لأفعال
التي لا
تفيد الكمال إلا
مقيّدة ، هل
يجوز وصف
الله تعالى بها ؟
السؤال:
هل
يجوز وصف
الله ببعض
الأفعال التي قالها سبحانه في وصف ذاته مثلا : ( ويمكرون ويمكر
الله والله خير الماكرين ) فهل
يجوز أن نقول على
الله : إنه ماكر ؟
تم النشر بتاريخ: 2016-04-03
الجواب :
الحمد لله
بعض صفات
الأفعال : نسبها
الله إلى نفسه لا على وجه الإطلاق ، وإنما في مقام يقتضي المدح والكمال .
كما في قوله
تعالى :
( وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) آل عمران /54.
وكما في قوله
تعالى :
( إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ، وَأَكِيدُ كَيْدًا ) الطارق /15 – 16.
وقوله
تعالى متوعدا المنافقين :
( وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ، اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) البقرة /14 – 15 .
وفي قوله سبحانه وتعالى :
( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ) النساء /142 .
فمثل هذه الصفات ( الكيد ، والمكر ، والاستهزاء ، والخداع ) هي كمالات نسبية ؛ في بعض المقامات تقتضي المدح ، وفي مقامات أخرى قد تقتضي الذم ، والله سبحانه وتعالى وصف بها نفسه على الوجه الذي يقتضي المدح ويفيد كمال العلم والقدرة والعزة والعظمة والعدل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
الله تعالى :
" كذلك ما ادعوا أنه مجاز في القرآن كلفظ " المكر " و " الاستهزاء " و " السخرية " المضاف إلى
الله ، وزعموا أنه مسمى باسم ما يقابله على طريق المجاز ، وليس كذلك بل مسميات هذه الأسماء إذا فعلت بمن لا يستحق العقوبة كانت ظلما له ، وأما إذا فعلت بمن فعلها بالمجني عليه ، عقوبة له بمثل فعله : كانت عدلا " انتهى من " مجموع الفتاوى " (7 / 111) .
وقال ابن القيم رحمه
الله :
" لا ريب أن هذه المعاني يذم بها كثيرا ، فيقال : فلان صاحب مكر وخداع وكيد واستهزاء ، ولا تكاد تطلق على سبيل المدح ، بخلاف أضدادها ، وهذا هو الذي غر من جعلها مجازا في حق من يتعالى ويتقدس عن كل عيب وذم .
والصواب : أن معانيها تنقسم إلى محمود ومذموم ، فالمذموم منها يرجع إلى الظلم والكذب ، فما يذم منها إنما يذم لكونه متضمنا للكذب أو الظلم أو لهما جميعا ، وهذا هو الذي ذمه
الله تعالى لأهله ...
وما كان منها بحق وعدل ومجازاة على القبيح : فهو حسن محمود ، فإن المخادع إذا خادع بباطل وظلم ، حَسُن من المجازي له أن يخدعه بحق وعدل ، وكذلك إذا مكر واستهزأ ظالما متعديا ، كان المكر به والاستهزاء عدلا حسنا ..." .
انتهى من " مختصر الصواعق المرسلة " (3 / 739 - 740) .
وهذه الصفات ما دامت لا
تفيد المدح على وجه الإطلاق ؛ فيلزم الآتي :
1- لا يوصف
الله تعالى بها على وجه الإطلاق ، وإنما يوصف بها ، في سياق ما جاءت به النصوص ، وهو الوجه الذي يقتضي المدح ، وتكون من صفات
الكمال كما هو الحال في الآيات السابقة .
2- ولا
يجوز أن يشتق منها اسم يسمى به
الله تعالى .
قال ابن القيم رحمه
الله :
" فعلم أنه لا
يجوز ذم هذه
الأفعال على الإطلاق ، كما لا تمدح على الإطلاق ، والمكر والكيد والخداع لا يذم من جهة العلم ، ولا من جهة القدرة ، فإن العلم والقدرة من صفات
الكمال ، وإنما يذم ذلك من جهة سوء القصد وفساد الإرادة ، وهو أن الماكر المخادع يجور ويظلم ، بفعل ما ليس له فعله ، أو ترك ما يجب عليه فعله .
إذا عرف ذلك فنقول : إن
الله تعالى لم يصف نفسه بالكيد والمكر والخداع والاستهزاء مطلقا ، ولا ذلك داخل في أسمائه الحسنى ، ومن ظن من الجهال المصنفين في شرح الأسماء الحسنى أن من أسمائه الماكر ، المخادع ، المستهزئ ، الكايد ، فقد فاه بأمر عظيم تقشعر منه الجلود ، وتكاد الأسماع تصم عند سماعه .
وغر هذا الجاهل أنه سبحانه وتعالى أطلق على نفسه هذه
الأفعال ؛ فاشتق له [الذي اشتق هو من يرد عليه ابن القيم ] منها أسماء ، وأسماؤه كلها حسنى ؛ فأدخلها في الأسماء الحسنى ، وأدخلها وقرنها بالرحيم الودود الحكيم الكريم ، وهذا جهل عظيم ، فإن هذه
الأفعال ليست ممدوحة مطلقا ، بل تمدح في موضع ، وتذم في موضع ، فلا
يجوز إطلاق أفعالها على
الله مطلقا ، فلا يقال : إنه
تعالى يمكر ويخادع ، ويستهزئ ويكيد .
فكذلك بطريق الأولى : لا يشتق له منها أسماء يسمى بها ، بل إذا كان لم يأت في أسمائه الحسنى المريد ولا المتكلم ولا الفاعل ولا الصانع ، لأن مسمياتها تنقسم إلى ممدوح ومذموم ، وإنما يوصف بالأنواع المحمودة منها ، كالحليم والحكيم ، والعزيز والفعال لما يريد، فكيف يكون منها الماكر المخادع المستهزئ ؟
ثم يلزم هذا الغالط أن يجعل من أسمائه الحسنى الداعي والآتي ، والجائي والذاهب ، والقادم والرائد ، والناسي والقاسم ، والساخط والغضبان واللاعن ، إلى أضعاف أضعاف ذلك من الأسماء
التي أطلق على نفسه أفعالها في القرآن ، وهذا لا يقوله مسلم ولا عاقل " .
انتهى من " مختصر الصواعق المرسلة " (3 / 745 - 746) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله تعالى :
" وأما صفة
الكمال بقيد ؛ فهذه لا يوصف
الله بها على الإطلاق إلا مقيدا ، مثل : المكر ، والخداع ، والاستهزاء .. وما أشبه ذلك ، فهذه الصفات كمال بقيد ، إذا كانت في مقابلة من يفعلون ذلك ، فهي كمال ، وإن ذكرت مطلقة ، فلا تصح بالنسبة لله عز وجل ، ولهذا لا يصح إطلاق وصفه بالماكر أو المستهزئ أو الخادع ، بل تقيّد ، فنقول : ماكر بالماكرين ، مستهزئ بالمنافقين ، خادع للمنافقين ، كائد للكافرين ، فتقيدها ؛ لأنها لم تأت إلا مقيدة " .
انتهى من " شرح العقيدة الواسطية " (1 / 143) .
وينظر للفائدة : "القواعد الكلية للأسماء والصفات" د. إبراهيم البريكان (185-194) ، "معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء
الله الحسنى" ، د. محمد خليفة التميمي (318-329) .
والله أعلم .
موقع الإسلام سؤال وجواب
hgHtuhg hgjd gh jtd] hg;lhg Ygh lrd~]m K ig d[,. ,wt hggi juhgn fih ? hgHtuhg hggi hgjd hg;ghl juhgn jtd] fih d[,. Ygh