يميل فيروس كورونا إلى التأثير على الرجال بشدة أكثر من النساء، وعلى الرغم من أن هذا اللغز لا زال عصيا على التفسير حتى الآن، إلا أن العلماء يبحثون في هذه القضية بجهد واهتمام كبيرين.
وكان بحث سابق، حول أمراض الجهاز التنفسي، قد كشف عن احتمال أن تلعب هرمونات الاستروجين والتستوستيرون الجنسية دورا هاما في هذا الأمر. أو ربما يرجع السبب لكون كروموسوم X (الذي يوجد لدى النساء اثنان منه، مقابل واحد فقط لدى الرجال) يحتوي على عدد أكبر من الجينات المرتبطة بالمناعة، ما يمنح النساء نظام مناعة أقوى لمحاربة فيروس كورونا. كذلك ذهبت بعض النظريات إلى إمكانية اختباء الفيروس في الخصيتين، حيث يوجد تعبير وافر عن مستقبلات ACE2، وهي البوابة التي تسمح لـ SARS-CoV-2 بدخول الخلايا.
وبالطبع، لا بد من كشف السبب الحقيقي، لأنه يمكن أن يساعد في تحسين "نتائج شفاء المرضى خلال أزمة الصحة العامة النشطة"، وفقا لورقة بحثية نُشرت في 10 أبريل في المجلة الغربية لطب الطوارئ (WJEM).
- ما هي الارقام؟
منذ الإبلاغ عن أول حالة معروفة لـ"كوفيد 19" في الصين في أواخر العام الماضي، أظهرت دراسات لا تعد ولا تحصى أن المرض يميل إلى أن يكون أكثر حدة وفتكا لدى الرجال، منه لدى النساء.
وعلى سبيل المثال، في تحليل لـ 5700 مريض بفيروس كورونا، تم إدخالهم إلى المستشفى في مدينة نيويورك، تبين أن أكثر من 60٪ منهم كانوا رجالا، وفقا لدراسة أجريت في 22 أبريل ونشرت في مجلة JAMA. وكتب الباحثون في الدراسة أن "معدلات الوفيات كانت أعلى بالنسبة للذكور مقارنة بالمرضى الإناث".
وعلاوة على ذلك، من بين 373 مريضا انتهى بهم المطاف في وحدات العناية المركزة، 66.5٪ كانوا من الرجال، بحسب دراسة JAMA.
وعندما نُشرت افتتاحية WJEM في أوائل أبريل، لاحظ المعدّون أن ما بين 51٪ و66.7٪ من المرضى الذين دخلوا المستشفى في ووهان، الصين، كانوا من الذكور: 58٪ في إيطاليا من الذكور؛ وكان 70٪ من جميع الوفيات المرتبطة بـ"كوفي9" في جميع أنحاء العالم من الذكور.
وفي إحدى الدراسات الكبيرة التي أجريت على أكثر من 44600 شخص مصابين بـ "كوفيد 19" في الصين، توفي 2.8٪ من الرجال مقابل 1.7٪ فقط من النساء.
- هل الرجال أكثر حساسية للمرض؟
كشفت افتتاحية WJEM أنه في حالات تفشي فيروسات كورونا الأخرى، بما في ذلك تفشي مرض السارس في عام 2003 ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS) في عام 2012، كانت معدلات الوفيات أعلى لدى الرجال منها لدى النساء. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أجريت في عام 2016 أن احتمالات وفاة الرجال بسبب MERS، أعلى بنسبة 40% مقارنة مع النساء.
ويميل الرجال إلى ضعف الاستجابة المناعية لفيروسات الجهاز التنفسي التي تسبب الإنفلونزا ونزلات البرد. ونتيجة لذلك، يصابون بأعراض أكثر حدة من هذه الفيروسات أكثر من النساء، وفقا لمراجعة عام 2017 في BMJ. وبُنيت النتائج على الاختلافات في "الهرمونات الجنسية" لدى الرجال والنساء.
وتقدم تجربة أجريت على الفئران، أدلة حول هذا اللغز الهرموني. فعندما أصاب العلماء الفئران الذكور والإناث (من مختلف الأعمار) بالسارس، كانت الفئران الذكور أكثر عرضة للإصابة من الإناث من الفئة العمرية ذاتها، وفقا لدراسة عام 2017، التي نُشرت في مجلة علم المناعة. ومع ذلك، عندما أُزيلت المبايض من الفئران الإناث، أو عولجت باستخدام مانع مستقبلات هرمون الاستروجين، ماتت بمعدلات أعلى من تلك التي احتفظت بالمبايض والاستروجين الطبيعي.
وفي حديثه مع "لايف ساينس"، قال أكيكو إيواساكي، أستاذ علم الأحياء المناعي في كلية الطب بجامعة Yale: "تشير هذه البيانات إلى أن الهرمونات الجنسية التي تُنتج لدى الفئران الإناث، قد تساعد في الدفاع ضد فيروسات كورونا، مثل السارس و SARS-CoV-2".
ولمعرفة المزيد عن ذلك، يقوم العلماء في مركز Cedars-Sinai الطبي في لوس أنجلوس، وكلية عصر النهضة للطب في جامعة Stony Brook في نيويورك، باختبار هرمون الاستروجين أو هرمون جنسي آخر يسمى البروجسترون، على مجموعات صغيرة من الأشخاص يعانون من فيروس كورونا.
وهناك طريقة أخرى للنظر في اختلاف تأثير كورونا حسب الجنس: ربما يكون الكروموسوم X وقائيا لأنه يحتوي على جينات مرتبطة بالمناعة أكثر من الكروموسوم Y. وأشار معدو افتتاحية WJEM إلى أن هذا قد يفسر أيضا لماذا النساء أكثر عرضة من الرجال للإصابة بأمراض المناعة الذاتية.
وفي حديثها مع NPR، قالت فينا تانيجا، التي تدرس الاختلافات في الجهاز المناعي لدى الذكور والإناث، في Mayo Clinic، إن الكروموسوم الصبغي X الثاني عادة ما يتم إسكاته لدى النساء، إلا أنه يمكن تنشيط ما يقرب من 10٪ من هذه الجينات. وأضافت: "إن العديد من هذه الجينات هي في الواقع جينات مخصصة للاستجابة المناعية". وهذا يمكن أن يمنح النساء "جرعة مزدوجة" من الحماية، على الرغم من أن هناك حاجة إلى البحث لمعرفة ما إذا كانت هذه الجينات تدخل في إطار الحماية من "كوفيد 19".
- الاختباء في الخصيتين؟
يقدم بحث جديد فكرة أخرى تقول؛ يبدو أن الرجال يتخلصون من تراكم SARS-CoV-2 في أجسادهم، بشكل أبطأ من النساء. ولشرح هذا الاحتمال، اقترح الباحثون أن الفيروس ربما وجد مكانا للاختباء عند الرجال: الخصيتين.
وفي البحث، المنشور على قاعدة بيانات medRxiv، خضع 68 شخصا تأكدت إصابتهم بفيروس كورونا في مومباي، الهند، لاختبار مسوحات الأنف إلى أن أصبحت النتائج سلبية. وفي نهاية التجربة، وجد الباحثون أن النساء تخلصوا من الفيروس في أجسادهن خلال 4 أيام في المتوسط، مقارنة بمتوسط 6 أيام لدى الرجال. ووجد الاختبار نفسه لدى 3 أسر مختلفة في مومباي، نتائج مماثلة.
وأظهرت الأبحاث السابقة أن SARS-CoV-2 يغزو خلايا بشرية معينة عن طريق الارتباط بمستقبلات ACE2 لهذه الخلايا. لذا، حلل الباحثون قاعدة بيانات، ووجدوا أنه يوجد في الخصيتين مستويات عالية من مستقبلات ACE2. وفي المقابل، لم يُكشف عن ACE2 في المبايض لدى النساء.
ومع ذلك، لم يبحث البحث فعليا في الخصيتين لمعرفة ما إذا كان SARS-CoV-2 مختبئا هناك، لذا "لا يخبرنا ما إذا كان الفيروس يصيب الخصيتين، أو ما إذا كانتا خزانا للفيروس"، وفقا لما قاله إيواساكي، الذي لم يشارك في الدراسة.
واقترح بحث آخر أن التدخين قد يلعب دورا في ذلك، لأن التدخين مرتبط بالتعبير العالي لمستقبلات ACE2. ولكن في حين أن عدد الرجال الذين يدخنون في الصين أكثر من النساء، فإن هذا لا ينطبق على البلدان الأخرى.
وهناك تفسيرات أخرى تقول: النساء ببساطة أقل عرضة للانخراط في المخاطر المتعلقة بالصحة، وأفضل في غسل أيديهن، وفقا للدراسات. وربما يفسر ذلك التفاوت الحاصل في معدل الإصابة والوفاة بين الجنسين.