يقول الإمام محمد السفاريني:
"اعلم أن أشراط الساعة وأماراتها تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم ظهر وانقضى، وهي الأمارات البعيدة. وقسم ظهر ولم ينقض، بل لا يزال في زيادة حتى إذا بلغ الغاية ظهر القسم الثالث، وهي الأمارات القريبة الكبيرة التي تعقبها الساعة، وأنها متتابعة كنظام خرزات انقطع سلكها.
فالعلامات التي تتقدم الساعة جاءت على ثلاثة أقسام:
علامات صغرى وعلامات وسطى وعلامات كبرى.
أما العلامات الصغرى فقد وقعت ومضى زمان وقوعها؛ ومنها بعثة النبي الأكرم والرسول الأعظم سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه قال: "بعثت أنا والساعة كهاتين".
وأشار بالسبابة والوسطى. رواه مسلم والترمذي وصححه من حديث أنس.
والتشبيه هنا يقصد منه أنه ليس بين النبي -صلى الله عليه وسلم- والساعة نبي آخر، فهو خاتم النبيين، والساعة تأتي بعده، على حين من موته لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.
كما أن من هذه العلامات أن يصير ملوك الأمة ورؤساؤها وأولياء الأمر فيها من أولاد السراري، لا من أولاد بنات البيوتات ذات الأنساب العالية والشرف القديم، وأن يصبح البدو ورعاة الغنم من المقدمين، وأصحاب الترف والجاه، وأرباب القصور العالية.
ومن هذه العلامات - أيضًا - وقعة الجمل، ووقعة صفين، ومنها نار الحجاز التي أضاءت منها أعناق الإبل ببصرى، ومنها خروج كذابين دجالين، كل منهم يدعي أنه نبي، ومنها زوال ملك العرب كما رواه الترمذي، ومنها كثرة المال كما رواه الشيخان وغيرهما، ومنها كثرة الزلازل والمسخ والقذف، وغير ذلك مما أخبر عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه من أمارات الساعة، فظهر ومضى وانقضى. أهوال
القيامة وعلاماتها الكبرى، بتصرف.
فعن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان، يكون بينهما مقتلة عظيمة، دعوتهما واحدة. وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله.
وحتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج وهو القتل.
وحتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهمّ رب المال من يقبل صدقته، وحتى يعرضه عليه فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي به.
وحتى يتطاول الناس في البنيان.
وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه.
وحتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس يعني آمنوا أجمعون فذلك حين ﴿ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ﴾ [الأنعام: 158]،
ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها". رواه البخاري عن أبي هريرة.
وقعت هذه العلامات في زمن مخصوص، ومعظمها مألوف مشاهد لا غرابة فيه ولا عجب، بيد أنها تأتي لتنبه الناس إلى الساعة ودنوها وعلى قدر عظم الغفلة التي تصيب البشر تأتي العلامة تلو العلامة.
أما العلامات الوسطى، التي ظهر بعضها ويتتابع حدوثها باستمرار، فمنها أن يصير الحمقى واللئام رؤساء الناس، وأن يأتي على الناس زمان الصابر على دينه كالقابض على الجمر. رواه الترمذي عن أنس. وأن يتباهى الناس في المساجد، ويكثر العباد الجهال، والقراء الفساق - روى الحاكم في المستدرك عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يكون في آخر الزمان عباد جهال وقراء فسقة".
ومنها ما رواه البخاري وغيره من حديث أنس أنه قال: لأحدثنكم حديثا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يحدثكم به أحد غيري، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويكثر الجهل ويكثر الزنا، ويكثر شرب الخمر، ويقل الرجال، ويكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد". رواه البخاري ومسلم.
ومنها أيضًا ما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: قال بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي فقال متى الساعة فمضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحدث، فقال بعض القوم سمع ما قال، فكره ما قال، وقال بعضهم بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه قال: "أين - أراه - السائل عن الساعة". قال ها أنا يا رسول الله. قال: "فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة".
قال كيف إضاعتها قال: " إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة". رواه البخاري عن أبي هريرة.
وهذه العلامات تزداد مع الأيام وهي من الكثرة بمكان، وتتجد وتستمر كدليل حي متجدد يذكّر بالساعة إن غفل عنها، ويشير إلى دنوها واقترابها بتتابع هذه العلامات وضيق المساحة الزمنية بين بعضها وبعض.
أما العلامات الكبرى، فمنها خروج الدجال، ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج الدابة ثم طلوع الشمس من مغربها.
فهذه العلامات مؤجلة إلى حين لا يعلمه إلا الله فإذا وقعت إحداها تواترت الأخر وراءها كما تتواتر حبات العقد في السقوط، وهذه العلامات غير معهودة ولا مألوفة لبني البشر، لذا، فهي أحداث جسام متتابعة ليس بعدها إلا القطع بقرب الساعة، وأنها لم يبق لها من الزمان إلا مقدار ما بين عشية أو ضحاها.
فهذه الأقسام الثلاثة
علامات ممهدات ليوم الطامة الكبرى، تنبئ بما وراءها من أهوال وفزع، لخروج بعضها عن المألوف والمعهود، كخروج الدابة التي تكلمهم، وطلوع الشمس من المشرق، وإن كان بعضها الآخر مما هو معهود للبشر ومألوف لديهم.
وإذا تأملنا الفاصل الزمني بين وقوع هذه العلامات في كل مرحلة، وبين الساعة سنجد أن هذا الفاصل يتسارع من مرحلة لأخرى مع تقدم الزمان وقرب انتهائه، فالعلامات الصغرى أمارات بعيدة إلا أنها وقعت على فترات متباعدة نوعًا ما، والوسطى تتابع وتتجدد، بحيث لا يفصل بينها وقت كبير أو زمن طويل في حساب الزمان، فتجددها وتتابعها يكاد يسقط الحاجز الزمني بينها، وكلها ملموس نراه ونشاهده.
والعلامات الكبرى تقع متقاربة متواترة، بحيث إذا ظهرت علامة تبعتها أختها كما تتتابع قطرات المطر، أو حبات العقد