الأخوة المفقودة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
كلمات قصيرة وإشارات عابرة وتذكرة عاجلة، قد تُقَلِّب المواجع وتُقلِق المضاجع، لكن لا خير فينا إن لم نتناصح ونتصارح، سيما في زمن طغت فيه الماديات وانغمس الناس في الملذات، واستحسنوا الهوى دون النظر في الانعكاسات والسلبيات والمآلات!
قال تعالى( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ )[1].
قال القاشانيّ: بيّن تعالى أن الإيمان الذي أقل مرتبته التوحيد والعمل، يقتضي الأخوة الحقيقية بين المؤمنين، للمناسبة الأصلية، والقرابة الفطرية، التي تزيد على القرابة الصورية، والنسبة الولادية.[2]
هذا عقد، عقده الله بين المؤمنين، أنه إذا وجد من أي شخص كان، في مشرق الأرض ومغربها، الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، فإنه أخ للمؤمنين، أخوة توجب أن يحب له المؤمنون، ما يحبون لأنفسهم، ويكرهون له، ما يكرهون لأنفسهم.[3]
إنما أداة قصر وحصر، وجاءت الجملة ( المؤمنون إخوة ) مركبة تركيبا اسميا، للدلالة على الثبات والديمومة والاستمرار، فالأصل أن أخوة المؤمنين ثابتة دائمة!
وهذه الآية فيها دلالة قوية على تقرر وجوب الأخوة بين المسلمين... قوله تعالى: ( إنما المؤمنون إخوة ) مفيد أن معنى الأخوةبينهم معلوم مقرر.[4]
فالإيمان المطلق يقتضي أخوة حقيقية كاملة، والأخوة الصادقة تستلزم الإيمان، فالأخوة والإيمان قرينتان لا تنفكان عن بعضهما البعض، فإن وجدت أخوة من غير إيمان فإنها مبنية على مصالح ومنافع زائلة! وإيمان دون أخوة صادقة فاعلم أنه إيمان ناقص، فلابد من الدرَّتين ليكتمل العقد ويتحقق قوله سبحانه( إنما المؤمنون إخوة ).
عن البراءِ بْنِ عازِبٍ رضي الله عنه قال: كُنَّا جلوساً عِندَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: "أيُّ عُرَى الإسْلامِ أَوْثَقُ؟ ".
قالوا: الصَلاةُ. قال: "حَسنةٌ؛ وما هِيَ بِها".
قالوا: صِيامُ رَمَضانَ. قال: "حَسنٌ؛ وما هُوَ بِهِ".
قالوا: الجِهادُ. قال: "حسَنٌ؛ وما هُوَ بِهِ".
قال: "إنَّ أوْثَقَ عُرى الإيمانِ أنْ تُحِبُّ في الله، وتُبْغِضَ في الله".[5]
وقال عليه الصلاة والسلام( مَنْ أَحبَّ لله، وأبْغَضَ لله، وأعْطَى لله، ومَنَع لله؛ فقدِ اسْتَكْمَل الإِيْمانَ ).[6]
وَكتب عمر بن الْعَزِيز إِلَى عدي بن عدي: إِن للْإيمَان فرائض وَشَرَائِع وحدودا وسننا، فَمن استكملها اسْتكْمل الْإِيمَان، وَمن لم يستكملها لم يستكمل الْإِيمَان، فَإِن أعش فسأبينها لكم حَتَّى تعملوا بهَا، وَإِن أمت فَمَا أَنا على صحبتكم بحريص.[7]
وبين عليه الصلاة والسلام أهمية الإيمان في الصداقة والعلاقة الأخوية الفعالة، إذ يقول( لا تصاحبْ إلَّا مؤمنًا، ولا يأكلْ طعامَك إلَّا تقيٌّ ).[8]
لأنه يدلك على الخير ويقودك إليه، وفيه النهي عن صحبة غير المؤمن؛ لأنه يقودك إلى الشر ويدعوك إليه.[9]
قال في الحكم: لا تصحب من لا ينهضك حاله، ولا يدلك على الله مقاله.[10]
الخلاصة والحقيقة التي لا مرية فيها، والواجب المترتب على كل مسلم:
1- أن الأخوة الإيمانية مطلب رباني وواجب شرعي وهدي نبوي ينبغي تحقيقه بين المسلمين، والحث عليه وتوكيده.
2- لا أخوة بدون إيمان، ولا إيمان بدون أخوة.
3- لأهمية الأخوة المبنية على الإيمان أول ما فعله عليه الصلاة والسلام بعد الهجرة؛ آخى بين المهاجرين والأنصار، لأنها ركيزة قوية لمجتمع متماسك مترابط.
4- الأخوة الإيمانية مقتضية للمحبة والولاية، ويقوى مقتضاها بحسب قوة الإيمان والاستقامة.[11]
5- من أصول الإيمان العظيمة؛ الحب في الله والبغض في الله، والمؤاخاة في الله.
6- أخوة الدين أقوى وأثبت من أخوة النسب، تقوى بقوة الإيمان ويقوى الإيمان بقوتها، ويضعف بضعفها.
7- الأخوة الحقيقية مبنية على العقيدة السليمة، بعيدا عن اللون والجنس والقومية واللغة والحسب والنسب.
8- أعظم رابط وأقوى حبل وأوثق مشترك إيماني؛ آصرة الأخوة في الله.
9- ما كان لله دام واتصل، وما كان لغيره انقطع وانفصل.
لكن الواقع المؤلم المرير الخطير – للأسف الشديد- أن:
1- الأخوة الإيمانية أصبحت مطلب هامشي ثانوي لا اعتبار له! إلا مَن رحم الله وقليل ما هم!
2- عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا لا الدين!
3- الأخوة بالمعنى الدقيق الحصري، الذي أراده الله منا نادرة الوجود، وهذا نذير شؤم على مجتمعاتنا.
4- أغلب العلاقات- بما فيها الأخوية الظاهرة!- في زماننا مبنية على الحسب والنسب( طبقية مقنَّعة )، أو الوجاهة والمظاهر البراقة ( نفاق مُبطن )، أو المصالح المادية ( انتكاس قِيَمي )!
5- كثير من المسلمين خذلهم أقرب الناس لهم؛ لانعدام أخوة الإيمان، وتفشي أخوة المظاهر!
وأختم بقول الشاعر:
يا أخي في الهند أو في المغرب * أنا منك أنت مني أنت بي
لا تسل عن عنصري عن نسبي * إنـه الإسـلام أمي وأبي
لاأله الا الله
منقول
hgHo,m hgltr,]m> hgH[km hgltr,]m