من مقتضيات
التوحيد تعظيم
الله تعالى وتنزيهه عن كل عيب ونقصٍ، ووصفه تعالى بما وصف بعه نفسه من صفات الجلال والكمال، وبما وصفَه به نبيُّه محمد عليه الصلاة والسلام، ومما تكلَّم به سبحانه وتعالى، ووصف به نفسه في السورة الكريمة ما يلي:
1- قوله تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]
والمذهب الصحيح والقول السديد في هذه الآية ومثيلاتها، هو ما ذهب إليه سلف الأمة، وما أقره أهل السنة والجماعة؛ كما قال ابن كثير رحمه
الله تعالى في تفسير الآية: وإنما نسلك في هذا مذهب السلف الصالح: مالك والأوزاعي والثوري والليث بن سعد، والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه، وغيرهم من أئمة المسلمين قديمًا وحديثًا، وهو إمرارها كما جاءتْ من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيلٍ، والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله، وإن
الله لا يُشبهه شيء من خلقه، وليس كمثله شيء، بل الأمر كما قال الأئمة منهم نعيم بن حماد الخزاعي قال: من شبَّه
الله بخلقه كفر، ومَن جحَد ما وصف
الله به نفسَه، فقد كفر، وليس فيما وصف
الله به نفسه ولا رسوله تشبيهٌ، فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق بجلال الله، ونفى عن
الله تعالى النقائص، فقد سلك سبيل الهدى. (قاله ابن كثير في تفسير قوله تعالى: ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [الأعراف: 54]).
وقد ذُكِر الاستواء في سبع سور من القرآن:
•
سورة الأعراف، الآية 54.
•
سورة يونس، الآية 3.
•
سورة الرعد، الآية 2.
•
سورة طه، الآية 5.
•
سورة الفرقان، الآية 59.
•
سورة السجدة، الآية 4.
•
سورة الحديد، الآية 4.
وقد ذكر القرطبي قول الإمام مالك رحمه الله: "الاستواء معلوم - يعني في اللغة - والكيف مجهول، والسؤال عن هذا بدعة"، وهذا القدر كافٍ؛ انظر: تفسير القرطبي
سورة الأعراف آية 54.
2- " ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [طه: 8]، "الله" العظيم المألوه، "لا إله" يُعبَد بحق، "إلا هو" غيره هو سبحانه جل شأنه وعظُم جاهه وسلطانه، له "الأسماء الحسنى"، فأسماؤه كلها حسنى، وصفاته كلها عليا؛ عن أبي هريرة رضي
الله عنه قال: قال رسول
الله صلى
الله عليه وسلم: (إن لله تسعًا وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر)؛ أخرجه البخاري (6410)، ومسلم (2677)، قال ابن كثير: (ثم ليعلم أن الأسماء الحسنى غير منحصرة في تسع وتسعين، بدليل ما رواه الإمام أحمد في مسنده (1 /452) من حديث ابن مسعود رضي
الله عنه عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال: (ما أصاب أحدًا قطُّ همٌّ ولا حزن، فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أَمتِك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمُك عدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سَميتَ به نفسك أو أنزلتَه في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرتَ به في علم الغيب عندك - أن تجعل القرآن العظيم ربيعَ قلبي ونور صدري، وجلاء حزني، وذَهاب همِّي، إلا أذهب
الله حزنه وهمَّه...).
3- ﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ [طه: 14]؛ يقول ابن كثير: (هذا أول واجب على المكلفين أن يعلموا أنه لا إله إلا
الله وحده لا شريك له، وقوله "فاعبدني"؛ أي: وحِّدني، وقُم بعبادتي من غير شريك)، و(لا إله إلا الله)، هي إفراد
الله بالعبادة، ولا عبادة تُقبل إلا بالتوحيد، وأول عبادة بعد
التوحيد إقام الصلاة.
4- ﴿ إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [طه: 98]، وهذه الآية الثالثة في السورة الكريمة التي ذكر فيها كلمة
التوحيد "لا إله إلا الله".
• الأولى: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾.
• الثانية: ﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا ﴾.
• الثالثة: ﴿ إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾.
ومن عجائب أفعال اليهود وشركهم، أنهم عبدوا العجل من دون الله، مخالفين لأمر موسى عليه السلام، فهم دائمًا ماديون لا يؤمنون إلا بما يلمسونه ويشاهدونه، فقد طلبوا رؤية
الله جهرة، ومع أنهم رأوا آيات كثيرة؛ كغرق فرعون، ونجاتهم من بطشه، وأنزل
الله عليهم المن والسلوى، فقد استجابوا لما دعاهم إليه السامري، فعبدوا العجل لما قال لهم: هذا إلهكم، إنهم دائمًا أعداء التوحيد.
اختُتمت السورة بتوجيهات ربانية في غاية الأهمية، هي:
1- ﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ﴾ [طه: 130].
2- ﴿ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى ﴾ [طه: 130].
3- ﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ ﴾ [طه: 131].
4- ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾ [طه: 132].