فتنة النظر
من أعظم ما يعاني المؤمن على وجه العموم، والشاب على وجه الخصوص، وغير المتزوج على وجه أخص فتنة النظر، حيث إنه يواجه هذه الفتنة في كل مكان، في السوق، في المستشفى، في الطائرة، بل وفي الأماكن والمشاعر المقدسة!، وتتجلى هذه الفتنة أكثر فيما ينتشر في الأسواق والمحلات من الصحف والمجلات التي تحمل بين ثناياها صور النساء الفاتنات التي استخدمن لترويج تلك السلع.
وزاد أمر هذه الفتنة استفحالا بعد حلول ما يسمى بالبث المباشر، حيث تلتقط الأطباق الفضائية الصور الفاتنة وأفلام الجنس الهابطة مما زاد من تعلق القلوب الضعيفة بها وانهماك ضعفاء الإيمان في متابعتها.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء» [رواه البخاري ومسلم]، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الدنيا حلوة خضرة . وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون؛ فاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» [رواه مسلم].
وبين يديك أيها الأخ المبارك بعض الأمور المعينة على التغلب على هذه الفتنة:
1- استحضار النصوص الواردة في الأمر بغض البصر والنهي عن إطلاقه في الحرام؛ فمنها قوله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [سورة النور: 30]، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى، أدرك ذلك لا محالة، فزنى العينين النظر، وزنى اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه» [رواه مسلم].
وعن جرير بن عبد الله قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فقال اصرف بصرك» [رواه أبو داود وصححه الألباني]، وقال صلى الله عليه وسلم: «يا علي، لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى و ليست لك الآخرة» [حسنه الألباني]، والمراد بالنظرة الأولى أي التي وقعت بغير قصد.
2- الاستعانة بالله عز وجل والانطراح بين يديه والإلحاح عليه في أن يقيك شر هذه الفتنة وأن يعصمك منها، وفي الحديث القدسي الذي رواه مسلم: «يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم»، وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [سورة البقرة: 186]، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم : «اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك» [رواه الترمذي وحسنه الألباني]، وأرشد النبي صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه إلى أن يدعو بهذا الدعاء: «اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي ومن شر بصري ومن شر لساني ومن شر قلبي ومن شر منيي» يعني فرجه [رواه أبو داود وصححه الألباني].
3- أن تعلم أنه لا خيار لك في هذا الأمر مهما كانت الظروف والأحوال؛ فإن النظر يجب غضه عن الحرام في جميع الأمكنة والأزمنة والأحوال، فليس لك أن تحتج بفساد الواقع ولا أن تبرر خطاك بوجود ما يدعو إلى الفتنة ، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} [سورة الأحزاب: 36].
4- استحضر اطلاع الله تعالى عليك وإحاطته بك لتخافه وتستحي منه، قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [سورة ق: 16]، وقال تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [سورة غافر: 19]، وقال صلى الله عليه وسلم «أوصيك أن تستحي من الله تعالى ، كما تستحي من الرجل الصالح من قومك» [صححه الألباني]، إذًا استح من الله ولا تجعله أهون الناظرين إليك.
5- تذكر شهادة العينين عليك، قال تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سورة فصلت: 20]، وفي صحيح مسلم عن أنس قال: «كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال: "هل تدرون مما أضحك؟"، قال قلنا: "الله ورسوله أعلم"، قال: "من مخاطبة العبد ربه، يقول: يا رب، ألم تجرني من الظلم؟"، قال يقول: "بلى"، قال فيقول: "فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني"، قال فيقول: "كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا، وبالكرام الكاتبين شهودا"، قال فيختم على فيه، فيقال لأركانه: "انطقي"، قال فتنطق بأعماله، قال ثم يخلى بينه وبين الكلام، قال فيقول: "بعدا لكن وسحقا . فعنكن كنت أناضل"»، فتبين من هذا أن عينك التي أردت أن تمتعها بالحرام ستشهد عليك يوم القيامة فاحبسها عن الحرام