دخل العرب بلاد فارس سنة 30 هـ - 651 م بعد مقتل يزدجر الثالث في وقعة نهاوند التي سميت فتح الفتوح وقد انتشر الإسلام في ربوع إيران انتشاراً سريعاً وأسلم كثير من الفرس في مدة وجيزة وبانتشار الإسلام انتشرت
العربية في أنحاء إيران وأصبحت
اللغة البهلوية وخطها مهجورين لأن البهلوية ارتبطت في أذهان الفرس المسلمين بالديانة الزرادشتية فنفروا منها، كما ان الكتابة البهلوية لم تكن شائعة بين الفرس بل كانت محصورة في طبقة خاصة منهم هي طبقة الكتاب وهذا العامل سهل على الفرس هجرها واستعمال الكتابة
العربية الجديدة.
وقد مرت العلاقات اللغوية ومسار التأثير المتبادل بين اللغتين
العربية والفارسية بمراحل عديدة، وحالات مختلفة من التطور والتكامل، نتج عن ذلك تراث إنساني خصب وزاخر بالحيويّة والعطاء، بعد أن سرى التأثير في مختلف مناحي اللغتين: ألفاظاً، وجملاً، وخيالاً وتعبيراً .
وتكتب
اللغة الفارسية بالحرف العربي، وقد اهتم الفرس بهذا الخط بعد أن صارت تكتب به لغتهم، وابتكروا أنواعاً جديدة من الخطوط
العربية وقد كان لدراسة
اللغة العربية وأدبها شأن عظيم في إيران منذ العصور الأولى للإسلام لكونها لغة الدين ولغة الدولة. وكانت
اللغة العربية تُدرَّس في مختلف المستويات من الكُتَّاب إلى المدارس العليا وكان يهتم بها طلبة علوم الدين المرشحون للمناصب الحكومية من الكُتاب والعمال وكان الكُتاب في الغالب على جانب كبير من الثقافة الأدبية
العربية بمقتضي مهنتهم .
والعجيب أن
الفارسية احتوت على كثير من الألفاظ العربية، فمن الباحثين من أحصى عدد المفردات
العربية في بعض نصوص كتب التراث الفارسي، فقال: «إن في الصفحة الأولى من (تاريخ البيهقي) استخدم الكاتب مئة وخمساً من الكلمات العربية، من مئتين وستة وخمسين كلمة فارسية في الصفحة الواحدة». ويرى الدكتور محمد نور عبد المنعم في كتابه «اللغة الفارسية» أن مؤلف كتاب «قابوسنامه» أورد: ثماني عشرة كلمة من مئة وعشرين كلمة فارسية. ومنهم من أحصى اثنين وأربعين كلمة عربية في نص واحد، في إحدى خُطب شاه إيران من مئة وعشرين كلمة فارسية.
ويؤكد العلامة حسين مجيب المصري أن كثرة الألفاظ
العربية في
الفارسية شيء مُلاحظ في النصوص القديمة والحديثة على حد سواء. إن هذه الكثرة تتفاوت، كما أن هذه الألفاظ منها ما دلّ على معنى جديد، لم يكن في العربية، أو منها ما استخدِم بمعناه في العربية. وفي الإمكان متابعة هذه الألفاظ
العربية في تزايدها في
الفارسية على امتداد القرون[1].
إن
اللغة الفارسية الجديدة وان أصبحت لغة الفرس القومية إلا إنها مع ذلك عاشت مع
العربية جنباً إلى جنب في تآلف وتعاون وتفاعل وقد أثرت كل منهما في الأخرى وتفاعلت معها، وقد أدت هذه العلاقات الواسعة بين العرب والفرس إلى انتشار لغتيهما وتبادل التأثير فيما بينهم.
ويمكن القول إن
الفارسية اليوم تشتمل على ما يقرب من 60 % كلمات عربية الأصل، وكان احتواء
الفارسية على العديد من المفردات والمصطلحات العربية، جعل الفرس يلتزمون كثيراً من قواعد الصرف والنحو
العربية كي يفهموا أصول تلك المفردات واشتقاقاتها، وتقوم قواعد العروض والبلاغة وبحور الشعر الفارسي على الأوزان وبحور الشعر نفسها، كما أن البلاغة ومصطلحاتها مأخوذة من مثيلاتها
العربية وهذا ما يؤكد قوة
اللغة العربية وقوة تأثيرها، وقدرتها على التعبير[2].
[1] راجع صلاح حسن رشيد: التلاقح الحضاري بين العرب والشعوب الإسلامية، موقع الراصد التنويري
[2] راجع، محمد نور الدين عبد المنعم: معجم الألفاظ
العربية في
اللغة الفارسية، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 2005.