وقد رأيت كثيراً من الموضوعات المتكررة قُتِلت بحثاً وأُلِّف فيها كتبٌ عديدة حتى مُلَّت أو كادت، وموضوعات أخرى لم تُبحَث بعناية، أو بُحثت ولم يُكتب فيها إلا القليل، أو بُحثت جوانبُ منها دون الإحاطة بها.
وهناك موضوعات بُحثت بمنهج وأسلوب جديدَين متميزَين، تحتاج إلى إشادة وإبراز.
وبين هذا وذاك كان لي جولات بين الكتب والمكتبات، وقُدِّر لي أن أقف عليها وأتناولها وأنظر في موضوعاتها، فأرى أنها جديدة في بحثها، أو جامعة لأمور مستأثَرة، قلَّ من تطرق إليها أو جمعَها بهذه الصورة، فأكتب عنوانَ الكتاب واسم مؤلفه، وبياناته الكاملة، وأبين ما تطرق إليه، وربما أذكر نماذج مما عالجه المؤلف، أو نتيجة بحثه.
والهدف من هذا كلِّه الإشارة إليه، وتنبيه القارئ على موضوعه، وأنه بُحث؛ ليقتنيه أو يقرأه من شاء.
وهذا عرضٌ موجز لمجموعة من الكتب ذات الأوصاف السابقة، بينها رسائلُ جامعيةٌ عديدة، تشجِّع الناشرين على متابعة أصحابها وطلب نشرها - إن لم تكن نُشرت - أو تذكِّر باحثين باختيار موضوعات منها، أو على غِرارها؛ للبحث فيها وتقديمها للقراء.
على أن ذكرها هنا ليس تزكية لها جميعاً، وإنما هو تنويه بموضوعاتها وتنبيه على ما بُحث منها.
أدعو الله - تعالى - أن ينفع بها، وأن يعلِّمنا ما ينفعنا، إنه قريب مجيب.
أولاً: المعارف العامة
1- (صناعة الكتابة والكتاب في عهد الرسول والخلفاء الراشدين)
صناعة الكتابة والكتاب في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدين: العوامل والبوادر .. خلفية للحياة العلمية والكتابية في النصف الأول من القرن الأول الهجري. إعداد: ماجد بن عبود بادحدح، جدة: جامعة الملك عبد العزيز، 1420هـ (رسالة ماجستير).
يذكر الباحث أن المؤرخين القدماء والمُحدَثين لم يهتموا الاهتمام الكافي بدراسة المدة الزمنية موضوعَ الكتاب، بالرغم من أهميتها البالغة، وأنه بحثَ في مصادر عديدة حتى تمكن من التأريخ الدقيق للموضوع.
تحدث في الباب الأول عن الحياة العلمية، وأثر كتابة القرآن الكريم في صناعة الكتابة والكتاب، والعامل السياسي والإداري، وغيره.
ثم تحدث في الباب الثاني عن بوادر صناعة الكتابة والكتاب، فخصَّص بحثه الأول لأدوات الكتابة: القلم، الدَّواة، المداد، المحو؛ غسلاً وحكّاً وحرقاً، والتتريب، والإلاقَة.
ثم مواد الكتابة: الجلد وأنواعه: الأديم، الرَّق، القَضِيم، الكَتِف، اللَّوح، القَتَب، العَسِيب والكُرنافَة، العُرجون، الجريدة، اللخْفَة، البَرْدِيّ (القِرطاس)، المُهْرَق.
ثم أسماء المدوَّنات: الصَّحيفة، الكتاب، الطُّومار، السِّجِل، الصَّك، السِّفر، المَجَلَّة، الكُرَّاسة، الدَّفتر، الإِضْمامَة، السَّبُّورَة، الطُّنُوج، القَصَّة، الرُّقعة.
ثم تحدث عن أوعية حفظ المدوَّنات: الصُّندوق، بطن السيف، الكِنانة، المِخلاة، الرَّبْعَة، السَّفَط، الجِراب، الكُوَّة، الحقيبة أو العَيْبَة، الجُؤْنَة، القَصَبَة، الحُقَّة، الكُم، العُكن، العَقْص، العمامة وظهور الخزائن والمكتبات.
وخصص فصلاً للمكتبة في المدة الزمنية المذكورة.
وذكر الباحث نتائج كثيرة للبحث منها:
- إثبات صحة الرواية التي مَفادها أن مدينة الحِيرة كانت مصدراً من مصادر تعلُّم الصحابة وعرب الحجاز الكتابة، برغم رفض العلماء المعاصرين المهتمين بذلك.
- إثبات أن نشأة دواوين الإنشاء والجند كانت في عهده صلى الله عليه وسلم.
- جودة الحبر المستخدم في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعهد الخلفاء الراشدين، إذ ظل محتفظاً بوضوحه وصفائه عدة قرون.
- ظهر أن المواد المستخدَمة في الكتابة في العهد النبوي وعهد الخلفاء الراشدين كانت تُتخذ من البيئة المحيطة؛ فمن الحيوان كانت تتخذ الجلود والعظام مثل الكتف والطبق، ومن النبات كانت تتخذ الكرانيف والعسيب والعرجون والجريد، ومن الأحجار اللخاف، ومن الأخشاب الألواح والأقتاب.
- اهتم الرعيل الأول بحفظ المدونات العلمية والوثائق الرسمية والمراسلات الشخصية في أوعية خاصة بها.
- إنشاء أول مكتبة عامة في تاريخ الحضارة الإسلامية في أواخر النصف الأول من القرن الأول الهجري، وهي مكتبة محمد بن جبير بن مطعم النوفلي.
- كشفت القائمة الحصرية للكَتَبَة في النصف الأول من القرن الأول الهجري بعضاً من النتائج الإحصائية والتحليلية المتعلقة بالمكتبة في ذلك العهد.
2- (أحكام الكتب في الفقه الإسلامي)
إعداد: ياسين بن كرامة الله مخدوم. الرياض: جامعة الإمام، كلية الشريعة، 1424هـ، 764 صفحة. (رسالة ماجستير).
بحثٌ فيه موضوعات عديدة مما يخص الأحكام الشرعية المتصلة بالكتب.
من ذلك في العبادة: الاستجمار بالكتب، وحكم تطهيرها، واحتساب قيمة الكتب في نصاب الزكاة، والدخول بكتب العلم دار الحرب.
وفي المعاملات وفقه الأسرة: شراء الكتب الفاسدة والمبدلة لإتلافها، وبيع الكتب للكفار، وبيع التوراة والإنجيل، والنظر في الكتب المرهونة، وكيفية ضمان كتب المتلف، وإجارة الكتب، وإعارتها، وإصلاح المستعير الخطأ في الكتاب، وأحكام الكتب الموقوفة، وحكم هبتها، ووصية الإنسان بإتلاف كتبه، ودفع الكتب مهراً.
وأحكام الكتب في الحدود والتعزيرات: مثل إثبات حد القطع بسرقة الكتب، وإثبات الحد والتعزير على مؤلف الكتاب إن ثبت موجِب ذلك في كتابه، وحكم من تبرأ من كتب العلم الشرعية.
وتحدث في فصل عن أحكامها في باب الأدب والزينة: من ذلك حكم تقبيلها، والاتكاء عليها، وحرقها أو دفنها، وحكم الفتوى فيها، وحكم النظر في الكتب المحرمة، وحكم تحليتها بالذهب والفضة.
ثم فصَّل في حقوق التأليف والنشر والتوزيع والترجمة.
3- (الحق الأدبي للمؤلف في الفقه الإسلامي والقانون المقارن)
تأليف: عبدالله مبروك النجار. الرياض: دار المريخ، 1420هـ، 487 صفحة.
تقتصر هذه الدراسة على الجانب الأدبي من حقوق المؤلف، وما تستتبعه تلك الحقوق من حماية.
وقد قدم لها المؤلف بمقدمة موجزة قيمة، وأتبعها بأبواب وفصول، ومباحث ومطالب في غاية العمق والأهمية، وجمع لها من الشواهد والأدلة والنصوص، وتوسَّع بما لا يكاد يجارى فيه.
بعد أن عرَّف (الحق الأدبي) للمؤلف في الفقه الإسلامي، ثم (الوضعي)، ذكر وسائل حماية هذا الحق، وعرَّج فيها على الخطأ والضرر و(السرقات العلمية)، الجزئية منها والشاملة، و(الاقتباس غير المشروع)، والاعتداء على عنوان المصنِّف.
وذكر حالات التعويض في الفقه والقانون بما ينال المؤلف من ضرر، والجزاء الجنائي جرَّاء ذلك من حبس وغرامة ومصادرة، وعقوبات أخرى تبعيَّة، وكشف حال المعتدي، وإتلاف المصنَّف المعتدي، وأورد في آخِره ملحقَين؛ أولهما عن الاتفاقات المتعلقة بحقوق المؤلف، والآخر عن بعض القوانين المتعلقة بحماية حقوق المؤلف، بينها قانون حق التأليف العثماني، والاتفاقية العالمية لحقوق المؤلِّف، والاتفاقية العربية، ثم الإسلامية لحماية حقوقه.
وذكر المؤلف في الخاتمة أن قواعد الفقه الإسلامي وأحكامه قد استوعبت كلَّ ما تمخضت عنه الدراسات والنظم التي اهتمت بحقوق المؤلف، وتبلورت منذ ما يقرب من قرن من الزمان؛ بل سبقتها منذ أربعة عشر قرناً من الزمان في وضع الأسس القويمة لحماية هذه الطائفة من الحقوق وغيرها، بما يزيد في رسوخه وشموخه عما قررته التقنيات الوضعية فيها. وهو بالقطع لا يقل عنها في وضوح المبادئ التي تحكم هذه الطائفة من الحقوق، بما يبرهن دائماً أن شريعة الله سبّاقة في تحقيق كل ما فيه الخير للناس، وحفظ حقوقهم، وبما يدل بيقين على أنها الصالحة دائماً لحكم تصرفات الناس في كل زمان ومكان.
4- (الأقوال القويمة، في حكم النقل من الكتب القديمة)
لأبي الحسن إبراهيم بن عمر بن حسن البقاعي الشافعي؛ دراسة وتحقيق: سامي بن علي بن محمد القليطي العمري. مكة المكرمة، جامعة أم القرى، 1419هـ، (رسالة ماجستير).
ألَّف الإمام البقاعي (ت 885 هـ) كتابه المشهور "نظم الدرر، في تناسب الآيات والسور"، وقد استأنس فيه ببعض ما جاء في التوراة والإنجيل؛ لتأييد دين الإسلام، والردِّ على الخصوم، فعارضه على فعله هذا بعضُ خصومه، واتهموه أنه يريد إظهار التوراة والإنجيل على القرآن، وأن فعله هذا محرم!!
فألَّف كتابه هذا: "الأقوال القويمة، في حكم النقل من الكتب القديمة" للرد عليهم، وقد جعله في مقدمة وثمانية فصول وخاتمة، فيها بيان غرض من شنَّع عليه، وكلام علماء عصره بشأن كتابه "نظم الدرر"، ومسألة الكتاب، ثم حُكم النقل من الكتب السابقة لتأييد دين الإسلام، وأدلة ذلك الحكم، والشواهد المؤيِّدات الدالة على ذلك، وبيان كلام العلماء على الأدلة وعلى ما يتراءى أنه يخالفها، ثم ذكرَ بعضَ من نقل عن تلك الكتب من أعيان الأمة، وبعضَ ما نقلوه، والكلام على الكتب السماوية السابقة؛ هل هي مبدَّلة؟ وما المبدَّل منها؛ هل هو جميعها أم بعضها؟
والفصل الأخير: في بيان جواز النقل عن بني إسرائيل. وضمَّن الخاتمةَ فوائد عدة في مختلف العلوم والفنون.
وذكر المحقق في الخاتمة أن النظرَ في كتب أهل الملل والنحل والمخالفين، للرد عليهم من قِبَل أهل الفن والاختصاص من أهل العلم دل عليه الكتاب والسُّنة، وأقوال سلف الأمة وأعمالهم، وأن هذا العمل يُعدُّ من أهم طرق الدعوة إلى الدين والعقيدة.
وأنه لا يجوز لمن لم ترسخ قدمه في العلم أن يطَّلع على كتب المخالِفين المشحونة بالضلالات والشبهات.
وأن الرد على الخصم من كتابه وبما يعتقد، يُعدُّ من أقوى الأدلة والبراهين في الرد عليه ودحض شبهته.
وأخيراً: ذكر أن هذا الكتاب يُعدُّ من أوائل الكتب التي تناولت حكم النقل من الكتب القديمة في مؤلَّف مستقل.
أ. محمد خير رمضان يوسف