استعمال اليمين في المستحسنات
عن عائشة - رضي الله عنها- قالت:
(كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعجبه التيمن في تنعله، وترجله، وفي شأنه كله)(1).
في هذا الحديث العظيم وقفات عدة نعرضها في ما يلي:
الوقفة الأولى: في الحديث بيان لفضل أمهات المؤمنين - رضي الله عنهن - وبخاصة
الصديقة بنت الصديق - رضي الله عنها- العالمة الفقيهة، الحافظة الأديبة، والتقية الورعة
فقد نقلت إلينا كثيرًا من أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - المنزلية، التي لا يطلع عليها
غير أهل بيته، فمن فضلها - رضي الله عنها- أنها روت لنا أحاديث كثيرة، وعلماً جماً
وبعضاً من أفعاله - صلى الله عليه وسلم -؛ وذلك لكي تقتدي به أمته، ويتأدبوا بآدابه
ويستنوا بسنته، ويسيروا على طريقته، ويتبعوا نهجه، ويقتفوا أثره، فهو القدوة والأسوة
وهو المثل الأعلى، وهو الصورة الواقعية الحية للإسلام وآدابه:
(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا)(2).
فعلينا أن نقتدي به - صلوات الله وسلامه عليه- وأن نتبع نهجه، ونقتفي أثره، ولا نبتدع
شيئًا في سنته، أو نقصر فيها، أو نغالي في بعض ما جاء به، فمنهجه منهج الوسط
والاعتدال، فالمغالي ركب شططًا، والمقصر أخطأ على نفسه، وعرّضها للخسارة والإثم.
الوقفة الثانية: قولها - رضي الله عنها- (يعجبه التيمن)، قيل لأنه يحب الفأل الحسن
إذ إن أصحاب اليمين أهل الجنة، وفي رواية كان يعجبه التيمن ما استطاع
قال الحافظ: فنبه على المحافظة على ذلك ما لم يمنع مانع.
الوقفة الثالثة: قولها - رضي الله عنها-: (في تنعله)، التنعل: لبس النعل، وهو الحذاء.
وقولها - رضي الله عنها-: (وترجله) أي ترجيل شعره، وهو تسريحه ودهنه، قال الحافظ
ابن حجر - رحمه الله-: رجل شعره إذا مشطه بماء، أو دهن ليلين، ويرسل الثائر، ويمد المنقبض.
وقولها - رضي الله عنها-: (وطهوره) بضم الطاء، والمراد به فعل الطهارة، أما بفتحها:
طهوره فهو الماء الذي يتطهر به، والمقصود بالتيمن في هذه الأشياء المذكورة في الحديث
أنه - صلى الله عليه وسلم - يبدأ في لبسه النعل برجله اليمنى، وهذا يعني أن النزع باليسرى.
أما ترجيل الشعر وتسريحه فيعني أنه يبدأ بالشق الأيمن من الرأس فيسرحه، ثم الشق الأيسر
أما الطهور فيبدأ بأعضائه في حال الوضوء باليمين منها، كالرجل، واليد، ويبدأ بشقه الأيمن
في الغسل قبل شقه الأيسر. وهكذا.
الوقفة الرابعة: قولها - رضي الله عنها-: (وفي شأنه كله) قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله-:
قال الشيخ تقي الدين: هو عام مخصوص؛ لأن دخول الخلاء والخروج من المسجد ونحوهما
يبدأ فيهما باليسار. ثم قال الحافظ - رحمه الله-: وتأكيد الشأن بقوله: كله يدل على التعميم
لأن التأكيد يرفع المجاز، فيمكن أن يقال: حقيقة الشأن ما كان فعلاً مقصوداً، وما يستحب
فيه التياسر ليس من الأفعال المقصودة؛ بل هي إما متروك، وإما غير مقصودة.
الوقفة الخامسة: هذه الأشياء التي ذكرتها عائشة - رضي الله عنها- أمثلة لما يبدأ به
الرسول - صلى الله عليه وسلم - باليمين، وقد ذكر العلماء - رحمهم الله تعالى- الضابط
في ذلك، وهو أن كل ما كان من باب التكريم والزينة كان باليمين، وما كان بخلافه باليسار
فمن الأولى أي ما يكون البداءة فيه باليمين: لبس الثوب، والسروايل، والنعال
ودخول المسجد، وقص الشارب، وتسريح الشعر، ونتف الإبط، وحلق الرأس، والسلام
في الصلاة، وغسل أعضاء الطهارة، والخروج من الخلاء، والأكل، والشرب، والمصافحة
واستلام الحجر الأسود، وأخذ الأشياء، وإعطاؤها، ونحو ذلك مما كان في معناها.
ومن الثاني وهو ما يكون البداءة فيه باليسار: دخول الخلاء، ودورة المياه، والأماكن
المستقذرة، والخروج من المسجد، والمنزل، والامتخاط، والاستنجاء، وخلع الثوب
والسراويل، والجوارب، وما أشبه ذلك، وذلك كله لكرامة اليمين وشرفها.
.....................،
(1) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء باب التيمن في الوضوء والغسل 1/269
رقم 168، ومسلم في كتاب الطهارة باب التيمن في الطهور 1/226 رقم 268.
(2) سورة الأحزاب رقم الآية: 21. |
|
hsjulhg hgdldk td hglsjpskhj hgdldk
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|