يمتاز أطفالنا بطرقهم الخاصة في معالجة مشاكلهم وردود أفعالهم، ويلجأون ويجربون كل الطرق المكشوفة وغير المكشوفة للحصول على مآربهم، وللهروب من مواجهة مآزقهم. وأولى هذه الوسائل والطرق "الكذب". وهو الذي ينشأ صدفة ويتدرج الأطفال في استعماله ليصبح عادة بغيضة لنا جميعاً، لا نريد أبناءنا أن يتعاملوا بها، لذلك علينا أن نتولاّها بالعناية الشديدة والتربية والمتابعة.
والطفل في سنوات عمره الأولى تتشكل بداخله القيم. فهو يُعلَم الصدق ولا يولد صادقاً. ويُعلَم الكذب ولا يولد كاذباً. فكيف ننشئ أبناءنا على الصدق وكيف نتصدى لكذبهم؟ ومتى نعاقبهم؟ وهل نستعمل معهم الضرب تجاه هذا السلوك البشع؟ ما هي أسباب الكذب؟ وما هي أنواعه؟ ومتى يصبح الكذب علامة خطرة؟
سنجيب في هذا المقال على هذه الأسئلة ثم نضع أساساً لزرع الصدق في نفس الطفل منذ البداية. ولكن وحتى تتم معالجة مشكلة الكذب علينا أن نميز بين عمرين فاصلين فيما يخص الكذب عند الأطفال هما سن ما قبل السادسة وسن ما بعد السادسة.
الأطفال قبل سن السادسة
الحقيقة والخيال
منذ أن يعي الطفل ما حوله ويبدأ في الكلام وحتى سن السادسة تقريباً لا يُفرق الطفل بين الحقيقة والخيال. ويكون عقله خصباً بالأحداث والقصص الخيالية وربما الأصدقاء الخياليين أيضاً. وعندما يقوم الأطفال بخلق قصص خيالية أو بالمبالغة بتفاصيل شيء ما، فإنهم على الأغلب يعبّرون عما يتمنّون حدوثه، لذلك سيكون من الخطأ الفادح أن يؤنّبوا على ذلك وأن يعاقبوا على أنهم كاذبين. لذا إياك أن تعامل طفلك على أنه كاذب في مثل هذا الموقف، وكموقف بديل، ستكون أمام خيارين أمام طفلك عندما يبدأ بخلق هذه القصص:
تكتفين بالصمت إزاء ما قال
تشاركين بعبارات تسكب صبغة الحقيقة على ما قال.
فعلى سبيل المثال إذا قال طفلك فيما يخبرك عن معلمته في المدرسة: لقد ركبت في الطائرة مع معلمتي وسافرت معها إلى مكان بعيد! أجيبي طفلك قائلة بلهجة متفاعلة: أووه، تحب أن تسافر مع معلمتك! ومَن مِن الأصدقاء تتمنى أن يرافقكما؟
وهنا قد يستطرد في الإجابة ولكنك في هذه الحالة تكون قد سقته ليكون معبّرا عن أحلامه، ومن منا لا يحب أن يحلم! وبهذه الطريقة تكونِ قد شجعتَيه على أن يحكي لك القصص عن طريق تجاوبك معه. وعليكِ أن تعرفي أنه طالما بقيت خيالاته هي أحداث يعيش من خلالها طموحاته ورغباته فهي علامة ذكاء ونبوغ واضحة. وقد تكون هذه الخيالات دلاله إبداع عند طفلك خاصة مع استمرارها بعد السادسة. لذا عليك تنمية هذه الخيالات بالرسم والكتابة. فالخيال يُعبر عن رغبات الطفل وطموحاته وأمانيه.
الكذب للحصول على ما يريد أو لتجنب ما لا يريد
في هذا السن أيضاً يكذب الطفل للحصول على ما يريد. أو لتجنب عمل لا يريده. لكنه لا يشعر بالذنب أو أنه قام بشيء خاطئ. عندما يكذب طفلك في هذا السن لا تقومي بتضخيم الأمر ولا تعطيه حجماً كبراً، فقط انظري إليه بجديّة وقل له إنه من الخطأ أن نكذب وعلينا دائماً أن نقول الحقيقة. وقد يكون من المناسب أن تعبّري لطفلك كم أنت سعيدة عندما يقول ابنك الصدق، وأن عدم قول الصدق يجعلك غير مرتاحة أبداً.
الأطفال بعد سن السادسة
بعد سن السادسة تقريباً. يبدأ الطفل بالتمييز بين الخيال والحقيقة ويقل إصراره على التمسك بالقصص الخيالية على أنها الحقيقة. ويعي الطفل أيضاً أن بعض تصرفاته ستسبب خيبة أمل لوالديه أو ستسبب غضباً وعقاباً منهما. ويكون أيضاً قد نما عنده الإحساس بالذنب نتيجة ارتكاب الأخطاء. وفي حوالي سن السابعة أو الثامنة يدرك تماماً الفرق بين الحقيقة والخيال ويدرك أيضاً أن كذبه في بعض المواقف قد يغيّر أمراً جسيماً والطفل بالمقابل يصبح معتمداً عليه للبحث عن حقيقة ما.
وهنا وفي هذا السن يبدأ دور التربية والتوجيه، وما يحدث غالباً أن الآباء -وبسبب حماسهم في البداية- يرفضون كذب أطفالهم الخيالي في العمر المبكر وهو الذي لا يعتبر كذباً فعلياً ويقومون بتأنيب أطفالهم وتأديبهم عليه، وهو عمل في الوقت الخاطئ وجهد في الوقت الضائع، وبالتالي هو غير مجدٍ. وبعد مرور عامين أو ثلاثة على ذلك يفقدون الأمل في علاج هذا الأمر الذي توهّموا أنه مشكلة، فينسحبون في الوقت الذي يكون التدخل فيه واجباً!
إن سن السادسة وما بعدها هو الوقت المثالي لتدخل الآباء التأديبي، وهو مثل كل أمور التربية يلزمها معرفة وحسم ومتابعة لتطبيق الحلول، وإليكِ الحلول مفصّلة.
اكتشفي سبب كذب طفلك وابحثي عن الحل
عليكِ كأم أن تنتبهي إلى كذب طفلك. وأن تحدّدي سبب كذبه وتعرفي بالتالي نوع كذبه. إن معرفة سبب الكذب أهمّ من الكذب في حد ذاته. إنك عند بحثك عن محرّك الكذب وسببه ستكتشفي خلفيات الموضوع وستدركين تفاصيل هامة تتحكم في سلوك ابنك، وعندها ستستطيعين حل مشكلة الكذب ومعالجتها. ولذلك تم إفراد عنوان خاص بأسباب الكذب وأنواعه والحل المقترح.
تحدّثي مع طفلك وناقشيه حول أهميّة قول الحقيقة
تحدّثي مع طفلك عن أهمية الصدق وأخبره عما يعود عليه الصدق في حياته، وكلّميه بلغة يفهمها وكلمات يستوعبها. عليه أن يفهم أن الصدق يُرضي ربه ويُرضي والديه. ويجعله محلّ ثقة الناس. وبالعكس فالكذب يُغضب الرب ويُغضب الوالدين، ويُفقد ثقة الناس فيه. شاهدي معه برنامج تلفزيوني عن الصدق أو احكِ له قصة وتناقشا سوياً.
حدد عاقبة للكذب
على الوالدين أن يضعا عواقب محددة لكذب الطفل. ويفضّل وضعها وتوضيحها له قبل إيقاع العقاب وقبل حدوث الكذب نفسه. ويجب أن يكون العقاب على قدر الكذبة. ومناسباً لسن الطفل. وقد وجد أن حرمان الطفل أو إلغاء شيء يحبه هو الوسيلة الأكثر نجاحاً وتأثيراً على الطفل. أما الضرب والضرب المبرّح خصوصاً فليس طريقاً ناجعاً للتخلص من الكذب. والجدير بالذكر أن على الوالدين أن يفصلا بين الخطأ ذاته وبين الكذب، فيما يخص العقاب. فإذا أخطأ الطفل وكان صادقاً فإنه يعاقب على الخطأ الذي ارتكبه ويُشكر على صدقه وربما يكافأ عليه. أما إذا أخطأ الطفل وكذب أيضاً فإنه يعاقب عقوبتين، الأولى على الخطأ والثانية على الكذب.
اثبتي على العقوبة
لا يكن العقاب على الكذب يُنفّذ مرة ويترك مرة. فبعد أن يضع الوالدان مجموعة من القواعد الخاصة بالصدق وعواقب الكذب. يجب عليهما الالتزام بها في كل مرة يكذب الطفل. حتى يتعلم الطفل أن الكذب مرفوض وله عواقبه. أما ترك العقاب حيناً وتطبيقه حيناً فلن يؤدي إلى النتيجة المرجوّة.
تأكدي ألا "تُثيبي" طفلك على كذبه
احرصي على ألا يُكافأ الطفل على كذبه. فمثلا لو قام الطفل بالكذب للحصول على شيء ما. فاحرصي ألا يحصل عليه كي لا يكون حصوله على ما يريد بمثابة مكافأة له على كذبه.
لا تجعلي طفلك يشعر بالعار
لا تكن الرسالة التي توصلينها لطفلك أنه "طفل سيء" لأنه كاذب فهذا سيشعره بالخزي وعدم القبول. اجعليه يشعر أنك حزينة من تصرفه "الكذب" وليس لأنه "طفل سيء"، وأنه معاقب لأنه قام "بعمل سيء" وليس "لأنه طفل سيء".
لا تنصبي فخا لطفلك
إذا كنت متأكداً من قيام طفلك بتصرف خاطئ لا تذهبي إليه وتسأليه هل قمت بعمل "هذا الشيء" أم لا؟ إن نسبة كبيرة من الأطفال - وعند محاصرتها بمثل هذا السؤال- ستقوم بالكذب لحماية نفسها. عليك معالجة هذا الخطأ عن طريق المواجهة المباشرة. فعندما تكونين متأكدة من قيامه بعمل ما، تحدّثي معه بنبرة حاسمة وأخبريه مباشرةً أن ما فعله شيء خاطئ وفسّر له السبب، ثم ضعي عقاباً مناسبا لهذا الخطأ، وبذلك تكوني قد جنّبتيه الكذب.
امدحي صدق الطفل
إن الصفة التي نكثر تأكيدها والإشارة على أنها متأصلة في الطفل هي الصفة التي يعتنقها الطفل ويصدّقها. لذا كلما زاد مديحك له على صدقة وأمانته كلما ازداد تمسّكه بها.