و ذلك على مختلف استعمالاته و ذلك لوجوده و تأثيره في حياة هؤلاء العرب ، و تجده في مختلف اغراض الشعر ، يتواجد فيها حسبما يتوافق منها مع ماهو من صفاته فتراهم يخاطبونه و يكلمونه و بعضهم يمدحه و يمتدح به و بعضهم يهجوه و يهجو به ، و بعضهم يناجي عواءه و غير ذلك ..
فقد ورد في صفة الغدر المتكّنة من الذئب قصة تلك التي ربّت ذئباً و ارضعته من شاة لها ، فلما كبر عدا على شاتها و أكلها ، فقالت :
أكلت شويهتي وفجعت قلبي .. وأنت لشاتنا ولـد ربيـب
غذيت بدرها وربيت فينـا .. فمن أنباك أن أباك ذيـب
إذا كان الطباع طباع سوء .. فلا أدب يفيـد ولا أديـب
و أيضاً ورد في ذكر الذئب ، ما كان من الشاعر الفرزدق ، أبو فراس همام بن غالب التميمي حين استضاف الذئب في سفره ليلاً ، و أطعمه و أمّنه ، فكان اول من اطعم الذئب و عشّاه كما يذكر لنا الشعر . قال في ذلك :
و أطلس عسال وما كان صاحبا .. دعوت بناري موهنـا فأتانـي
فلما دنا قلت ادن دونـك إننـي .. و إياك فـي زادي لمشتركـان
فبت أسوى الزاد بيني و بينـه .. على ضوء نار مـرة ودخـان
فقلت له لمـا تكشـر ضاحكـا .. و قائم سيفي من يـدي بمكـان
تعشّ فإن واثقتني لا تخوننـي .. نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
وأنت امرؤ يا ذئب والغدر كنتما .. أخييـن كانـا أرضعـا بلبـان
و لو غيرنا نبهت تلتمس القرى .. رماك بسهـم أو شبـاة سنـان
و كل رفيقي كل رحل وإن هما .. تعاطى القنا قوماهمـا أخـوان
و قال النجاشي يخاطب ذئباً :
و ماء كلـون الغسـل قـد عـاد آجنـا .. قليـل بـه الأصـوات فـي بلـد محـل
وجـدت عليـه الذئـب يعـوى كـأنـه .. خليع خلا مـن كـل مـال ومـن أهـل
فقلت له ياذئـب هـل لـك فـي فتـى .. يواسـى بـلا مـن عليـك و لابـخـل
فـقـال هــداك الله للـرشـد إنـمـا .. دعـوت لمـا لـم يأتـه سبـع قبـلـى
فـلـسـت بـآتـيـه ولا أستطـيـعـه .. و لكن اسقنى إن كان مـاؤك ذا فضـل
فقلـت عليـك الحـوض إنـى تركتـه .. و فى صغوه* فضل القلوص من السجل*
فطـرب يستـعـوى ذئـابـا كثـيـرة .. وعذت وكـل مـن هـواه علـى شغـل
*الصغو : الجانب المائل.
*السَّجْل : الدلو الكبير .
و لحميد بن ثور بأوله قصيدته في وصف ذئب يتبع الجيش طمعا في أن يتخلف رجل يثب عليه لانه من بين السباع لايرغب في القتلى و لا يأكل إلا ما فرسه :
فظل يراعى الجيش حتـى تغيبـت .. خباش وحالـت دونهـن الاجـارع
إذا ما غدا يومـا رأيـت غيايـة* .. من الطير ينظرن إلى هـو صانـع
خفيـف المعـا إلا مصيـرا يبلـه .. دم الجوف أو سؤر من الحوض ناقع
هو البعل الدانى من النـاس كالـذي .. له صحبة و هـو العـدو المنـازع
ينـام بإحـدى مقلتيـه و يتّـقـي .. بأخرى المنايا فهو يقظـانٌ هاجـعُ
*الغياية : كلّ شئ أظلّ الإنسان فوق رأسه .
و كم أجاد في البيت الأخير في وصف الذئب ، فقد كان هذا البيت وصفاً رائعاً للذئب تمناه كثير من الشعراء خصوصاً آخره حينما انتهى من وصفه فقال ( فهو يقظانٌ هاجعُ ) أي أنه ما بين اليقظة إلى الهجوع في كيفية نومه ، فهو قد اخذ بالاثنين النوم و اتّقاء المنايا .
و كذلك في أدبنا الشعبي ، فلقد احتوى على الكثير من القصص الشعبيه حول الذئب ، و أيضاً القصائد و الأشعار و الأراجيز حول الذئب ، و كانوا يذكرونه في عدة أغراض أخى منها التناجي و الشكوى و الإمتداح و كذلك مخاطبته مخاطبة العاقل . و كذلك نجد ان الذئب نال نسبة كبيرة من قصص الأجداد التي ربما تكون نسيج ما بين الخرافة و الخيال . اضافة الى كون الاجداد و من قبل قد عاصروا زمناً كان الذئب يشكل فيه خطراً .
و الذئب معروف انه فتّاك بل نسمع قصص عن طريقة مصارعته الانسان كوقوفه و سحب رجل الرجل بذيله كي يسقطه و يتمكن منه و في ما يروى عن الذيل ايضاُ انه حدث و ان ضرب ذئب بذيله رجلاً في غار و كان لم يدرِ بوجود الذئب فداخ الرجل من لحظته و غاب عن وعيه .
* من اعجابهم بشخصيته الفتاكة كانت له اوصاف شعبيه مثل : الأمعط و الأجرد و الأسحم و الأغبر و ذيب الغضا ، و كانت تطلق علي امثال شعبيه ، مثل :
* الذيب ما يهرول عبث ( و فعلا مشيته السريعه ماهي مشيه هارب ولكن مشيه محارب يدور له عن ضحيه ) .
*من يعاشر الذيب يتحمل مخاليبه
* الذيب ما ياكل لحم ذرعانه .
يقول شاعر ممتدحاً الذيب :
ياذيب من خاواك ما هاب الأخطار* دامـك يمينـه مايعـرف المذلـه
و يقول شالح بن هدلان الخنفري القحطاني مخاطباً الذئب سميّ ابنه الفارس ذيب حين قُتِل:
يا ذيب أنا بوصيك لا تاكل الذيب * كم ليلة عشاك عقـب المجاعـه
و يقول أيضاً في قصيدة أخرى مجاوباً لعواء الذيب :
ذيبٍ عوى و انا على صوته اجيب .. و من ونّتي جضّت ضواري سباعه
و قالت شاعره قاصدة تنبيه احدهم
يا ذيب ياللي جر صوت عوى بـه .. مدري طرب والا من الجوع يا ذيب
يا ذيب لا تقهـرك عنهـا المهابـه .. يا مجفّل الغزلان حنـا المعازيـب
البـوش كلـه يـم خشـم اللهابـه .. في فيضة السرداح والبل عوازيـب
و قد يمثل الشاعر عواء الذيب فيصف نفسه بأنه يعوي كما الذيب من شئ ما ألمّ بالشاعر حسب معناه الذي يريد ، كما قال مريبد العدواني العنزي وغيره كثير ممن هم كذلك ايضا :
اعوي كما ذيبٍ من الجوع مسعور * عن العشا حـده نوابـح كلابـه
و يقول الشاعر خلف بن هذال :
يا ذيـب لاتجـذب علـي الذيابـه .. حول وأنا بأبدي على الرجم يا ذيب
يا ذيب أنا لـي وقفـةٍ وانقلابـه .. رجلي مضريّها بروس المراقيـب
الذيب خاوى من عصور الصحابه.. له خوةٍ تصدق مع أهل المواجيـب
بديت أنا في رأس رجـمٍ عوابـه .. وأبكي بدمعٍ غرّق الكـم والجيـب
و يقول الشريف بركات في قصيدته المشهورة ناصحاً ابنه ، و خاطب في بعضها الذئب :
ياذيب و ان جتك الغنم في مفاليك .. فاكمن الين ان الرعايـا تعـداك
فيما مضى ياذيب تفرس بياديـك .. واليوم جاء ذيب عن الفرس عداك
ياذيب عاهدني و اعاهدك مرميك .. مرميك انا ياذيب لوزان مرمـاك
و يقول الشاعر غازي بن عون :
أعوي عوى الذيب الاشهب وهرف هرافه .. واعدي معاديه وطرش مـع مطاريشـه
واسمـى مماسيـه واشـرف بمشرافـه .. واضوى مضاويه واغبش مع مغابيشـه
الذيـب مبـداه و هرافـه و مـذلاتـه .. ومسراه وعواه ودورتـه علـى العيشـه
و هو بهذا يصف نفسه بما يفعله الذيب ، حينما يعتلي الاماكن العاليه ليكشف المكان من حوله ، و كذلك سيره الطويل لمسافات بعيده في سبيل جلب العيشة و مصاعبها من حذر شديد و حرص و تنبّه للأعداء و المحيطين .
و نلاحظ أن كثيراً من القصائد الشعبيه القديمة كان الشعراء فيها يخاطبون الذئب و يستفتحونها بـ ( يا ذيب ) ، و لكن يختلف المعنى بينهم ، فأحياناً يستخدم للتشبيه أو للإشارة إلى غرض معين ،
يقول الشاعر :
يا ذيب يا للي تجر عـواك .. أزعج مع الصوت صوتيني
يا ذيب أنا غافـل لـولاك .. فصلت لقلبـي شواطينـي
و قال أحد الشعراء يعاتب الذيب و يلومه :
الله يلوم الذيب ما كب شاتي .. وراه ما دوّر له خمعٍ تنصاه
و من القصص الشعريه التي وردت في مثل هذا النوع من الأشعار بخطاب فيه رموز لكي يفهمها من قصد بها ، و ذلك أن عواء الذئب كان إشارة بين حبيبين كل منهما من قبيلة مختلفة معادية للقبيلة الأخرى.. وحدث في يوم من الايام ان تلك القبيلة سهروا و جلسوا ليلاً للحماية من اللصوص.. جعلت من قدوم الحبيب مخاطرة عليه لهذا رفعت الفتاة صوتها وهي تردد هذه الأبيات قبل أن يسمع الحبيب صوت الذئب فيأتي للقاء بها و يجد القوم أمامه ساهرين ،
فقالت:
دربيك اللي تباه من أول يا ذيب مرصود .. حالوا عليه الحرس يا ذيب واسيرتك سيره
لو كان ماني بها تفعل العربـان منشـود .. لا شك ما أبيك يا ذيب الغلا تاقع عثيـرة
و عندما سمعها الحبيب أدرك أنه هو المقصود ، فرجع من حيث أتى.
وهكذا نجد أن شعراء البادية استفادوا من الذئب كرمز وإشارة لما يصعب التصريح به..
وهذه قصة أخرى مشهوره على هذا الرابط
{ياذيب يااللي تالي الليل جريت ثلاث عويات قويات وصلاب ؟! قصة وأبيات }
و كذلك اشتهرت هناك قصة من غرائب قصص البادية لشاعر لقّب بــ ( مخاوي الذيب ) و ذلك امتداحاً له لأن الذئب ليس من الحيوانات التي تتآلف مع الإنسان ، و هو محمد بن ضبان بن خرصان العجمي و قصته أنه خرج في الصحراء وإذا بذئب يصادفه في الطريق وأخذ الذئب يمشي بالقرب منه كرفيق درب، فصب له ابن خرصان ماء فشرب الذئب وفي المساء أعطاه من الطعام الذي معه فأكل، وفي الصباح مشوا سويا يتقدمه الذئب ويعتلي المرتفعات قبله فإن رأى أحدا عاد ادراجه بسرعة في اشارة لمحمد أنه رأى شيئا فينزل محمد عن راحلته ليتقصى الاشارة فيجد أنها صحيحة وأن هناك إبلا، وفي الليل حاف ابن خرصان الإبل وأخذ ناقة وحاف الذئب مثله وأتى بالضير وهو جلد الحاشي الذي تضير عليه الناقة كأنه ولدها في حال موته، وكان هذا الضير على ناقتين فجاءت الناقتين خلف الضير وبناتهن الكبار معهن أيضا وتبعتهن بقية الإبل، وعندما وصل ابن خرصان إلى ذلوله وإذا بالذئب يأتي خلفه ومعه كل الإبل فحمل ابن خرصان الضير على ذلوله وتبعته الإبل والذئب خلفه يسوق ما تأخر من الإبل، وهكذا طوال الطريق وإذا جاء وقت الغداء أو العشاء يعطي محمد الذئب من طعامه الذي معه، وعندما وصلوا لأهلهم ورآى الذئب أنهم وصلوا عوى بصوت عالي متأسفا على فراق صاحبه الذي توقف ثم نحر له ناقة من الإبل التي كسبها الاثنان وأشار له بأن يأكل منها، وبعد أن وصل لأهله وقومه أخبرهم بحكاية الذئب وقال لهم إن هذا الذئب صديقه وفي وجهه وحذر من يقترب منه أو يحاول قتله إلا أن بعض قومه تذمروا من هذا الكلام خوفا على حلالهم من الذئب فقام أحدهم بقتله ، فإنتقم له ابن خرصان وقتل الرجل الذي قتل صديقه الذئب وقال هذه الأبيات:
تخاويت أنا والذيب سرحـان .. دعيتـه بأمـان الله وجانـي
لقيته خويٍ يقضـي الشـان .. لا ندبته على المرقب شفاني
عقرت السمينة له بصفطـان .. وعطيته مواثيقـي وأمانـي
وأنا من سلايل نسل خرصان .. ليا جت مواجيـب العوانـي
و كان هناك أيضاً قصص من ضمن التراث الشعبي لأناس أطعموا الذئاب و لقّبوا بلقب ( معشّي الذيب ) و هم مكازي بن سعيد بن عليان الشمري ، و محمد بن سعد بن شعيفان السبيعي .