في نهاية العام الدراسي 1972 – 1973، أذكر أنني كنت في الثالثة الابتدائي وأخذتني جارتي لكي أقرأ لها درجات النجاح لابنتها في شهادة الثانوية العامة. وكنت أتساءل مع نفسي وأنا في الطريق مع جارتي:
لماذا لا تذهب ابنتها بنفسها لكي تأخذ شهادتها؟ هل هي صغيرة حتى تذهب أمها بدلا منها؟
هل هذه الجارة لا تثق في الشهادة التي ستأتي بها ابنتها؟
ولماذا لا تثق في أبنائها الآخرين لكي تأخذهم أو تأخذ أحدهم بدلا مني؟
لا أدري سر عدم ثقة هذه الجارة في أبنائها؟!...
وصلنا إلى المدرسة. طلبت الموظفة المسئولة الاسم الرباعي. وبعد قليل، عادت لتخبرنا بأنه لا توجد شهادة لاسم ابنة جارتنا لأن اسمها غير موجود في كشوف الناجحين.
فسألتها جارتنا:
-وما معنى ذلك؟
فردت الموظفة:
-يعني أن ابنتها ساقطة!
فغضبت جارتنا وانتفخت أوداجها وهي تزعق:
-نحن تركنا المدرسة الميري المجانية وألحقنا ابنتنا بمدرستكم الخاصة ودفعنا لكم دم قلبنا من المصاريف، وفي الآخر النتيجة ساقطة!
-يا مدام، المدرسة غير مسئولة عن نتائج الطلاب لأن النتيجة تأتي من الوزارة.
انتفخت الأوداج أكثر وكل العروق وأشباه العروق المصاحبة والمجاورة لأوداج جارتنا وهي تضرب المكتب بيديها وتصرخ:
-لا يمكن أن أمشي من هنا بدون شهادة لابنتي.
فردت الموظفة في نرفزة:
-قلت لك بأن الشهادة تأتي من الوزارة يا مدام.
فزعقت فيها الجارة بكل قوتها:
-اتصرفي يا أستاذة.. اعملي أي شيء.. كلمي الناظر.. اتصلوا بالوزارة.. لايمكن أن أعود بدون شهادة لابنتي أبدا أبدا...
تجمهر الناس حولنا ليهدئوا من غضب جارتنا...
وأخيرا تبسمت الموظفة
ابتسامة ماكرة، وعادت بعد قليل لتعطي الجارة شهادة باسم ابنتها؛ ففرحت الجارة وطلبت مني أن أقراها، فقرأت الاسم الرباعي لابنتها ومكتوب أمامه: راســــــــــــــبة...
فسألتني: ما معنى راسبة؟ فأخبرتها بأني أعرف (ناجح) و(ساقط)، ولكني لا أعرف (راسبة).
وفعلا، لم تكن الحصيلة اللغوية عندي في وقتها تساعدني في فهم هذا المصطلح.
فتبسمت جارتنا وقالت:
-أهم شيء أنها غير ساقطة.
ثم أدخلت الشهادة في حقيبتها وهي تقول:
-يكفي أننا عدنا بشهادة أحسن من أن نعود بلا شهادة.
وبعد شهور أو سنوات من هذا الموقف، تذكرت سر الابتسامة الماكرة من الموظفة الماكرة...
الطائف في 21/5/2015
منقوول