الإنسان في رحلة عبادته لله تعالى يواجه محطات تعينه في مسيره الطويل، ينبغي له أن يتزود منها ما استطاع، فكلما كان تزوده كاملًا، كان بلوغه لمبتغاة سهلًا ميسرًا: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197]، وعلى الجانب الآخر فإنه سيواجه في هذا المسير محطات وعقبات، تحاول أن تثنيه عن المسير، وتمنعه من الثبات على الطريق، وتوهن عزيمته عن الاستمرار، وتؤخره عن اللحاق بركب من قبله من الصالحين، الذين ساروا على طريق الاستقامة، وماتوا على ذلك، فإن هو ركن إلى زخرفها، ومال إلى الجلوس فيها، والانشغال بجمالها وزينتها - سبقه القوم، وتأخر عن اللحاق بهم؛ فيندم يومَ يرى أن المخلصين قد حطوا رحالهم في الدرجات العالية في الجنة، ولكن هذا الندم لا ينفع في ذلك اليوم؛ فقد فات وقته وذهب أوانه، وقد يؤدي به طول المكوث في هذه المحطات إلى الخسارة الكبيرة يوم القيامة، والتردي في نار لا ينعم ساكنها ولا يهنأ داخلها؛ قال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ﴾ [الأحقاف: 20]، وهذه المحطات ينبغي للإنسان أن يعرفها؛ حتى لا يقع في شَرَكِها، أو ينخدع بزخرفها وجمالها؛ فيكون أحد ضحاياها المفتونين بها، فكم من شخص دخلها ولم يستطع الخروج منها، أو يتخلص من شباكها، إلا من أنقذه الله تعالى، وهم قلة!
فمعرفتها علامة من علامات العقلاء، وصفة من صفات الأصفياء؛ يقول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر؛ مخافة أن يدركني...؛ الحديث".
فمعرفة طريق الأشرار، واستبيان مسالك الفجار، ضرورة ملحة لمن أراد أن يعبد الله على بصيرة؛ فمحطات الهلاك قد تعددت أبوابها، وكثُر روادها، وتشعبت طرقها، فمن لم يعرف هذه المسالك والطرق، يوشك أن يقع فيها، أو يصيبه من دَخَنِها، وقد يلتبس عليه الأمر فيكون حائرًا مضطربًا، لا يطمئن له قلب، أو يهدأ له طَرْف، وهذه المحطات اليوم هي أكثر من أن تعد، وأكبر من أن تحصى، ولكن نذكر أكثرها فتنة، وأعظمها خطرًا، ونوجزها؛ حتى لا نطيل فيدخل على القارئ السأم، ويشعر بالملل، فيكفي أن يعرفها المسلم حتى يحذر منها ويتجنبها.
المحطة الأولى: الشيطان: فالشيطان أعظمُ خطر يجب الحذر منه ومن أساليبه ومكائده، فهو يعمل ليلًا ونهارًا، لا يكل ولا يمل؛ لإغواء بني آدم بأساليبه المتنوعة وطرقه المختلفة، لديه صبر لا ينفد، وكيد لا يُستهان به، إن أُغلق عليه طريق، سلك طرقًا أخرى يفتن بها الناس، فهو العدو الأول لبني آدم، وهو السبب الذي أخرج أبونا آدم من الجنة إلى الشقاء والتعب، وهو الشر المطلق الذي لا خير فيه؛ فقد أقسم لرب العزة ليفتنن بني آدم، وليزيننَّ لهم كل باطل: ﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [ص: 82]، ولا يمكن تجنبه إلا بالاعتصام بالله، والاستعانة به من شرِّه ومكره؛ فإنه عندئذ لا يكون له سلطان عليه أو طريق للنفاذ إلى قلبه؛ كما قال تعالى: ﴿ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [ص: 83]؛ أي: إلا من أخلصته منهم لعبادتك، وعصمته من إضلالي، فلم تجعل لي عليه سبيلًا؛ فإني لا أقدر على إضلاله وإغوائه.
وأساليب الشيطان كثيرة ومتنوعة، كلٌّ بحسب إيمانه وقوة ثباته؛ فما ينفع مع شخص قد لا ينفع مع آخر، ولكن أبرزها مما قصه الله علينا في كتابه المبين: الإضلال؛ فقال تعالى: ﴿ وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا ﴾ [النساء: 119]، ومن طرقه: التزيين للمنكر، وإظهاره بغير حقيقته؛ قال تعالى: ﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الحجر: 39]، وقوله: ﴿ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ﴾ [النمل: 24]، ومنها: الوسوسة؛ حيث يأتي إلى النفس فيلقي فيها الشبهات، ويحبب إليها المنكرات؛ قال تعالى: ﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ ﴾ [الأعراف: 20]، ومن طرقه الناجعة في الغواية: التدرج، فهو يسحب المسلم خطوة فخطوة حتى يقع فيما يريد، ويفعل ما يتمنى، وهو الكفر بالله والشرك في عبادته.
المحطة الثانية: النفس: وصف الله النفس بأنها أمارة بالسوء بقوله: ﴿ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [يوسف: 53]، فهي تدعو صاحبها إلى المعصية، وترغِّبه في الحرام، فإن هو أطاعها، كانت سائقة له لكل حرام، دافعة له لكل فاحشة، وإن هو عصاها ولم ينسقْ خلفها، وجاهدها في الثبات على الطاعة، أعقبه ذلك لذة المناجاة، وهُدي إلى السبيل الواضح، والطريق القويم، وكان كالمجاهد في سبيل الله؛ كما قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر الذنوب والخطايا)).
فالنفس ترغب في كل شيء، وتطلب كل ما يخطر لها من رغبات؛ مثلها كمثل الطفل الصغير الذي لا يعقل، ويريد أن يحصل على كل شيء يراه أمامه، وهو يظنه نافعًا له، وإن كان فيه ضرره وهلاكه، فإن مُنع مما يرغب سلِم ونجا، وإن أُعطي ما يريد هلك؛ يقول الشاعر:
والنفس كالطفل إن تُهمله شبَّ على *** حبِّ الرَّضاع وإن تَفطمه ينفطمِ فمن علِم عظم خطر هذه النفس وقبيح صنيعها، كان أكثر الناس محاسبة لها، ووقوفًا أمام رغباتها وأطماعها، عاملًا بنقيض ما تُملي عليه، وبعكس ما ترغب في الحصول عليه، فإن فعل، كان من أهل الجنة الفائزين؛ قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 40، 41]، فالسعادة كلها في مخالفة النفس والشيطان؛ فهما رأس كل بلاء، وعنوان كل شر.
المحطة الثالثة: حب الدنيا: جعل الله الدنيا دارًا للعبور للآخرة، ومحطة يتزود منها المسلم بأنواع الطاعات ومختلف القربات، وجعل مكوثنا فيها مؤقتًا لا دوام فيه؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((ما لي وللدنيا؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكبٍ استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها)).
وهذه الدنيا حُلوة خَضِرة، أودع فيها ربنا من أنواع الملذات والشهوات ما يُفتتن بها الحليم، ويقع في شباكها الجاهل بحقيقتها؛ لكي يتحقق الاختبار والامتحان للعباد، ولكي يتبين من يريد الآخرة ممن يطلب العاجلة، فمن مال إلى هذه الدنيا الفانية، وانغمس في شهواتها وملذاتها، واغترَّ بزخرفها وبهرجتها - شغلته عن مطلوبه الأسمى وغايته الكبرى التي خُلق من أجلها، وهي عبادة الله، والعمل ليوم القيامة؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [فاطر: 5]، والسعيد من أخذ منها ما يحتاجه، وجمع فيها من الطاعات والقربات ما يبلغه آخرته، وينقذه من العذاب؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((خيرُ الناس من طال عمره وحسُن عمله، وشرُّ الناس من طال عمرُه وساء عملُه)).
وعلى المسلم أن ينظر إلى من كان قبله، كيف جمع الدنيا وتقلب في نعيمها، واغتر بزخرفها، أين هو اليوم؟ وكيف كان مصيره؟ وهل أخذها معه في قبره؟ فهذه الدنيا لا تدوم لأحد، فلو دامت لأحد ما وصلت إلينا.
فالتكالب على الدنيا مهلك للعبد، وباب من أبواب الضياع، وصارف له عن التفكر في الآخرة، والمتأمل في حقيقة الدنيا وسرعة انقضائها، يعلم أنها زائلة لا تبقى لأحد، وأننا في رحيل عنها، طال البقاء بها أم قصُر، فأمرٌ أنت مفارقه، كيف تتشبث به وتحزن على فقده؟
ونحن لا نقصد بحال من الأحوال أن يبتعد الإنسان وينقطع عن الدنيا؛ فهو مأمور بعمارتها وبنائها، وإنما حديثنا عن الانغماس فيها والتشبث بها، كأنه خُلق من أجل البقاء بها؛ فلا يهمه ما كسب فيها وإن كان من الحرام.
المحطة الرابعة: فتنة النساء: وهي من أخطر هذه الفتن على المسلم، فكم من أناس وقعوا في حبالها، وأصيبوا بخطرها! وخاصة في هذه الأزمان التي ضاع فيها الستر، وانتشر فيها التبرج والسفور، وأصبح الحرام ميسرًا متاحًا لكل طالب؛ مصداقًا لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء))، وأول فتنة أصابت بني إسرائيل هي النساء، فكان في ذلك هلاكهم، وسخط الله عليهم، فحذرنا النبي أن نقع بما وقعوا به؛ فيحل علينا العقاب، وينزل بنا العذاب؛ فقال: ((إياكم والدخول على النساء))، فوجَّهنا النبي عليه الصلاة والسلام إلى الحذر من فتنة النساء، والبعد عن مواطن الاختلاط؛ لأن النساء هن محط الأنظار، وإليهن تميل النفوس وتتطلع القلوب؛ يقول سعيد بن المسيب رحمه الله: "ما يئس الشيطان من شيء إلا أتاه من قِبل النساء".
المحطة الخامسة: اتباع الهوى: وهو أن يقدم الإنسان ما تميل إليه نفسه، ويسير خلف ما تمليه عليه رغباته وشهواته، دون اعتبار لأوامر الله ورسوله؛ فيكون تابعًا لهواه، إن أمره بالشر فعله، وإن زين له المنكر ارتكبه.
والهوى المذموم: هو ما كان فيه استحلال الحرام، ومخالفة الشرع، وجعْلُه مقدَّمًا على أمر الله ورسوله؛ ولذلك فقد ورد في الآية أنه كالإله الذي يُعبد من دون الله؛ قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: "الهوى إله يعبد من دون الله، ثم تلا: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾ [الجاثية: 23]"، فما نشأ الكفر، وانتشرت البدع، وظهرت المعاصي، إلا لما قدم الناس أهواءهم على أمر الله ورسوله.
فاتباع الهوى يعمي عن الحق، ويصرف عن الطريق الواضح المستقيم، ويردي صاحبه في لُجَجِ الظلمات، ويدفعه إلى ارتكاب المهلكات، وهو سبب المصائب والجهالات؛ واستمع لما يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في ذم الهوى وعاقبته في الدنيا والآخرة، قال: "لكلِّ عبد بداية ونهاية، فمن كانت بدايته اتباع الهوى، كانت نهايته الذُّل، والصَّغار، والحرمان، والبلاء المتبوع بحسب ما اتبع من هواه، بل يصير له ذلك في نهايته عذابًا يُعذَّب به في قلبه".
وقال ابن القيم أيضًا: "تجد في المتبع لهواه من ذلِّ النفس، ووضاعتها، ومهانتها، وخستها، وحقارتها - ما جعله الله سبحانه فيمن عصاه... وقد جعل الله سبحانه العزَّ قرين طاعته، والذُّلَّ قرين معصيته".
المحطة السادسة: الأصدقاء: الإنسان سُمي إنسانًا؛ لأنه يأنس بمن حوله، ويحب أن يعيش في جماعة، ويكره بطبيعته العزلة والانزواء، فآدم عليه السلام عندما خلقه الله تعالى، استوحش وحده؛ فخلق الله له من ضلعه حواء؛ ليأنس بها ويسكن إليها، وهكذا الناس يعيشون في مجموعات؛ ليتعارف بعضهم على بعض، وتتكون الشعوب وتقوم الحضارات؛ كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13]، وتأثير الصاحب كبير، وأثره بالغ؛ فهو يسحب صاحبه إلى طريقته التي يسير عليها، فإن كان من أهل الصلاح، مال معه وتأثر به، وإن كان غير ذلك، أخذ من صفاته، واتبع منهجه، وسار على خطاه، فكم من شخص كان من أهل القرآن وطاعة الرحمن، حتى تعرَّف على صحبةِ سوءٍ، زينت له المعاصي حتى ألفها، والمنكرات حتى ارتكبها، وأصبح بعيدًا عن الله، قريبًا من الشيطان والعياذ بالله!
والصاحب السوء لا تجد منه إلا الكلمة الخبيثة والسلوك السيئ، لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا، لا تجد منه إلا تضييعًا للصلوات، وارتكابًا للفواحش والمنكرات؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير... ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك أو تجد منه ريحًا خبيثة))، فلا خير في صحبته، ولا منفعة في اتباعه، بل لا يجني منه إلا الندم والحسرة يوم القيامة؛ قال الله: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ﴾ [الفرقان: 27، 28].
والصاحب هو المرآة التي يراك الآخرين من خلالها، فإذا كان الصديق كالمرآة المتسخة أو الصَّدْآة المهترئة، فإنه سيعكس هذه الصورة عنك، ويحكم الناس عليك بمن تصاحب؛ يقول عليه الصلاة والسلام: ((المرء على دين خليله؛ فلينظر أحدكم من يخالل))، فالصديق إذا لم يكن عونًا لك على تغيير ما انحرف من سلوكك، وتقويم اعوجاجك، ومراجعة طريقتك وتفكيرك - فلا خير فيه يُرتجى، وفراقه خير من البقاء معه.
فهذه أخطر المحطات، وطرق النجاة منها: الاعتصام بالله، والتمسك بكتابه وسنة رسوله؛ ففيهما النجاة في الدنيا من الفتن وفي الآخرة من النار، وينبغي عدم التعرض لها أو استقبالها لمن كان يخشى على نفسه الفتن، أو كان لا يستطيع النجاة منها؛ فالبعد عن مواطن الريب وأسباب الضياع، فيه سلامة الدين الذي هو أغلى ما يملكه الإنسان في حياته، والذي بذهابه ندمه وحسرته في الدنيا والآخرة.