هذه الشمس التي لا يستغني الناس عن نورها، وما تمدنا به من طاقة يوم القيامة تُجمَّع وتكوَّر، ويذهب ضوؤها، قال تعالى مبينًا ذلك: ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ [التكوير:1] " ﴿ كُوِّرَتْ ﴾: قال ابن عباس: أظلمت، وقال مجاهد: اضمحلت، وذهبت، وقال أبو صالح أُلقيت، قال ابن جرير: والصواب عندنا من القول في ذلك: أن التكوير جمع الشيء بعضه إلى بعض، ومنه تكوير العمامة، وجمع الثياب بعضها على بعض، فمعنى قوله تعالى: ﴿ كُوِّرَتْ ﴾ جمع بعضها إلى بعض، ثم لُفَّت، فرمي بها، وإذا فعل بها ذلك ذهب ضوؤها"[1]. وأمَّا القمر فإنه هو الآخر يُخْسَف، فيظلم، ويذهب ضوؤه، قال تعالى: ﴿ فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ ﴾ [القيامة 7- 8]. وأمَّا هذه النجوم، والكواكب المتناثرة التي زيَّنت السماء، وكأنها مترابطة فإنَّ عقدها ينفرط فتنتثر، ويذهب ضوؤها أيضًا فتُطمس، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ ﴾ [الانفطار:2] وقال: ﴿وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ ﴾ [التكوير:2]، أي: انتثرت وقال: ﴿ فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ ﴾ [المرسلات:8]، أي: ذهب ضوؤها. وبعد - أخي المبارك - هذا هو حال هذه الأفلاك، التي لطالما تعجَّبنا منها، وهي عظيمة ولا شك لكن لهول ذلك الموقف تأمَّل كيف هو حالها!.
وبقي أن تعرف حالي وحالك في ذلك الموقف الرهيب، فالإنسان في هذا التغير لهذه الأفلاك يتحير بصره فزعًا، ولا يطرف من شدة ما يرى من الهول والفزع
ويخسف القمر، وتجمع الشمس مع القمر، والإنسان من فزع ما به.
يقول: أين المفر؟؟
قال تعالى: ﴿ فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ﴾، فيأتي الجواب:﴿ كَلَّا لَا وَزَرَ ﴾؛ أي كلا لا مهرب، ولا مفر من هول ذلك اليوم: ﴿إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ * يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ﴾[القيامة:7-13].
فيا له من لقاء، ويا لها من أنباء يتلقاها فلا يخفى حينئذ من أمرك شيئا:
﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 18].
[1] انظر: معارج القبول (2/213).
الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح