إن تسليط الضوء على مكامن الكمال، ومواضع التميز في النفس البشرية، والإشادة بها منهج نبوي، يراد منه بعث الحماس وحث النفس على الزيادة، وهو مشروط بأن يكون حقًا، وبالقدر الذي يحقق الهدف. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أسعد الناس يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد ظننتُ يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحدٌ أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث"[1].
يا لها من كلمات "لقد ظننتُ يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحدٌ أول منك". بربك ما هو حال الابن حينما يكتشف أن أمه أو أباه أو معلمه ينتظر سؤاله (هو) بالذات من بين أقرانه ! نلاحظ هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم وجّه طاقة أبي هريرة رضي الله عنه، وشجعه فيما يحسنه من العمل، وهو حفظ الحديث والعناية به.
إننا حين نمتدح صفة إيجابية في أطفالنا ونسلط الضوء عليها نساعد أطفالنا على المحافظة عليها وتنميتها وتكرارها؛ فالصفة الإيجابية بحاجة للتنمية والرعاية وإلا ذبلت كما تذبل الزهرة. وفي قصة سلمة بن الأكوع رضي الله عنه في ذي قرد لمَّا رجعوا قافلين إلى المدينة بعد أن أبلى سلمة بلاءً حسنًا، يقول سلمة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة، قال: ثم أعطاني رسول الله سهمين، سهم الفارس، وسهم الراجل، فجمعهما لي جميعًا، ثم أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة"[2].
تأمل هذه الحادثة، وكم فيها من الثناء والتشجيع، وتقدير الكفاءات، والتخصيص في ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: "كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة وخير رجالتنا سلمة".
إن كثيرًا من أصحاب الكفاءات يصابون بالضمور، بل ربما يموتون وتموت مواهبهم وإمكاناتهم؛ لأنهم لم يجدوا من يدفعهم بكلمة ثناء، أو يرفعهم بعبارة تشجيع.
يعتقد بعض الأطفال أنهم غير ناجحين، وعادة يكون هذا الاعتقاد غير صحيح. قم بتصحيح هذا الاعتقاد بإلقاء الضوء على مواطن القوة والتميز، وأظهر فعاليتها وشجعها؛ لتنمية ثقة الأطفال بأنفسهم. فهذا يساعد على إيجاد شعور بالنجاح. والنجاح يولِّد نجاحًا آخر. عندما تثني على تفوق
طفلك في مادة الرياضيات؛ سوف يشعر بتحسن داخلي تجاه المدرسة ويتملكه الشعور بالنجاح؛ وبذلك سيكون أكثر حماسًا للتفوق في بقية المواد الدراسية؛ فالنجاح يولِّد نجاحًا آخر.
إذن! هيا لنفتش عن مكامن التميز، وخبايا المواهب في أبنائنا؛ لنشنِّع عليها بمدحنا وثنائنا، ونفضحها أمام الملأ. إن بعض الآباء والأمهات لا يعارض على أصل الثناء والمدح، بل ويعتقد أهمية ذلك، لكنه أُتِيَ من قِبل نظرته السوداوية لأبنائه؛ فلا يرى إلا القبيح.
وعين الرضا عن كل عيب كليلة *** ولكن عين السخط تبدي المساويا
نقول لهذا ومن على شاكلته من الآباء والأمهات: أيعقل أن ابنكما كومة أخطاء وسلبيات فقط؟!. هل رأيتم المُجمِر وهو يوقد على الجمر كيف أنه يذهب إلى الجهة الصغيرة المضيئة من الجمرة ولو كانت مثل رأس الدبوس ثم ينفخ فيها فما تلبث الجمرة أن تتقد وتضيء بالكامل! أيها الأب، أيتها الأم، ما عليكما إلا أن تجلسا جلسة استرخاء في جو جميل وأنتما بكامل صفائكما ثم تتفكرا في ابنكما أو ابنتكما، وتستعرضا جميع مؤشرات البحث والتنقيب بكل موضوعية وهدأة بال؛ لتخرجا بصفة مميزة وإيجابية ولو كانت صغيرة في نظركما، ثم تنفخا في تلك الصفة وتجعلا منها مفتاحًا لقلب ابنكما أو ابنتكما، ويدًا تنفض الغبار عن إيجابيات غابت عن نظركما بسبب التركيز دومًا على مواطن الضعف والسلبيات. حدثوا أبناءكم بإعجاب عن إيجابياتهم ومواطن قوتهم؛ فإن ذلك بمثابة جسر تعبرون منه إلى كوامنهم، وأرضية مشتركة تفتح قنوات من الحوار بينكم وبينهم.
حكمة
لو كانت السلبيات والعيوب والنقائص مرضًا يسري في جسد بكامله إلا عضوًا واحدًا منه. لكان دواءُ ذلك الجسد امتداحَ العضو الصحيح والثناء عليه !