استبق الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي التدخل العسكري الغربي في ليبيا، بالتحذير من عواقبه الوخيمة على بلاده، وذلك في تطور لافت عكس مدى ارتفاع منسوب القلق في
تونس التي لا تُخفي خشيتها من تداعيات أي تحرك
عسكري في
ليبيا على أمنها واستقرارها.ويُنبئ هذا التحذير الذي ترافق مع مطالبة الدول الغربية المعنية مباشرة بالملف الليبي، “التنسيق والتشاور مع تونس”، بأن ساعة الصفر لبدء هذا التدخل العسكري في
ليبيا قد اقتربت كثيرا على ضوء تراكم مؤيداته، وتسارع مؤشراته على أكثر من صعيد.
واختار السبسي اجتماعا مع رؤساء البعثات الدبلوماسية والقنصلية المعتمدين في تونس، لتوجيه هذا التحذير، الذي جاء على شكل رسائل سياسية مباشرة إلى الدول الغربية التي تستعد للتدخل في ليبيا، وأخرى موجهة إلى الداخل التونسي حول ضرورة الاستعداد لمواجهة ارتدادات هكذا تحرك غربي وانعكاساته على الأوضاع العامة في البلاد.
وتعمد الرئيس التونسي الخروج عن السياقات البروتوكولية المتعارف عليها، حيث تجاهل خطابا مكتوبا كان سيُلقيه أمام رؤساء البعثات الدبلوماسية والقنصلية المعتمدين في بلاده، وارتجل كلمة خصصها لتوجيه تلك الرسائل التي جاءت في وقت هيمن فيه حديث التدخل العسكري الغربي في
ليبيا على غيره من المسائل الأخرى، وخاصة منها السياسية ارتباطا بالمشاورات الجارية حاليا في مدينة الصخيرات المغربية لتشكيل حكومة وفاق وطني ليبية.
وقال في كلمته إنه يتعين على “الدول الصديقة التي تُفكر في
تدخل عسكري في
ليبيا أن تراعي مصالح دول الجوار”، مضيفا أن “أي قرار في هذا الاتجاه يجب أن يخضع إلى استشارة
تونس أولا لأنه قد يفيدكم ولكن قد يسيء لنا”.
ولم يذكر الرئيس التونسي اسم أي دولة غربية، ولكنه جدد التأكيد على أن بلاده هي “الدولة الأكثر تضررا من أزمة ليبيا”، وأنها لن تغلق حدودها في وجه الليبيين إن تم هذا التدخل العسكري المُرتقب.
وأكمل وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي، إيصال تلك الرسائل إلى الأمم المتحدة عبر مارتن كوبلر رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، الذي اجتمع معه، مساء الخميس، ليؤكد له أهمية الوضع الأمني في
ليبيا وتأثيراته وتداعياته على أمن واستقرار تونس، وعلى ضرورة التشاور معها في صورة التفكير في
تدخل عسكري في ليبيا.
ويرى مراقبون وخبراء عسكريون أن تحذيرات الرئيس التونسي تعكس مدى القلق الذي تشعر به تونس، كما تؤكد أن التدخل العسكري الغربي في
ليبيا أصبح مسألة وقت لا غير بالنظر إلى التطورات الميدانية، وخاصة منها إقرار إيطاليا بأنها استكملت نشر العديد من القطع الحربية البحرية قبالة السواحل الليبية.
وكانت وزيرة الدفاع الإيطالية روبرتا بينوتي قد أكدت قبل ثلاثة أيام، أن بلادها نشرت قطعا بحرية قبالة
ليبيا في عملية لا علاقة لها بعملية “صوفيا” الخاصة بمكافحة الهجرة السرية.
وقالت على هامش مشاركتها في اجتماعات وزراء دفاع الاتحاد الأوروبي التي جرت على امتداد يومين في العاصمة الهولندية أمستردام، “نشرنا بالفعل عددا مهما من السفن الحربية وحتى الغواصات لحماية مصالحنا، منها مرافق مؤسسة (إيني) للطاقة الناشطة في ليبيا”.
ويقول الخبير العسكري مختار بن نصر العميد المتقاعد من الجيش التونسي لـ”العرب”، إن تحذيرات الرئيس التونسي “لم تأت من فراغ، وإنما تؤكد أن أمر التدخل العسكري الغربي في
ليبيا قد حُسم”.
واعتبر أن السبسي أراد من خلال ذلك توجيه رسالة إلى الداخل التونسي بضرورة الاستعداد، وبالتالي التحضير لاستنفار القوات العسكرية والأمنية تحسبا لأي طارئ له صلة بانعكاسات أي عمل
عسكري داخل ليبيا.
وعلمت “العرب” أن وزير الدفاع التونسي فرحات الحرشاني سيقوم، السبت، بزيارة تفقدية إلى الوحدات العسكرية المرابطة على طول الحدود مع
ليبيا التي تُقدر بنحو 490 كيلومترا، وذلك للاطلاع على جاهزيتها لمواجهة أي طارئ، خاصة وأن السلطات التونسية سبق لها أن كثفت خلال الأيام القليلة الماضية من تعزيزاتها العسكرية والأمنية هناك.
وعززت
تونس تواجدها العسكري على طول حدودها مع
ليبيا عبر الدفع بتشكيلات عسكرية، وبطاريات مدفعية، بالإضافة إلى إحكام تحصيناتها الدفاعية بإقامة سواتر ترابية وحفر الخنادق.
وبحسب الخبير الأمني التونسي العقيد علي الزرمديني، فإن الأوضاع في
ليبيا “تشكل ضغطا مباشرا على أمن واستقرار
تونس التي قد تتضرر من أي
تدخل عسكري في ليبيا”.
وقال لـ”العرب”، إن “طبول الحرب في
ليبيا بدأت تُقرع، وعلى
تونس الاستعداد لكل الاحتمالات”، مُتوقعا تدفق الآلاف من الليبيين على
تونس إذا ما نفذ الغرب هجمات في
ليبيا بعنوان ضرب تنظيم داعش.
وتُجمع الدوائر الغربية على أن ساعة الصفر لبدء التدخل العسكري في
ليبيا اقتربت، ومع ذلك لا يزال الغموض يُحيط بسيناريوهاته المحتملة لجهة ما إذا كان الأمر سيقتصر على ضربات جوية وقصف بالصواريخ من البحر، أم أنه سيتوسع ليشمل تنفيذ عمليات برية في عمق الأراضي الليبية.