الإجهاد والتعرض للصدمات النفسية والعاطفية أثناء الحمل يعدان أولى الطرق التي يمكن أن تنتقل من خلالها الصدمات بين الأجيال (غيتي إيميجز)
فور أن تعرف المرأة بحملها وتتأكد من أنها في انتظار مولود جديد عادة ما تبدأ في اتباع نظام غذائي صحي بصورة خاصة، فتمتنع عن الأطعمة الضارة المليئة بالدهون والسكريات، لينمو جنينها دون مشكلات.
وربما قد تراعي السيدات لياقتهن البدنية وصحتهن النفسية خلال فترة الحمل بشكل خاص، ذلك أن الجنين يشعر بكل مشاعر أمه وهو لا يزال في طور النمو بالرحم، ولأنه سيتأثر لا محالة بالمواد الكيميائية التي يفرزها مزاج الأم في الجسم.
لكن، ماذا عن خبراتها السابقة من التجارب المؤلمة؟ هل من الممكن أن تورث الأم مخاوفها واضطراباتها النفسية وصدمات حياتها لطفلها عبر البصمة الجينية أيضا؟
تأثير الصدمات على جينات المرأة
في الحقيقة، تؤثر كل تجارب الأب والأم على بصمات أطفالهما الجينية، ففي دراسات علمية متخصصة حول الصدمات وعلم الوراثة هناك اصطلاح يسمى "الصدمة الجينية" أو (Genetic Trauma)، ويعني آثار الصدمة التي يقول بعض الخبراء إننا ورثناها من الأجيال السابقة، إذ يمكن للأحداث التي تقع في حياة المرأة وتؤثر على سلوكياتها -مثل الأحداث المفجعة والمواقف المؤلمة- أن تغير الطريقة التي تعمل بها جيناتها.
ولا تؤثر هذه التغييرات على تسلسل الحمض النووي الخاص بالأم فحسب، بل يمكن أن تؤثر على كيفية قراءة الجسم هذا الحمض.
التعافي من الصدمات النفسية غاية في الأهمية للحصول على حياة صحية غنية بالرفاه (وكالة الأنباء الألمانية)
كيف يمكن أن تنتقل الصدمة من الأم إلى طفلها؟
من المعروف أن الصدمة يمكن أن تغير طباع وشخصية الإنسان، وعلى الرغم من أن اضطراب ما بعد الصدمة "بي تي إس دي" (PTSD) عادة ما يكون مرتبطا بالتجربة الشخصية للصدمة أو الحدث المؤلم فإن بعض الدراسات قدرت أن وراثة الأطفال اضطراب ما بعد الصدمة يمكن أن تتراوح بين 30 و70% من الأم والأب والأجيال السابقة أيضا، مثل الأجداد.
ووجدت الدراسة المنشورة في مجلة "فرونت سيكولوجي" (Front Psychology) للأبحاث في علم النفس أن الصدمة يمكن أن تنتقل من خلال آليات المصدر الوراثي اللاجيني للأمهات، مما قد يؤثر على وظيفة الحمض النووي والجينات التي تورثها الأم لجنينها.
ومن بين الطرق التي تنتقل بها صدمات الأم إلى جنينها الإجهاد والتعرض للصدمات النفسية والعاطفية أثناء الحمل.
ووجدت الأبحاث أن إجهاد الأم وإصابتها بتجارب مؤلمة أثناء الحمل يهددان الأطفال بـ:
اضطرابات طيف التوحد.
انفصام الشخصية.
اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه "إيه دي إتش دي" (ADHD).
كما ثبت وجود علاقة بين صدمة ما قبل الولادة عند الأمهات والمعاناة من اضطراب ما بعد الصدمة "بي تي إس دي" والقلق والاكتئاب عند الأطفال في مراحل متقدمة من حياتهم.
تأثير يمتد لأجيال متعاقبة
لفت تقرير في مجلة "سايك سنترال" (PsychCentral) لعلم النفس عن تأثير الصدمات على عوامل الوراثة إلى أن شعور الأم بالقلق والتوتر المستمر في حياتها الشخصية بشكل عام وخلال فترة حملها بصورة خاصة يمكن أن يؤثر على مدى صحة الطفل في حياته مستقبلا، فالأبناء من الأمهات اللاتي يعانين من القلق والتوتر النفسي أكثر عرضة للإصابة بالسمنة ومرض السكري ومشاكل في تطور الدماغ.
هل يمكن للمرأة الشفاء من صدماتها الجينية؟
التعافي من الصدمات النفسية أمر غاية في الأهمية للحصول على حياة صحية غنية بالرفاه والفرص، ويتضح أن الأمر ضروري كذلك في ما يتعلق بالتأثير البيولوجي للأمهات على الأجيال الجديدة.
وفي حين أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث فإننا نستعرض بعض المسارات نحو الشفاء التي يجب مراعاتها لتخفيف أثر بصمة الصدمات الجينية على الأطفال.
كل تجارب الأب والأم تؤثر على بصمات أطفالهما الجينية (بيكسلز)
يمكن للأمهات بحسب مجلة "ساينتفك أميركان" (Scientific American) أن يحاولن مثلا:
اكتشاف التاريخ العائلي للصدمات السابقة
حتى إذا كانت المرأة التي تنتظر الإنجاب في المستقبل أو تتوقع مولودا جديدا خلال أشهر ليست على دراية كاملة بمشاعرها الآنية فمن المهم البحث في تاريخ الصدمات الخاصة بها وفي تاريخ العائلة الممتدة.
فبالاستعانة بطبيب نفسي إضافة إلى روايات الآباء والأمهات من الأجيال السابقة يمكن معرفة السمات الشخصية التي تم توارثها بسبب التاريخ المشترك من الصدمات الجينية.
وتساهم هذه العملية في معرفة الخبرات التي تركت أثرها على جينات المرأة وشخصيتها وأثرت على رؤيتها ومشاعرها تجاه نواحي الحياة المختلفة.
الانغماس في التجارب الإيجابية للتعافي
مثلما يمكن للجينات أو تؤثر جذريا على حياتنا بسبب الصدمات والتجارب السلبية يمكن للعيش في بيئة آمنة وخوض التجارب الإيجابية في الحياة أن يعالج هذا الأثر بشكل معاكس، وذلك بفضل المرونة العصبية للدماغ، فقد وجدت الأبحاث عام 2016 أن إثراء بيئاتنا قد يؤثر علينا وعلى الأجيال القادمة، وذلك إما بالإيجاب أو بالسلب على حد سواء.
لذا تُنصَح النساء بمحاولة اكتشاف أنفسهن والانغماس في محيط إيجابي وعلاقات صحية يمكنها تلبية احتياجاتهن، وتعد هذه الخطوة فرصة جيدة لإنجاب أطفال أصحاء في المستقبل.