.
إليكم
الحديث عن
زينب من
حيث: زواجها, أولادها, مكانتها عند
أبيها :
يقول كتاب السيرة: لقد كان لزينب في نفس
أبيها محمد صلى الله عليه وسلم أثر كبير، فكان يحبها كثيراً، لكونها ولده البكر التي أطلت على زوجين حبيبين كريمين، فأضفت عليهما معالم الأبوة والأمومة .
رأتها خديجة ثمرةً يانعة من شجرة مباركة طيبة، إنها ابنة محمد صلى الله عليه وسلم, الزوج العظيم، الذي لم تعلم الدنيا مثيلاً له خُلقاً وأدباً، فرعتها أحسن رعاية .
أنا أقول لكم: مُتاح لكم تصلوا إلى أعلى درجات الجنة من خلال البيت فقط، اعتنِ بأولادك، اعتنِ بهم، متن علاقتك بأهل البيت، ربِّهم تربية صالحة، اجعل هذه الأسرة بوتقة، كل أفراد الأسرة ينصهرون بها .
أنا بصراحة أكبر كل أسرة متماسكة، وأتألم أشد الألم من أسرة متفككة, من أسرة متقاطعة، متدابرة، متنافسة، وإنّ أحد أكبر أسباب سعادة الإنسان أسرته المتماسكة، فشبت
زينب على كريم الخلق .
بصراحة مرة ثانية: إذا أراد أحدكم أن يتزوج, اختر الأهل قبل الفتاة، لأن الفتاة نسخة صادقة عن أهلها، في أي بيت نشأت؟ هل هذا البيت بيت علم؟ هل هذا البيت بيت خلق؟ هل هذا البيت بيت نظام؟ هل هذا البيت بيت حياء؟ هل هذا البيت بيت ملائكي أم بيت شيطاني؟ هل أفراد هذا البيت متفاهمون, متماسكون, متعاونون؟ هل هناك قيم تحكم هذا البيت؟ فقبل أن تعجبك فتاة في الطريق, ابحث عن البيت الذي نشأت فيه، وهذا من سعادة الشاب الذي يقبل على الزواج .
حتى إذا شبت على كريم الخلق، وبلغت مبلغ الفتيات, الطاهرات, النقيات، كان لها في حساب هذه الأم العظيمة ما تراه لابنتها الشابة .
مضى زمن يسير على بلوغ
زينب مبلغ النساء، وقد ورد في الأثر:
((أن ثلاثة لا ينبغي أن تتأخر؛ الأيم إذا جاء من يخطبها، والصلاة إذا حضر وقتها، والميت إذا مات))
فتقدم أبو العاص ابن خالتها لخطبتها, النبي عليه الصلاة والسلام وافق على هذا الصهر، قال:
((إنه نعم الصهر الكفء))
هذا وفاء منه صلى الله عليه وسلم، طبعاً بعد حين شارك المشركين في بعض الغزوات، وقع أسيراً، فلما استعرض النبي الأسرى, وقعت عينه على صهره، فقال:
((والله ما ذممناه صهراً))
والآن جاء ليقاتل، وهو مشرك .
طبعاً الزواج تم قبل البعثة، ابن خالتها كفء لها، أما بعد البعثة فتلكأ في إسلامه، وأبى أن يسلم، فطلقها النبي منه، وكانت بعض الغزوات, فشارك في هذه الغزوة، ووقع أسيراً، استعرض النبي الأسرى, فرآه أمامه، قال:
((والله ما ذممناه صهراً))
مع أن النبي عليه الصلاة والسلام أعجب به، ووافق عليه، إلا أن النبي قرر أن للفتاة الحق أن تختار زوجها، فاستأذنها، فقال:
((أي بنيتي زينب، إن ابن خالتك أبا العاص بن الربيع جاء لخطبتك، فما كان منها إلا أن سكتت إعلاناً منها على القبول))
النبي سيد الخلق, حينما خُطبت ابنته استأذنها، فلذلك أيّ أب يجبر ابنته على الزواج، وهي كارهة، أو غاضبة، فهذا الزواج لا يقع، لأن موافقة الفتاة أحد شروط الزواج، لذلك كلكم يرى في عقود القران، يقف كاتب المحكمة، ويذهب إلى الغرفة الثانية, ليسمع بأذنه موافقة الفتاة على تزويجها من الشاب الخاطب .
تمت الخطبة، وأذيع الخبر في مكة، فما كان من أهلها إلا أن باركوا هذه الخطبة بالثناء العاطر، والمدح الجميل للخاطب والمخطوبة, ولأهلهما، وبادر شباب قريش يغبطون أبا العاص بهذه القرابة الكريمة من محمد صلى الله عليه وسلم، الذي سيصبح له صهراً صالحاً، ويكون والد زوجته عماً كريماً .
العم أب، والذي يقول دائماً، وقد قيل: لك آباء ثلاثة؛ أب أنجبك، وأب زوّجك، وأب دلَّك على الله، الأب الذي أنجب أبوك النسبي، والأب الذي زوجك هو والد زوجتك، رعاها إلى أن أصبحت بهذا السن، هذا أب، فكل شاب يسيء إلى عمه يتنكر لمبادئ الأخلاق .
لك أب أنجبك، وأب زوجك، وأب دلك على الله، طبعاً الأب الأول ينتهي فضله بنهاية الحياة، والأب الثاني ينتهي فضله بنهاية الزواج، أما الأب الذي دلك على الله دلّك على الجنة، فما دمت في الجنة ففضله مستمر، لذلك الإنسان عليه أن يسعى للدعوة إلى الله، فالخير الذي يأتي من الدعوة إلى الله لا يعلمه إلا الله .
ويتم عقد الزواج، ويستعد أهل الزوج لاستقبال الزوجة الكريمة, ويحين موعد الزواج، وتردد في أرجاء مكة أصداء العرس، وتُنحر الذبائح، وتُقام الولائم فرحة وبهجة بهذا الزواج المبارك .
ترون أنتم بأعينكم أن الزواج مشروع، لذلك يعلنه الناس، ويطلقون أبواق سياراتهم ، أما العلاقة المشبوهة فهذه وصمة عار في حق الإنسان .
لي صديق طرق بابه فجراً، فتح الباب, رأى شبه سلة, فيها طفل وُلد لتوه، لا يوجد أحد، أخذ هذا الطفل إلى دار التوليد، وضع في الحاضنة, ذكر لي هذه القصة، قلت: سبحان الله ، لو كان هذا الطفل من زواج شرعي, لفرح الأهل، ويقيمون الولائم، وتأتي التهاني، وتأتي الهدايا، لأنه جاء من طريق مشروع، أما الطفل اللقيط فإنه يكون ثمرة لجريمة الزنا .
لذلك كم يوجد في الحاويات من أطفال ولدوا لتوهم؟ هذه الظاهرة تنتشر في بعض البلاد، لأن الزواج غير شرعي، ماذا يُفعل بهذا الطفل؟ يُلقى في الحاوية، أما الطفل الذي يأتي من أم وأب, فيوضع في أجمل مكان بالغرفة، في سرير، وفي عناية فائقة .
وفي بيت الزوجية, تحل
زينب مكرمة معززة، ويهنأ لها العيش في ظل زواج فاضل كريم .
أحياناً الإنسان يطلب زوجة مؤمنة، فضل الإيمان على الجمال، فيها جمال، ولكن أقل مما كان يتمنى، يقول: أنا آثرت الدين، ألم يقل النبي الكريم:
((فعليك بذات الدين تربت يداك))
الكلام جيد، إلا أنه أحياناً يتبرم, وأحياناً يسمعها كلمات قاسية جداً .
أنا أقول لهذا الزوج: لو أبقيتها عند أهلها معززة مكرمة خير لك من أن تقول: أنا بطل، وسآخذ امرأة صالحة، هذه عند أهلها معززة مكرمة، أما حينما جئت بها إلى بيتك، وأسمعتها كلمات قاسية، فإن لم تكن أهلاً للزواج من فتاة مؤمنة, قد يكون شكلها أقل مما تتمنى، أنت لا تصلح لهذا العمل البطولي، فإذا آثر الإنسان دين فتاة, فينبغي أن لا يتكلم كلمة واحدة طوال حياته، ليكون أجره عند الله عظيماً.
طبعاً أبو العاص, فاز بهذه الزوجة الصالحة الكريمة، وفاز بالسعادة الزوجية التي وجدها في زينب، فكان كلما آن الأوان للسفر, يشتد عليه الفراق، حتى كان كثيراً ما ينشد في سفره, وهو بعيداً عنها, صدق القائل:
ذكرت
زينب لما ورقـت أرم فقلت سقيا لشخص يسكن الحرم
بنت الأمين جزاها الله صالحة وكل بعل سيثني بالذي عـلــم
لقد منَّ الله على أبي العاص بولدين، الأول علي بن أبي العاص، والثاني أمامة بنت أبي العاص، وهي التي قد تزوجها علي بن أبي طالب بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها .