PM
|
#3
|
رد: نقض الاجتهاد
جزاك الله خيرا
جعله في ميزان حسناتك
على طرحك القيم والمفيد
انتظر جديدك بكل الشوق
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
11-06-2017, 10:26 PM
|
#4
|
رد: نقض الاجتهاد
جزآك آللـه خير
وجعله في ميزآن حسنآتك
ربي لايحرمنآ منك ومن تميززك فآئق آلحدود
بـآرك آلله فيـك ووفقك آلله
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
11-07-2017, 12:52 AM
|
#5
|
رد: نقض الاجتهاد
يعطيك الف عآفيه على الطرح الرائع..
لاحرمنا منك ..آبدآ..ولآمن ابدآعك..
بآنتظار جديدك المتميزورائع
دمتم بسعآدهـ
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
11-07-2017, 07:03 AM
|
#6
|
رد: نقض الاجتهاد
جزاك الله خيرا لما نقلت لنا من دُرر
اللهم ارزقنا لسانا ذاكرا
وقلبا خاشعا
دمت برضى الله وفضله
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
11-07-2017, 01:32 PM
|
#7
|
رد: نقض الاجتهاد
/
تسلم ايدك ع الانتقاء المميز
يعتبك العافية ..
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
11-07-2017, 06:40 PM
|
#8
|
رد: نقض الاجتهاد
جزاك الله خير الجزاء
ونفع بك على الطرح القيم
وجعله في ميزان حسناتك
وألبسك لباس التقوى والغفران
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
11-08-2017, 08:50 AM
|
#9
|
رد: نقض الاجتهاد
الله يجزاك كل خير على مجهودك...
ويجعل الأجر الاوفر بميزان حسناتك.
تحياتى
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
11-08-2017, 09:47 AM
|
#10
|
رد: نقض الاجتهاد
جزاكم ربي خير الجزاء
ونفع الله بكم وسدد خطاكم
وجعلكم من أهل جنات النعيم
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 07:20 AM
| | | | | | | | | |