يا رفاق السرى إلى أين نسري
و إلى أين نحن نجري و نجري ؟
ربنا غائم يغطّيه ليل
فكأنّا نسير في جوف قبر
دربنا وحشة و شوك ووحل
و سباع حيرى ؛ و حيّات قفر
و متاه تحيّر الصمت فيه
حيرة الشكّ في ظنون " المعرّي "
و الرؤى تنبري كظمآن تهوي
حول أشواقه خيالات نهر
و الدجى حولنا كمشنقة العمر
كوادي الشقا : كخيمات شرّ
راقد في الطريق يتّسد الصمـ
ت ؛ و يومي بألف ناب ، و ظفر
ذابل و النجوم في قبضتيه
ذابلات كالغيد في كفّ أسر
***
يا رفاق السرى إلى كم نوالي
خطونا في الدجى إلى لا مقرّ ؟
أقلق اللّيل و السكون خطانا
و خضبنا بجرحنا كلّ صخر
و غرسنا هذا الطريق جراحا
واجتنينا الثمار حبّات جمر
فإلى كم نسير فوق دمانا ؟
أين أين القرار هل نحن ندري ؟
كلّنا في السرى حيارى و لكن
كلّنا في
انتظار ميلاد فجر
كلّنا في
انتظار فجر حبيب
و
انتظار الحبيب بصبى و يغري
يا رفاقي لنا مع
الفجر وعد
ليت شعري متى يفي ؟ ليت شعري !
***
و هنا أدرك الفتور قوانا
و انتهى الزاد و انتهى كلّ ذخر
و مضينا كالطّيف نصغي فهزّت
سمعنا نغمة كرنّات تبر
فجرحنا السكون حتّى بلغنا
بيت حسنا يدعونها أخت عمرو
فقرتنا لحما و حسنا شهيّا
و حديثا كأنّه ذوب سحر
و ذهبنا و في دمانا حنين
جائع ينخر الضلوع و يفري
و طغى حولنا من السفح موج
من ضجيج كأنّه هول حشر
فإذا قرية تدير ضرابا
و تريش السهام حينا و تبري
فاقتربنا نستكشف الأمر لكن
أيّ كشف نحسبه أيّ أمر
أعين تقذف اللّظى و نفوس
مثخنات تنسلّ من كلّ صدر
و جسوم حمر تنوش جسوما
في ثياب من الجراحات حمر
و تهزّ الخناجر الحمر ... أيد
ترتمي كالنسور في كلّ نحر
وانطفت حومة الوغى فاندفعنا
في سرانا نلفّ ذعرا بذعر
ورحلنا و اللّيل في قبضة الأفـ
ق كتاب يروي أساطير دهر
و شددنا جراحنا وانطلقنا
و كأنّا نشقّ تيّار ... بحر
***
هوّم الطيف حولنا فالتقينا
نحوه كالتفات سفر لسفر
و سمعنا همسا من الأمس يروي
قصّة الفاتحين من أهل " بدر "
فنصتنا للطّيف إنصات صبّ
لمحت يقصّ قصّة هجر
و سرى في السكون صوت ينادي
يا رفاق السرى و أحباب عمري
يا رفاقي تثاءب الشرق و انسلّت
عذاري الصباح من كلّ خدر
و العصافير تنفض الريش في الوكر
و تنفي النعاس من كلّ وكر
و كأنّ الشعاع أيد من الورد
المندّى . تهزّ أهداب زهر
و كأنّ الغصون أيدي الندامى
و شفاه الزهور أكواب خمر
و مضى سيرنا و قافلة الفجـ
ر تصبّ الهدى على كلّ شبر
فإذا دربنا رياض تغنّي
في السنا و الهوى زجاجات عطر
نحن في جدول من النور يجري
و خطانا تدري إلى أين تجري .