10-28-2015, 07:48 AM
|
|
|
|
|
مكابدة الفكر
إن الجميع يفتش اليوم باحثًا عن وصْفات ناجعة وخُطط فاعلة تقوم عليها المعمورةُ في المستقبل.
ونحن -بدورنا- سنضرب بريشتنا على أوتار قلوبنا مرة أخرى لنبعث بأنّاتنا المثقَلة بالهموم،
المؤرَّقة بالآلام، منبّهين إلى "مكابدة الفكر". ولا أدري هل سيكون لهذا التنبيه تأثير في القلوب الخالية من الهمّ،
:
أو الرؤوس التي لم تُعانِ صداع الفكر وضرباته المتوالية قط، أو النفوس التي ألِفت الراحة واستكانت إلى الاسترخاء..
لكن مع ذلك نقول إن سعادة إنساننا الحقيقية، لن تتأتّى إلا إذا سلّم نفسه إلى رؤى مشرقة وأفكار نيّرة تنبثق من
"قلوب متصدّعة" نضجت بنار الفكر ومكابداته.
:
تلك القلوبُ تشدّ الرّحال -مثل النحل- إلى أرجاء الأرض كلها، وتقيم عروشًا على أوراق الأزهار التي تلتقيها،
وتهمس في آذانها بسرّ التحول إلى عسل خالص. وهي في مهمتها تلك تحبو على الأرض حينًا، وتحلّق في الأعالي حينًا آخر، يرافقها ألم عميق لا يَبرح صدرها، وصداع شديد يهز رأسها.. تَمضي أسابيعُ لا تذوق فيها طعم النوم، وشهورٌ لا تعرف فيها معنى الراحة، وأعوام لا تجد فيها فرصة للاسترخاء.. وهكذا تذهب أيامُ العمر وسِنُو الحياة بسرعة الريح واحدة تلو الأخرى، لكنها لا تنتبه إليها لاستغراقها في القيام بمهمتها. فهي دائمًا -على نهج جلال الدين الرومي- مثل "الفرجار"؛ جزءٌ منها مع "الخلق"، وجزء آخر مع "الحق" سبحانه. تمتلئ بالدهشة إزاء آثار الخالق وبدائعه التي يفرشها أمامنا كل حين، وتفيض بالانبهار مرة بعد أخرى، وتخرّ بين يديه سبحانه ساجدة خاشعة.. ثم تعود إلى "الخلق" بهذه المعاني الروحية السامية التي ذاقت حلاوتها وظلّت تنهل منها حتى ارتوت، لتحلّق مشحونة بشعور عميق بالمسؤولية.
:
إننا بفضل جيش القدسيّين هؤلاء حين يحرّكون "مكّوك الفكر"
في اليوم بين الأرض والسماء مرارًا، مضيفين إلى أطلس قلوبهم في كل مرة ألوانًا قشيبة وأبعادًا جديدة..
بفضل هؤلاء نطهّر عقولَنا من الأفكار العفِنة التي عشعشت فيها،
وننقّي قلوبنا من الطحالب التي غشيتها ونتذكر "إنسانيتنا" من جديد.
إن سعداء "حضرة الحق" هؤلاء، نوافذهم وأبوابهم مشرَعة على مصاريعها إزاء آفاق الغيب اللانهائية متفاعلين معها.. يُصغُون إلى الطير في تغريده، ويئنّون مع الشجر في تسبيحه، يناجون النجوم في صفحة السماء، ويتبادلون الهموم مع البحار، ينصتون إلى النسائم في هبوبها، والأمطار في تهاطل قطراتها، والطيور في رفرفة أجنحتها،
والأشجار في تساقط أوراقها.. فيجدونها تحمل إليهم رسائل من الحق -سبحانه وتعالى-،
فيسرعون إلى مناجاته بلسان قلوبهم، ويهتفون بملء فيهم: "هذا هو الطريق"، ويركضون فيه ركض جواد أصيل جرى مع فارسه المقدام حتى انبهرت أنفاسُه.
:
أولئك الذين بلغوا منزلة "السعداء" لدى "الحق" -سبحانه وتعالى-، حمّالون لدى "الخلق" يتطوعون لحمل الهموم عنهم، وأطبّاءُ رحماء يعيشون آلام الأمة في قرارة نفوسهم، ورموز للتسليم إلى الله سبحانه..
رموز يكتشفون اللذةَ في الألم، والسعادةَ في المكابدة.
:
أجل، إن كل شيء في هذا الكون الفسيح الذي يعجز العقل عن تصور بدايته ونهايته،
من وميض البرق إلى هزيم الرعد، ومن لألاء الشمس بأبهى الألوان إلى رقة النسيم ونعومته.. إن كل شيء يلفّ أفكارَهم بأذرعه النورانية المشرقة، فيغدو الربيعُ بأزهاره العطرة، والصيفُ بفواكهه اليانعة "موائدَ فكرية" بين أيديهم.
فيرون فيما تأمّلوه فأدركوا حقيقته، وفيما ذاقوه فعرفوا جوهره أثارًا وملامح من "سلطان الجمال"،
ويرتعشون بهمسات منه سبحانه. ففي أفق فكرهم الذي استحال عرفانًا بالله محضًا،
يشدو النظام السائد في كل مكان بلسانه الخاص أعذبَ المعاني، وتتعانق الأشعة مع شتى الألوان،
وتحوم الروح حول هذا الفضل حوم الفراش حول النور. ويأتي حينٌ تغدو فيه النجومُ ذراتِ غبار تحت أقدامهم،
ويصبح الغبار الذي تحت أقدامهم ذراتِ سُدُم نجمية(1).
:
وبفضل الجِنان التي أقاموها في قلوبهم المصطبِغة بالخلود ،لا تخمُد جذوة حماسهم ولا تنطفئ شعلة شوقهم،
ولا يتراجعون عن الدرب جرّاء ما يَلقون فيه من عناء.
ففي كل صباح ومع طلوع الشمس يشرقون علينا بأمل نديّ وشوق جديد،
ويُهدون قلوبنا معاني نادرة من عوالم الماوراء.
:
تترقب البشرية اليوم درب قافلة هؤلاء السعداء.. هؤلاء الذين أدركوا الحياة بكل جمالها.. وتمكنّوا من صياغة "حقيقة" ظلّوا يرعونها في أرواحهم بصبر كصبر المرجان، وهدوء كهدوئه حتى اختمرت.. وانطلقوا متّقدين شوقًا وحماسة لتلقيح بقاع الأرض كلها بهذه "الحقيقة".
:
هؤلاء الأخيار، في مسيرتهم السامية تلك، لا يقعون أسرى المقامات والمناصب،
ولا يسقطون في هوة الشهرة والمجد، بل يبقون رمزًا للصدق والأمانة والشعور بالمسؤولية والفكر القويم والعفة والاستغناء. لا يترددون في محاسبة النفس لدى أي تقصير متأوّهين نادمين، أما إذا كان الأمر متعلقًا بأخطاء الآخرين،
فإنهم يوسّعون دائرة المسامحة ويستخدمون حق العفو الممنوح لهم من الباري -سبحانه وتعالى- إلى أبعد مدى.
:
هؤلاء حُماة القضية حرّاسُ المبدأ لا الثروة، وحرّاسُ المبدأ لا المال، يُعلون الحقيقة فوق المنفعة،
ويؤثرون التواضع على التباهي الأجوف، ويرجّحون الرفق والحِلم والأناة على الشدة والغلظة والجفاء،
ويوظّفون طاقاتهم كلها للارتقاء إلى الحياة الحقيقية في ذوات أنفسهم أولاً، ثم على صعيد البشرية ثانيًا،
فيَكمُلون ويكمِّلون. ولا يتركون في أرواحهم مجالاً لكذب أو خداع،
ويفرّون من الأنانية والكبر فرارَهم من العقارب والأفاعي.
:
وإذ يسير هؤلاء الأطهار نحو غاياتهم السامية ورؤاهم المعقولة مرفوعي الهامات منتصبي القامات،
يعدّون كل مانع يعترض طريقَهم أو عقبة تقف قُبالتهم؛ وسائل تشدّ من عضدهم،
وأسبابًا تُحيلهم فولاذًا خالصًا.. أولئك لن يسقطوا في مهاوي الإحباط، ولن يجد الانكسار إلى قلوبهم سبيلاً.
:
ويوم يَبلغون منزلاً يَفنَون فيه نفسًا وأنانية.. هناك.. وفي تلك اللحظة..
ومن ذلك المنزل ذاته ستنطلق هتافات أجيال الغد مهلِّلة بقدوم الربيع.
:
د.فتح الله كولن
|
|
|
|
l;hf]m hgt;v
_______________________
________________
والله لو صحب الإنسانُ جبريلا لن يسلم المرء من قالَ ومن قيلا َ
قد قيل فى الله أقوالٌ مصنفة تتلى لو رتل القرآنُ ترتيلا َ
قالوا إن له ولدًا وصاحبة زورًا عليه وبهتانًا وتضليلا َ
هذا قولهمُفي.. الله خالقهم
فكيف لو قيل فينا بعض ما قيلا ..
***
انا زينـــــــــــــه
|
10-28-2015, 08:26 AM
|
#2
|
رد: مكابدة الفكر
شكر جزيلا للطرح القيم
ننتظر المزيد من ابداع مواضيعك الرائعه
تحيتي وتقديري لك
وددي قبل ردي .....!!
|
|
|
10-28-2015, 08:46 AM
|
#3
|
رد: مكابدة الفكر
يَعطِيك ألعَآفِيةَ
شُكرَاً أقطِفُهَآ مِن قَلبْ ألجَمَآل
لِتُلِيق بِ حَجمَ جَمَآلِ طَرحِك
دَآمَت ألسَعَآدَةَ رَفَيقَةَ حَيَآتِكْ
طَوقُ يَآسَمِينْ لِروحِك
|
|
|
10-28-2015, 09:13 AM
|
#4
|
رد: مكابدة الفكر
شكراً لك
على الطرح المميّز
سلمت يداك على روعة ماطُرِح
بإنتظـــار روائعــــــك
لك كلـ التقدير،،
|
|
|
10-28-2015, 09:47 AM
|
#5
|
رد: مكابدة الفكر
سلمت الايادى..
يعطيكـ الف الف عآاافيهـ ...::
على رووعة وجمالية الطرح ...
بانتظار جديدك بكل شوق ..
ودي وشذى الورد
|
|
تسلم يدينك غلاتي امجاد على الأهداء الرائع
اشكرك ياخياط على هذا تكريم الرائع ما قصرت ربي يسعدك
شكرا على تكريم الرائع ما قصرتي شموخي ياقلبي
|
10-28-2015, 10:50 AM
|
#6
|
رد: مكابدة الفكر
انتقاء جميل
يعطيك الف الف عافيه
موضوع رااائع
وطرح جميل
ننتظر مزيدكم
بشوووق
تحياتى
|
|
|
10-28-2015, 09:20 PM
|
#7
|
رد: مكابدة الفكر
تحية إبدآع متوآصلْ
أحييكـ على روحـكـ آلعطرة
كآن لي بصمـة إعجآب بين طيآت صفحتكـ
مع بآقة ورد
،’
أنتظر آلقآدم بشوق
ودي قبل ردي
|
|
,
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ .
|
10-28-2015, 11:36 PM
|
#8
|
رد: مكابدة الفكر
سلمت الانامل رحيل لهذا الانتقاء ذو الاحرف الراقية والمعاني الهادفة /
دمتي مبدعة ، معطاءةً ..
تحياتي /
|
|
أختلف جداً لو أشباهي مئات ،
مالإحساسي وذاتي اربعين ..
|
10-29-2015, 03:00 AM
|
#9
|
رد: مكابدة الفكر
طّرحٌ رأّأّئعٌ
َّسلَمَتّ أّلَأيِّأّدِيِّ عٌ جِمَأّلَ طّرحٌګ
يِّعٌطّيِّګ أّلَعٌأّفِّيِّةّ وِلَأّعٌدِمَنِأّګ
بِنِتّظّأّر جِدِيِّدِګ بِشٍوِوِقِ
تّقِبِلَيِّ مَروِريِّ
|
|
~ شكرا همووس ويسعدك ربي يالغلا ~
|
10-29-2015, 03:34 AM
|
#10
|
رد: مكابدة الفكر
طرح رآئع وراقي
تحية عطرة ل روحك الجميلة
شكراً لك من القلب على هذآ العطاء
لك*
|
|
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 02:49 AM
| | | | | | | | | |