بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
v الاعتدال وضبط مستوى الصوت :-
يترك مستوى الصوت أول انطباع لدى المستمع تجاه المتحدث , وهو ما يسمى فى علم النفس "بتكنيك الحديث" , فإن كان منخفضاً إلى درجة استماع المخاطب دل ذلك على ضعف ثقة المتحدث بنفسه , وقلة السيطرة , وضعف اليقين , مما يدفع المخاطب إلى الضجر , وانعدام الرغبة فى المتابعة , فإن كان مضطراً إلى الاستماع تغشاه النعاس .
أما إذا كان الصوت مرتفعاً صاخباً أوحى بالريبة والقلق وعدم الثقة بالنفس , فمن الصعب أن يقنع المستمع ببراعة وتوفيق صاحب الصوت الصاخب المرتفع , مما حدا ببعض المشاهير مثل الرئيس الأمريكي "جورج بوش" إلى تلقى تدريبات صوتية , بعد باء بالفشل فى انتخابات الرئاسة عام 1988 فقد كان صوته يتسم بالحدة والعنف , وبالمثل فعلت رئيسة الوزراء البريطانية "مارجريت تاتشر" , فقد تلقت تدريبات لتخفيض حدة صوتها , رغبة فى فرض نفوذها بشكل فعال .
وقد شبه سبحانه وتعالى الصوت المرتفع بأبشع الصور وأقبح الأصوات , بصوت الحمير , تأكيداً للنهى وتوبيخاً للفعل , حثاً على الإقلاع عنه ودفعاً للاتزان والاعتدال , حيث أن أصوات الحمير محط سخريه ونفور لبشاعة أصواتها , قال تعالى على لسان لقمان : " وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ " { لقمان : 19 } .
ومدح القرآن المؤمنون الذين يغضون ولا يرفعون أصواتهم فى مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : " إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ " { الحجرات : 3 } .
ويشير علماء النفس إلى أن علو الصوت يدل على بطلان حُجة صاحبه , وأن الصوت الهادئ المعتدل يدل على صدق صاحبه , وقوة حجته , وثقته بنفسه .
فى حين أن الصوت المتزن الذى يتسم بالهدوء ويعبر عن الثقة فى النفس والتحكم فى العبارات ووضوح النبرات ومرونة الأداء ودقة المعاني , فإن الناس تقبل عليه وتصغى له , لا يشغلهم شاعل ولا يطاردهم وقت .
فضلاً عن أن الصوت المعتدل يزيد من الألفة والطمأنينة وكذلك الاحترام المتبادل , مما يعمل على زيادة العلاقات الاجتماعية , وتوسيع دائرتها .
وذلك هو الثابت من هدى نبينا صلى الله عليه وسلم , إذ يقول ابن القيم :كان إذا تكلم تكلم بكلام مفصل مبين يعده العاد ليس بهذ مسرع لا يحفظ ولا منقطع تخلله السكتات بين أفراد
الكلام بل هديه فيه أكمل الهدي , وكان صلى الله عليه وسلم يوجه صحابته ويوصيهم بالتوازن والاعتدال فى مستوى الصوت وإن كانوا يقرؤون القرآن , عن أبي قتادة قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليلة فإذا هو بأبي بكر يصلي يخفض من صوته ومر بعمر وهو يصلي رافعا صوته قال : فلما اجتمعا عند النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يا أبا بكر مررت بك وأنت تصلي تخفض صوتك "قال : قد أسمعت من ناجيت يا رسول الله وقال لعمر : " مررت بك وأنت تصلي رافعا صوتك " فقال : يا رسول الله أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر ارفع من صوتك شيئا " وقال لعمر : " اخفض من صوتك شيئا " [1].
v إيضاح
الكلام (الفصاحة والبيان) :-
البيان هو اسم جامع لكل ما يكشف عن المعنى ويدل على المقصود , أما الفصاحة فهي تعنى خلو
الكلام من التعقيد, وبعدة عن التداخل فى الألفاظ والمعاني .
ومن هنا ينبغي استخدام الكلمات الواضحة , والعبارات الفصيحة , والألفاظ المستحسنة التى يفهمها المخاطب , والحروف المتمكنة فى مخارجها غير قلقة ولا مكدوده , لأن ذلك يدل على البراعة فى الأداء ويعبر عن الثقة فى النفس , ويحفز المستمع على المتابعة و الإصغاء , أما استخدام الكلمات الضعيفة والألفاظ الهزيلة والعبارات الغامضة , فإنها تدل على ضحوله الثقافة وقلة المعرفة والدراية بموضوع الحديث , كما تعكس مشاعر الخمول والكسل والتوتر والانفعال ومن ثم عدم الرغبة فى المتابعة .
وقالت عائشة – رضى الله عنها – فى صفة كلام نبينا صلى الله عليه وسلم : " كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاماً فصلاً يفهمه كل من يسمعه [2].
وقال الله تعالى فى معرض المن وذكر النعم: “الرَّحْمَنُ , عَلَّمَ الْقُرْآَنَ , خَلَقَ الْإِنْسَانَ , عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ," { الرحمن : 1,2,3,4 } . وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم البيان بالسحر الذى يأسر القلوب ويملك العقول , حيث قال فى حديث عبد الله بن عمرو :" إن من البيان لسحرا [3]" .
وقال ابن المعتز البيان ترجمان القلوب وصيقل العقول , وسئل معاوية عمرو بن العاص , من أبلغ الناس ؟ قال : أقلهم لفظاً , وأسهلهم معنى , وأحسنهم بديهة .
وهناك بعض الكلمات التي قد يستخدمها المتحدث ولا يفهمها المستمع من أول وهلة , لذلك ينبغي التكرار حتى يحصل المقصود وهو الفهم والاستيعاب , فعن أنس – رضى الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً حتى تفهم عنه , وإذا أتى على قوم فسلم عليهم سلم عليهم ثلاثاً [4] . ومن الخطأ الزيادة على الثلاث , لأنه ينافى المقصود ويبعث على الرتابة والملل , فضلاً عن أنه الثابت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم .
v النهى عن الثرثرة: -
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الثرثرة وهى كثرة
الكلام تكلفاً , لأنها تبعث على الملل الخمول , وتثير الضجر والازدراء , فضلاٍ عن كثرة الوقوع فى الهفوات وارتكاب الأخطاء , إضافة إلى أنها تعبيراً عن الأنانية والأثرة والاكتراث بالذات وعدم المبالاة بالأخرين , مما يؤدى إلى النفور والقطيعة , وذلك يتنافى مع مبادئ الإسلام , لذلك فقد وضح النبي صلى الله عليه وسلم قبح هذه الخصلة , وأعلن أن صاحبها هو أبغض وأبعد الناس منه يوم القيامة .
عن جابر – رضى الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن من أحبكم إلى , وأقربكم منى مجلساً يوم القيامة , أحاسنكم أخلاقاً , وإن أبغضكم إلى وأبعدكم منى يوم القيامة , الثرثارون , والمتشدقون , والمتفقون " قالوا : يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون , فما المتفيهقون , قال : " المتكبرون " [5] , وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم قصر الخطبة مع البيان , فعن عمار قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن طول صلاة الرجل وقصر خـطبته مئنة مـن فقهه فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة وإن من البيان سحرا [6]"
لذلك ينبغي الابتعاد عن التطويل الممل أو الاقتضاب المخل لأن الاكتفاء بعبارات مبتورة تثير استياء المخاطبين وتشعرهم بالاستخفاف بهم .
وزن
الكلام إذا نطقت ولا تكن --- ثرثارة فى كل ناد تخطب
v التواضع والبعد عن التشدق :-
قد حث الإسلام على التواضع فى الحديث ولين
الكلام , ودعي إلى استخدام الكلمات المألوفة والعبارات الدارجة المفهومة , ونهى عن التقعر والتشدق فى
الكلام باستخدام الكلمات الغريبة والعبارات المعقدة , وقد حذر كل الحذر من هذه الصفة الذميمة التي لا تؤدى إلى بغض الناس فحسب , بل بغض الله عز وجل ايضاً , وذلك هو الخسران المبين .
قال الله تعالى موصياً نبيه بالتواضع :" وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ" { الحجر : 88 } , وقال تعالى مبيناً جزاء التواضع :" تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ " { القصص : 83 } .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحديث السابق : وإن أبغضكم إلى وأبعدكم منى يوم القيامة , الثرثارون , والمتشدقون , والمتفيهقون " قالوا : يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون , فما المتفيهقون , قال : " المتكبرون .
وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن الله عز وجل يبغض البليغ من الرجال، الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها [7]" . أى الذى يظهر التفصح ويتعمد التشدق , فيتقعر ويتعمق في
الكلام ويتكلفه, استعلاء على الغير , ورغبة فى التقدير والوجاهة , وحباً فى الظهور , وهذه صفات المتكبرون الذين يمقتهم الله عز وجل , لذلك شبههم بالبقرة ووجه الشبه فى إدارة لسانه حول أسنانه وفمه حال التكلم كما تفعل البقرة بلسانها حال الأكل وخص البقرة من بين البهائم لأن سائرها تأخذ النبات بأسنانها والبقرة لا تحتش إلا بلسانها .
ومن صور التشدق , التكلم بلغة المثقفين فى حضرة أنصاف المتعلمن والعامة , واستخدام المصطلحات والعبارات التى يقتصر فهمها على فئة معينة , بحضرة من لا يدركونها , كأن يستخدم الطبيب المصطلحات الطبية فى خطابه مع عامل بسيط استعلاءً عليه , ومن ذلك ايضاً استخدام الألفاظ الأجنبية ادعائاً للثقافة والمعرفة , فكلها أمور تثير الغضب والنفور , فمن غير المعقول أن يقبل الإنسان على من يتعالى ويتشدق عليه , وأن يأنس به ويطمئن اليه , فمن تواضع لله رفعه وأحبه ومن أحبه وضع محبته فى قلوب الخلق فما زاد الله عبداً بالتواضع إلا عزا .
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر --- على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تك كالدخان يعلو بنفسه --- على طبقات الجوّ وهو وضيع
فمن أراد أن يأسر القلوب ويجذب العقول وتصغى له الآذان فعليه أن يكون التواضع منهجه والبساطة قبلته والرفق بغيته , وأن يكون التكبر مرذول لديه والتشدق ممقوت عنده , إذا هابه أحد هون عليه أمره , وقد أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فكلمه فجعل ترعد فرائصه فقال له" هون عليك فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة تأكل القديد[8]"
فقد كره النبى صلى الله عليه وسلم إيذاء المخاطب سواء بكثرة
الكلام حتى لا يدع له فرصة يبدى فيها المخاطب رأيه , وكذلك بأن يتكبر علي جلسائه ويتشدق عليهم بالألفاظ والكلام, فهؤلاء هم أبعد المسلمين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة .
v ترك مالا يعنيه :-
ينبغى للمتحدث ألا يتحدث فى أمور الناس الخاصة , التى لا تعنيه , بحيث لا يضره السكوت عنها ولا ينفعه
الكلام فيها , فعن أبى هريرة – رضى الله عنه – عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " من حُسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه " [9] . يعد المحدثين هذا الحديث من الأربعة أحاديث التى جمعت فأوعت , فهو يدعوا إلى عدم تتبع العورات , وحفظ الخصوصيات , والاقتصار على الذات , فهو منشأ الاحترام والتوقير ومصدر الهيبة والكرامة , وهو مكمن العزة .
ازهد فيما عند الناس تستعبد قلوبهم ... فطالما استعبد الإنسان إحسان
كل إنسان له عالمه الخاص الذى لايريد من أحد أن يتدخل فيه , وإذا بادر شخص ما واقتحم عالمه بغير رضاه فسوف يحاول التصدي له بكل ما يستطيع , فيقع ما يبغضه الإسلام من الكراهية والبغضاء , ناهيك عن إهدار الوقت , والتعب والتنغيص الذى يحصل له , فى حين أنه بإعراضه عن التدخل فى أمور الناس واقتحام أسرارهم تحصل له الطمأنينة وراحة البال , وكما قيل من تدخل فيما لايعنيه سمع ما لا يرضيه
وذكر مالك أنه بلغه أنه قيل للقمان :"ما بلغ بك ما نرى ؟" يريدون الفضل فقال :" صدق الحديث وأداء الأمانة وترك ما لا يعنينى " .[10]
وروى عن الحسن قال :"من علامة إعراض الله تعالى عن العبد أن يجعل شعله فيما لا يعنيه" .
قال الامام الشافعي لصاحبه الربيع : ياربيع لا تتكلم فيما لا يعنيك , فإنك إذا تكلمت بالكلمة ملكتك ولم تملكها .
وقيل : من عرف شأنه , وحفظ لسانه , وأعرض عما لا يعنيه , وكف عن عرض أخيه , دامت سلامته , وقلت ندامته , وإياك وفضول
الكلام فإنه يظهر من عيوبك ما بطن , ويحرك من عدوك ما سكن .
إحفظ لسانك لا تقول فتبتلى --- إن البلاء مُوكلُُُُ بالمنطق
v التؤدة والاطمئنان فى
الكلام :-
المتحدث اللبق هو الذى يتسم كلامه بالترتيل والترسيل , فضلاً عن التؤدة والتمهل , ليفهم متحدثة مقصوده من
الكلام , لاسيما ونحن نعيش فى عصر اختلطت فيه الجنسيات وتنوعت فيه اللهجات , وتعددت فيه اللغات , وتعقدت أمور الحياة مع كثرة مطالبها .
وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يزين كلامه ويترسل فيه ليترك الفرصة لمستمعه عن التفكر والتدبر , بحيث يمكنه التعلق على فحوى
الكلام إذا أراد , لاسيما وقد أكد العلم الحديث على أن الإنسان لايمكنه التركيز وإستيعاب
الكلام السريع الذى لايتخلله السكون والتؤدة والتمهل , فعن عائشة – رضى الله عنها – قالت : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم كان يحدث حديثاً لو عده العاد لأحصاه " , أى لو أراد المستمع عد كلماته وحروفه لأمكنه ذلك , لذلك إستوعب الصحابة كلام النبى صلى الله عليه وسلم وحفظوه [11].
عن عائشة قالت ألا يعجبك أبو هريرة جاء فجلس إلى جنب حجرتي يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم يسمعني ذلك وكنت أسبح فقام قبل أن أقضي سبحتي ولو أدركته لرددت عليه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم [12] .
ولكن هناك بين الترسل والتأنى والبطء الشديد المصاحب للحذلقة , فالأخير يؤدى إلى نفور السامع وضجره , لان كلام متحدثه يسير الملل .
v يبدأ
الكلام الأكبر والأعلم :-
من الأدآب التى ينبغى مراعاتها فى الحديث عدم تصدر حديثى السن للكلام وإبداء الرأى فى حضرة من هم أكبر سناً وأكثر علماً , وهذا أمر ترتضيه الفطرة وتكاد تتـفق عليه المجتمعات على اختلافها , فبئس القوم الذين لا يبغون تحصيل خبرات من سبقوهم علماً أو سناً , ويرتضون خوض التجارب وتحمل النتائج .
وقد أفرد الإمام البخارى فى صحيحه باباً أسماه إكرام الكبير , وقال فيه: ويبدأ الأكبر بالكلام والسؤال .
وقد نص النبى صلى الله عليه وسلم على ذلك , وأنكر على من خالف , ففى حديث سهل بن أبي حثمة قال انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود بن زيد إلى خيبر وهي يومئذ صلح فتفرقا فأتى محيصـة إلى عبد الله بن سـهل وهو يتشمط في دمه قتيـلا فدفنه ثم قدم المدينة فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسـعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال كبر كبر وهو أحدث القوم فسكت فتكلما فقال تحلفون وتستحقون قاتلكم أو صاحبكم قالوا وكيف نحلف ولم نشهد ولم نر قال فتبريكم يهود بخمسين فقالوا كيف نأخذ أيمان قوم كفار فعقله النبي صلى الله عليه وسلم من عنده [13], والشاهد قوله كبر كبر , وقال بعض أهل العلم فيه دلالة على اعتبار الكبر , وجمعوا بينه وبين أحاديث اليمين بأن القوم إذا كانوا فى المواجهة يقدم الأكبر , أما إن كانوا عن اليمين والشمال قدم الإيمن تبركاً .
وهنا يتضح مدى حرص الإسلام على شيوع الإحترم والتوقير بين أفراد المجتمع المسلم , ومراعاة النظام ونبذ والعشوائية والهمجية .
تعظيمك الناس تعظيم لنفسك فى --- قلوب الإعداء طراً والأدواء
من عظّم الناس يعظُم فى النفوس بلا --- مؤونة وينل عز الأعزاء
v التأكد من صحة
الكلام وعدم ترويج الشائعات :-
ينبغى على المتحدث أن يراعى صحة ما يقوله ويحكية , فيتثبت من كلامه ويرد الأمور إلى مصادرها الصحيحة , فلا يتلفظ إلا بما هو ثابت عنده , لان الكلمة ربما تخرج من لسانه فلا يدرى بها , فيأخذها غيره فيبنى عليها أموراً لاحد لخطورتها , فترويج الإشاعات يؤدى غالباً إلى حدوث النكبات والأزمات التى تلحق بالأفراد والجماعات .
وقد تضاعفت خطورة الإشاعات مع التقدم التكنولوجى والثورة الهائلة فى عالم الإتصالات , فقد ساهم ذلك أيما إسهام فى سرعة وسهولة إنتقال المعلومات عن ذى قبل , لذلك فقد أضحى تصديقها أكثر شراً وأسواء مصيراً , وقد عاين العالم كله الأزمة الإقتصادية التى شاهدتها البورصات الإمريكية التى نتجت عن إشاعة .
لذلك قال الله تعالى : " وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ " { الاسراء : 36 } , وقال تعالى أيضاً : " " مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ " { ق : 18 } , وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل سمع " [14] , فقد إعتبره الرسول صلى الله عليه وسلم كذاب .
v تجنب الحلف بغير الله :-
القسم تعظيم للمقسم به , ولا يجوز للمسلم أن يعظم غير الله تبارك وتعالى لذلك نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الحلف بغير الله .
عن إبن عمر – رضى الله عنهما – أنه أدرك عمر بن الخطاب فى ركب وهو يحلف بأبيه فناداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفاً فليحلف بالله وإلا فليصمت " [15] .
v البعد عن التملق والمداهنة :-
من الناس من يتلون , فيأتى هؤلاء بوجه ولسان وهؤلاء بوجه ولسان آخران , فهو سلوك بغيض وخلق كريه , مذموم صاحبه عند الله ورسوله والناس أجمعين , لأنه يمتثل بسلوك يتنافى مع الأمانة والصدق والإخلاص أى صفات المؤمنين الربانيين , ففى مثلهم قال الله تعالى: " يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا " { النساء : 108 } .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تجدون الناس معادن : خيارهم فى الجاهلية خيارهم فى الاسلام إذا فقهوا , وتجدون خيار الناس فى هذا الشأن أشدهم له كراهية , وتجدون شر الناس ذا الوجهين , الذى يأتى هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه " [16] . قال القرطبي إنما كان ذو الوجهين شر الناس لأن حاله حال المنافق إذ هو متملق بالباطل وبالكذب مدخل للفساد بين الناس وقال النووي هو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها فيظهر لها أنه منها ومخالف لضدها وصنيعه نفاق ومحض كذب وخداع وتحيل على الاطلاع على أسرار الطائفتين وهي مداهنة محرمة , قال فأما من يقصد بذلك الإصلاح بين الطائفتين فهو محمود , وقال غيره الفرق بينهماأن المذموم من يزين لكل طائفة عملها ويقبحه عند الأخرى ويذم كل طائفة عند الأخرى يأتي لكل طائفة بكلام فيه صلاح الأخرى ويعتذر لكل واحدة عن الأخرى وينقل إليه ما أمكنه من الجميل ويستر القبيح والمحمود أن [17]
وعن محمد بن زيد أن ناساً قالوا لجده عبدالله بن عمر – رضى الله عنهما - : إنا ندخل على سلاطيننا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم , قال : كنا نعد هذا نفاقاً " [18] .
قل للذى لست أدرى مـن تلونه --- أنا صـح أم على غش يناجيـنى
إنـى لأكثر مما سمتنى عــجباً --- يد تشجع وأخرى منك تأسونـى
تغتـابنـى عند أقوام و تمدحنى --- فى آخرين وكل عنك يأتـيـنـى
هذان شيئان قـد نافيت بينهما --- فاكفف لسانك عن شتمى وتزينـى