لم يكن يمر يوم من الايام دون أن يأتي الى قصر المقوقس عظيم مصر رسول أو أكثر من اماكن متعددة تربطها بمصر علاقات ومعاملات ولم يكن أحد ممن في القصر يهتم بمثل هذه الرسائل الا من ترتبط أعمالهم بها، حتي جاء يوم من الايام اقبل فيه رجل من جزيرة العرب يحمل معه رسالة من رجل عظيم الشأن في الجزيرة العربية اسمه محمد بن عبد
الله يقال عنه إنه رسول الله، فقد شدت هذه الرسالة انتباه الجميع وحظيت باهتمامهم، وسرعان ما انتشر خبرها بين سكان القصر جميعاً، السادة والعبيد والجواري، فما هو يا ترى سر الاهتمام بهذه الرسالة ؟
لقد كان صاحب هذه الرسالة هو محمد رسول
الله صلى
الله عليه وسلم خاتم الانبياء والمرسلين، وكان هذا الامر وحده جديراً بالتوقف عنده، فقد كان الروم ومعهم عدد كبير من اهل مصر على ملة نبي
الله عيسى عليه السلام وكانوا يدركون تماماً معنى النبوة وحقيقتها، كما ان هناك امراً آخر كان جميع من في قصر المقوقس على علم به وهو أن هذا النبي العربي قد بعث برسالة مماثلة لهرقل عظيم الروم يدعوه فيها الى الاسلام وكاد هرقل أن يسلم بعد أن قرأ رسالة محمد صلى
الله عليه وسلم لولا خوفه على نفسه وملكه من قومه .
وبعد أن قرأ المقوقس الرسالة طواها بعناية ووضعها في صندوق صغير من العاج ثم ختمه بختمه واعطاه لواحدة من جواريه حتى تحتفظ به عندها، ومكث حاطب بن أبي بلعتة المبعوث بالرسالة خمسة ايام عند المقوقس حظي فيها بالاحترام والتكريم وحسن الضيافة، وفي اليوم الخامس طلب المقوقس منه أن يحدثه عن صفات النبي ووصفه، فتحدث حاطب عن النبي صلى
الله عليه وسلم وأحسن الحديث واستطاع أن يرسم للنبي صورة عظيمة في نفوس القوم جميعاً، حتى تمنى جميع من في القصر رؤية رسول
الله .
فكر المقوقس في الامر ثم قال لحاطب : قد كنت أعلم ان نبياً قد بقى وكنت أظن انه يخرج من الشام وهناك كان مخرج الانبياء، فأراه قد خرج من ارض العرب، ولكن القبط لا تطاوعني فقد خاف المقوقس أن يفقد مكانته في قومه، وأمر المقوقس بإحضار جاريتين من جواريه إحداهما تسمي
مارية والاخرى سيرين وهما اختان ، وألف مثقال ذهباً وعشرين ثوباً من اجود انواع الثياب وبغلة شهباء جميلة قوية تسمى الدلول، و**** وعبد خضى يقال له مأبور وبعض من عسل بنها ، اجود انواع العسل في مصر وبعض المسك ، واعطي كل هذا لحاطب هدية للنبي محمد صلى
الله عليه وسلم .
وفي أثناء عودة حاطب الى المدينة المنورة كانت
مارية واختها تعجب من اشياء يفعلها حاطب في بعض اوقات الليل والنهار، فقد كانت تراه يغسل اجزاء من جسمه ويمسح رأسه بالماء ثم يقبل في اداء بعض الشعائر مثل الرجوع والسجود بخشوع تام، واحياناً كان يترنم بكلام عذب جميل، فكانت
مارية واختها تعجبان مما يفعله حاطب ولذلك دار بينهما وبين حاطب حوارات تسأله فيها عن افعاله هذه، ووجد حاطب الفرصة مناسبة ليشرح لهما مبادئ الاسلام، وسرعان ما لامس الايمان قلب
مارية وادركت عظمة هذا الدين فأسلمت هي واختها لله رب العالمين، وتعلق قلبها بمحبة رسول
الله صلى
الله عليه وسلم .
وعندما وصل حاطب والجاريتان من مصر، اتخذ الرسول صلي
الله عليه وسلم من
مارية جارية له، واعطي اختها سيرين لصاحبه وشاعره حسان بن ثابت رضي
الله عنه، وأنزل الرسول
مارية بمنزل لحارثة بن النعمان قرب المسجد، وكان يكثر التردد عليها ويمكث عندها طويلاً في اوقات كثيرة من الليل، مما آثار غيرة بعض زوجاته منها فنقلها النبي في العالية من ضواحي المدينة وكان النبي يزورها كما كان يزور الرجل ملك يمينه عند الماء الذي يقال له اليوم : مشربة أم ابراهيم وضرب عليها الحجاب وهذا تكريم من النبي صلى
الله عليه وسلم لها بأن جعلها في مكانة زوجاته امهات المؤمنين رضي
الله عنهن جميعاً .
وبعد فترة قضتها
مارية عند رسول
الله صلى
الله عليه وسلم انطلقت في ارجاء المدينة بشرى عظيمة فقد حملت
مارية وفرح الرسول صلى
الله عليه وسلم بهذا الخبر، وولدت
مارية ابراهيم وفرح به النبي صلى
الله عليه وسلم كثيراً، ولكن لم تدم هذه الفرحة طويلاً ولم تطل
حياة ابراهيم فما إن بلغ ستة عشر شهراً حتى توفاه
الله تعالى وحزن رسول
الله صلى
الله عليه وسلم على موته حزناً شديداً، ودمعت عيناه رحمه
الله .
عاشت
السيدة مارية رضي
الله عنها بعد وفاة رسول
الله صلى
الله عليه وسلم خمس سنوات وفي شهر المحرم من السنة السادسة عشرة للهجرة لحقت
السيدة مارية بالرفيق الأعلي وكانت وفاتها في خلافة عمر بن الخطاب رضي
الله عنه ويومها جمع عمر الناس لشهود جنازتها وصلى عليها إماماً بالناس ودفنها بالبقيع رضي
الله عنها وارضاها واسكنها فسيح جناته .
lrj'thj lk pdhm hgsd]m lhvdm fkj alu,k vqd hggi ukih ghvpj lrj'thj hggi hgsd]m pdhm alu,k ukih