الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلآم علي أشرف الخلق أجمعين ،
مُحمّد المبعوث رحمة للعالمين ، و على آله و صحبه ومن اهتدى بهديه أفضل الصلآة و تمام التسليم ،،
رُوّاد هذا الصّرح العريق ، صرح العاشق .. السلآم عليكم ورحمة الله وبركاته .. ثم أما بعد :
لا يزال العالم يخلو ممن عطُرت سيرتهم ، و حَسُنت آثارهم ، و عَظُمت مواقفهم ، و شَرٌفت أقوالهم
و صدقت نياتهم ، إنني اليوم على أعتاب طرحِ سيرة هي من أعطر السير ، ومن أشرف الآثار .
امام الاسلام وشيخه .. من جاهد في الاسلام حتى قضى قرابة عُمره في السجن نتاجاً عن جهاده
لن أثطيل مقدمتي ، فإبن تيمية لا تصفه مقدمتي !!
هو أحمد تقي الدين أبو العباس بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمية الحراني .
وقيل في سبب تسمية عائلته بآل (تيمية) ما نقله ابن عبد الهادي رحمه الله : (أن جده محمداً كانت أمه تسمى (تيمية)، وكانت واعظة، فنسب إليها، وعرف بها.
وقيل: إن جده محمد بن الخضر حج على درب تيماء، فرأى هناك طفلة، فلما رجع وجد امرأته قد ولدت بنتاً له فقال: يا تيمية، يا تيمية، فلقب بذلك) .
ولد رحمه الله يوم الاثنين، عاشر، وقيل: ثاني عشر من ربيع الأول سنة 661هـ. في حرّان .
وفي سنة 667هـ ، انتقلت عائلته الى دمشق و استقرّوا بها ، طلب فيها العلم ، ونشأ نشأة
العلماء ، أتقن علوم الدين و الفتوى و الفقه و الشريعة و الحساب و الخط و حفظ القرآن
قرأ العربية و فهمها ، أتقن فنون نحو سيبويه ، بَهَر أهل دمشق بسعة ذكائه ، وعُلوّ فطنته
و سرعة حفظه ، فكان رحمه الله سريع الحفظ قليل النسيان ، وكان حسن الاستنباط
بليغاً ، مُتعدد الحُجّة .
كان عفيفاً ، زاهداً مُقتصداً ، غير مسرفٍ في ماكله وملبسه ، تقياً ، بارّاً ، ورعاً ، عارفاً ، عابداً
آمرا بالمعروف ، ناهياً عن المُنكر ، شُجاعاً ، كريماً ، خلوقاً ، مُحسناً ذو خير ،،
أما تعبده رضي الله عنه فإنه قد قطع جل وقته وزمانه فيه حتى انه لم يجعل لنفسه شاغلة تشغله عن الله تعالى ما يراد له لا من أهل ولا من مال
وكان في ليله متفردا عن الناس كلهم خاليا بربه عز وجل ضارعا مواظبا على
تلاوة القرآن العظيم مكررا لأنواع التعبدات ، وكان إذا ذهب الليل وحضر مع الناس
بدأ بصلاة الفجر يأتي بسنتها قبل إتيانه إليهم وكان إذا احرم بالصلاة تكاد
تتخلع القلوب لهيبة إتيانه بتكبيرة الإحرام ، وكان إذا قرأ يمد قراءته مدا كما
صح في قراءة رسول الله وكان ركوعه وسجوده وانتصابه عنهما من اكمل
ما ورد في صلاة الفرض .
فإذا فرغ من الصلاة أثنى على الله عز وجل هو ومن حضر
بما ورد من قوله اللهم " أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام "
ثم يقبل على الجماعة ثم يأتي بالتهليلات الواردات حينئذ ثم يسبح الله
ويحمده ويكبره ثلاثا وثلاثين ويختم المائة بالتهليل كما ورد وكذا الجماعة
ثم يدعو الله تعالى له ولهم وللمسلمين أجناس ما ورد.
وكان غالب دعائه: "اللهم انصرنا ولا تنصر علينا وامكر لنا ولا تمكر علينا
واهدنا ويسر الهدى لنا اللهم اجعلنا لك شاكرين
لك ذاكرين لك أواهين لك مخبتين إليك راغبين إليك راهبين لك
مطاويع ربنا تقبل توباتنا واغسل حوباتنا وثبت حججنا واهد
قلوبنا اسلل سخيمة صدورنا، يفتتحه ويختمه
بالصلاة على النبي ثم يشرع في الذكر".
وقيل فيه :
" ثم انه كان يركع، فإذا أراد سماع حديث في مكان آخر
سارع إليه من فوره مع من يصحبه.
فقل أن يراه أحد ممن له بصيرة إلا وانكب على يديه يقبلهما
حتى انه كان إذا رأه أرباب المعايش يتخطون من
حوانيتهم للسلام عليه والتبرك به وهو مع هذا يعطي
كلا منهم نصيبا وافرا من السلام وغيره
وإذا رأى منكرا في طريقه أزاله أو سمع بجنازة سارع إلى
الصلاة عليها أو تأسف على فواتها وربما ذهب إلى قبر
صاحبها بعد فراغه من سماع الحديث فصلي عليه. ثم يعود
إلى مسجده فلا يزال تارة في إفتاء الناس وتارة في قضاء
حوائجهم حتى يصلي الظهر مع الجماعة ثم كذلك بقية يومه.
وكان مجلسه عاما للكبير والصغير والجليل وال**** والحر والعبد
والذكر والأنثى قد وسع على كل من يرد عليه من الناس يرى كل
منهم في نفسه ان لم يكرم أحدا بقدره
وكان رضي الله عنه كثيرا ما يرفع طرفه إلى السماء لا يكاد يفتر
من ذلك كأنه يرى شيئا يثبته بنظره فكان هذا دابة مدة إقامتي بحضرته.
وكان في كل أسبوع يعود المرضى خصوصا الذين بالمارستان
واخبرني غير واحد ممن لا يشك في عدالته أن جميع زمن الشيخ
ينقضي على ما رأيته فأي عبادة وجهاد افضل من ذلك فسبحان
الموفق من يشاء لما يشاء.
ابتلي *رحمه الله* في سبيل إظهار الحق وبيانه، ونصيحة المسلمين،
فصبر، فقد وُشي به لدى السلطان، واتهم بالباطل زورًا وبهتانًا،
وسُجن بسبب ذلك مرارًا، ليُثنى عن منهجه، ويُحال بينه وبين الناس،
ولكنه قابل ذلك كله بالصبر على قَدَر الله،
والرضا بقضائه، والحِلْم على من آذاه، والعفو عنهم،
ولا أدلّ على ذلك من رسالته التي بعثها من مصر إلى أهله وأنصاره في دمشق،
يدعوهم فيها إلى تأليف القلوب وجمع الكلمة، وإصلاح ذات البين،
ويحذرهم فيها من أذية مـن آذاه أو إهانتهـــم،
يقــول فيهــا : (تعلمــون رضي الله عنكـم،
أنــي لا أحب أن يُؤذى أحدٌ من عموم المسلمين
فضلاً عن أصحابنا بشيء أصلاً،
بل لهم عندي من الكرامة والإجلال والمحبة والتعظيم،
أضعاف أضعاف ما كان، كل بحسبه، ولا يخلو الرجل إما أن
يكون مجتهـدًا مصيبًا أو مخطئًا أو مذنبًا، فالأول مشكور،
والثاني مع أجره على الاجتهاد فمعفو عنه، مغفور له،
والثالث فالله يغفر لنا وله ولسائر المسلمين، فنطوي بساط
الكلام لهذا الأصل، كقول القائل : فلان قصر، فلان ما عمل،
فلان أوذي الشيخ بسببه، فلان كان سبب هذه القضية،
فلان يتكلم في كيد فلان، ونحو هذه الكلامات التي فيها
مذمة لبعض الأصحاب والإخوان، فإني لا أسامح من آذاهم من هذا البـاب،
ولا حول ولا قوة إلا بالله...) (25).
اتصف بسلامة النفس، والبراءة من التشفي والانتقام حتى ممن كاده .
جامع بين العلم والعمل، والسيف والقلم:
ويكون مع ذلك من فرسان العمل والكفاح، ويجمع بين القلم والسيف، جريئاً على الملوك في الصدع بالحق،
لا يحجم عن قيادة الجيش الإسلامي أمام أضرى عدد ومثل الوحوش التتر، ويعرفه كل من حلق الدرس،
وزوايا المكتبات، وخلوات المساجد،ومجالس المناظرة، ومعتقلات السجون، وساحات الحرب كفارس عظيم
ورجل ذي شكيمة، مبجلاً في كل عين ومعترفاً بإمامته في كل طبقة.
كان القرن الثامن بحاجة إلى مثل هذا الرجل الكامل الذي يسع نشاطه
كل مجال من مجالات الحياة من غير أن تنزوي جهوده وأعماله
في زاوية واحدة أوتتركز على جانب واحد، كان ذلك الرجل
هو شيخ الإسلام الحافظ ابن تيمية الذي ملأ العالم الإسلامي
بنشاط وحياة تحركات علمية وعملية لا تزال آثارها خالدة باقية
على مر القرون والأجيال.
تصدى ابن تيمية لمحاربة الفساد المستشري في أمة الإسلام
والمتمثل في الحكام والعباد من المتصوفة والمبتدعة والخرافيين،
فقاومه بالحجة والبرهان وانبرى لمقاومته الحكام بالوعيد والتهديد،
والسجن والحرمان، وتصدى له العلماء، بالإنكار والتشنيع والوشايات
لدى الحكام وتصدى له المتصوفة والمبتدعة بالكيد والمكر والدس
والخداع والكذب والتضليل.
لم يحِد رحمه الله عن النُصح و التناصح ، وتبادل المنافع ، حتى بعد سجنه فقد كتب الكثير من داخل السجن نذكر من كتاباته و رسائله ما تيسر ..!
" نحن ولله الحمد والشكر، في نعم عظيمة، تتزايد كل يوم،
ويجدد الله تعالى من نعمه نعماً أخرى، وخروج الكتب كان من أعظم
النعم فإني كنت حريصاً على خروج شيء منها، لتقفوا عليه،
وهم كرهوا خروج الاخنائية، فاستعملهم الله تعالى في إخراج الجميع،
وإلزام المنازعين بالوقوف عليه. وبهذا يظهر ما أرسل الله به
رسوله من الهدى ودين الحق.
فإن هذه المسائل كانت خفية على أكثر الناس. فإذا ظهرت فمن
كان قصده الحق هداه الله، ومن كان قصده الباطل قامت عليه حجة الله،
واستحق أن يذله الله ويخزيه.
وما كتبت شيئاً من هذا ليكتم عن أحد، ولو كان مبغضاً، والأوراق
التي فيها جواباتكم غسلت وأنا طيب وعيناي طيبتان أطيب ما كانتا،
ونحن في نعم عظيمة لا تحصى ولا تعد،
والحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه.
كل ما يقضيه الله تعالى فيه الخير والرحمة والحكمة
{إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو القوي العزيز}، العليم الحكيم،
ولا يدخل على أحد ضرر إلا من ذنوبه ما أصابك من حسنة فمن الله،
وما أصابك من سيئة فمن نفسك فالعبد عليه أن يشكر الله
ويحمده دائماً على كل حال، ويستغفر من ذنوبه، فالشكر
يوجب المزيد من النعم، والإستغفار يدفع النقم، ولا يقضي
الله للمؤمن قضاء إلا كان خيراً له [إن أصابته سراء شكر وإن أصابته ضراء صبر،
فكان خيراً له]. أ.هـ (العقود الدرية ص364-367).
"لو كان كل ما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة"
***
"الناس لا يفصل بينهم النزاع إلا كتاب منزل من السماء ،
و إذا ردوا إلى عقولهم فلكل واحد منهم عقل"
***
"سئل شيخ الإسلام ابن تيمية : أيهما أنفع للعبد؟ التسبيح أم الاستغفار؟
فأجاب: إذا كان الثوب نقياً فالبخور وماء الورد أنفع له ،
وإذا كان دنساً فالصابون والماء الحار أنفع له.
فالتسبيح بخور الأصفياء و الاستغفار صابون العصاة"
*** " العبادة إرادة، والاستعانة وسيلة إلى العبادة النبوات "
*** " من كان إيمانه أقوى من غيره، كان جنده من الملائكة أقوى "
*** " فالعبد دائما بين نعمة من الله يحتاج فيها إلى شكر، وذنب منه يحتاج
فبه إلى الاستغفار "
*** " من ثبت إسلامه بيقين لم يَزُلْ ذلك عنه بالشك،
بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة، وإزالة الشبهة " *** " كل ثواب يحصل لنا على أعمالنا فله صلى الله عليه وسلم مثل أجرنا
من غير أن ينقص من أجرنا شيء "
تتلمذ شيخ الاسلام على يد نخبة من العلماء منهم
- جده الشيخ المجد ابن تيمية
- الشيخ زين الدين ابن المنجا
- الشيخ مجد الدين ابن عساكر وغيرهم
وتتلمذ على يديه الكثير ايضاً :
- محمد بن عبد الهادي المقدسي
- شمس الدين ابن قيم الجوزية
- أبو عبد الله محمد الذهبي صاحب
- إسماعيل بن عمر بن كثير
- أبو العباس أحمد بن الحسن الفارسي المشهور بقاضي الجبل
- زين الدين عمر الشهير بابن الوردي
شهادة ابن عبدالهادي
قال الحافظ محمد بن أحمد بن عبدالهادي في
(العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية):
انبهر أهل دمشق من فرط ذكائه، وسيلان ذهنه،
وقوة حافظته، وسرعة إدراكه. واتفق أن بعض مشايخ العلماء بحلب
قدم إلى دمشق، وقال: سمعت في البلاد بصبي يقال له:
أحمد بن تيمية، وأنه سريع الحفظ، وقد جئت قاصداً، لعلي أراه،
فقال له خياط: هذه طريق كتّابه، وهو إلى الآن ما جاء. فاقعد عندنا،
الساعة يجيء يعبر علينا ذاهباً إلى الكتّاب (مدرسة صغيرة لتحفيظ القرآن).
فجلس الشيخ الحلبي قليلاً، فمر صبيان،
فقال الخياط: هذاك الصبي الذي معه اللوح الكبير:
هو أحمد بن تيمية. فناداه الشيخ. فجاء إليه. فتناول الشيخ
اللوح منه، فنظر فيه ثم قال له: امسح يا ولدي هذا،
حتى أملي عليك شيئاً تكتبه، ففعل، فأملى عليه
من متون الأحاديث أحد عشر، أو ثلاثة عشر حديثاً،
وقال له: اقرأ هذا، فلم يزد على أن تأمله مرة بعد كتابته إياه.
ثم دفعه إليه، وقال: اسمعه عليّ، فقرأه عليه عرضا كأحسن
ما أنت سامع. فقال له: يا ولدي، امسح هذا، ففعل.
فأملى عليه عدة أسانيد انتخبها، ثم قال: اقرأ هذا،
فنظر فيه، كما فعل أول مرة. ثم أسمعه إياه كالأول.
فقام الشيخ وهو يقول: إن عاش الصبي ليكونن له شأن عظيم. فإن هذا لم يُرَ مثله.
الإمام الذهبي
قال الذهبي في معجم شيوخه
: أحمد بن عبدالحليم -وساق نسبه- الحراني،
ثم الدمشقي، الحنبلي أبو العباس، تقي الدين، شيخنا وشيخ الإسلام،
وفريد العصر علماً ومعرفة، وشجاعة وذكاء،
وتنويراً إلهياً، وكرماً ونصحاً للأمة، وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر.
سمع الحديث، وأكثر بنفسه من طلبه، وكتب وخرج،
ونظر في الرجال والطبقات، وحصل ما لم يحصله غيره.
برع في تفسير القرآن، وغاص في دقيق معانيه بطبع سيال،
وخاطر إلى مواقع الإشكال ميال، واستنبط منه أشياء لم يسبق إليها.
وبرع في الحديث وحفظه، فقلّ من يحفظ ما يحفظه من الحديث،
معزواً إلى أصوله وصحابته، مع شدة استحضاره له وقت إقامة الدليل.
وفاق الناس من معرفة الفقه، واختلاف المذاهب،
وفتاوي الصحابة والتابعين، بحيث إنه إذا أفتى لم يلتزم بمذهب،
بل يقوم بما دليله عنده. وأتقن العربية أصولاً وفروعاً، وتعليلاً واختلافاً.
ونظر في العقليات، وعرف أقوال المتكلمين، وردّ عليهم، ونبّه على خطئهم، وحذّر منهم ونصر السنة بأوضح حجج وأبهر براهين. وأوذي في ذات الله من المخالفين،
وأخيف في نصر السنة المحضة، حتى أعلى الله مناره،
وجمع قلوب أهل التقوى على محبته والدعاء له، وكبت أعداءه،
وهدى به رجالاً من أهل الملل والنحل، وجبل قلوب الملوك والأمراء على الإنقياد له غالباً،
وعلى طاعته، وأحيى به الشام،
بل والإسلام، بعد أن كاد ينثلم بتثبيت أولي الأمر لما أقبل
حزب التتر والبغي في خيلائهم، فظنت بالله الظنون، وزلزل المؤمنون، واشرأّب النفاق وأبدى صفحته. ومحاسنه كثيرة، وهو أكبر من أن ينبه على سيرته
مثلي، فلو حلفت بين الركن والمقام، لحلفت: أني ما رأيت بعيني مثله،
وأنه ما رأى مثل نفسه (طبقات الحنابلة لابن رجب 389،390).
شهادة أبو الحسن السبكي قاضي القضاة
ومما وجد في كتاب كتبه العلامة قاضي القضاة
أبو الحسن السبكي إلى الحافظ أبي عبدالله الذهبي
في أمر الشيخ تقي الدين المذكور: أما قول سيدي
في الشيخ فالمملوك يتحقق كبر قدره. وزخارة بحره.
وتوسعه في العلوم الشرعية والعقلية. وفرط ذكائه واجتهاده.
وبلوغه في كل من ذلك المبلغ الذي يتجاوز الوصف.
والمملوك يقول ذلك دائماً. وقدره في نفسي أكبر من ذلك وأجل.
مع ما جمعه الله له من الزهادة والورع والديانة. ونصرة الحق.
والقيام فيه لا لغرض سواه. وجريه على سنن السلف.
وأخذه من ذلك بالمأخذ الأوفى. وغرابة مثله في هذا الزمان. بل من أزمان.
سبع وخمسون عاماً أمضاها الشيخ وهي عمره في جهاد مرير
وسعي متواصل، ودعوة دائمة إلى الله عز وجل حتى أتته المنية مسجوناً
بقلعة دمشق في سعاية للواشين والحاسدين من عباد القبور أنه
يمنع الناس من زيارة الرسول والصالحين والصحيح أنه نهى الناس
عن شد الرحال إليها مؤكداً أن زيارتهم سنة مستحبة
وهذا قد ذكرناه في مقدمة الكتاب، وفي ردنا على المفتري الكذاب..
أقول كان لا بد بعد ذلك أن يستريح الشيخ ويؤوي -بحمد الله ومشيئته وفضله-
إلى جنة الله ورضوانه وكانت جنازة لا يعهد تاريخ الإسلام مثلها إلا لإمام
أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل رضي الله عنه وهاك
وصفاً حياً لجنازته كما رواها ابن كثير في تاريخه.
وفاة شيخ الإسلام أبي العباس تقي الدين أحمد بن تيمية
قال الشيخ علم الدين البرزالي في تاريخه:
وفي ليلة الاثنين العشرين من ذي القعدة توفي الشيخ الإمام العالم
العلم العلامة الفقيه الحافظ الزاهد العابد المجاهد القدرة
شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن شيخنا الإمام العلامة
المفتي شهاب الدين أبي المحاسن عبدالحليم بن الشيخ الإمام
شيخ الإسلام أبي البركات عبدالسلام بن عبدالله بن أبي القاسم
محمد بن الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبدالله بن تيمية الحراني ثم الدمشقي،
بقلعة دمشق بالقاعة التي كان محبوساً بها،
وحضر جمع كثير إلى القلعة، وأذن لهم في الدخول عليه،
وجلس جماعة عنده قبل الغسل وقرأوا القرآن وتبركوا برؤيته وتقبيله،
ثم انصرفوا فلما فرغ من غسله أخرج ثم اجتمع الخلق بالقلعة
والطريق إلى الجامع وامتلأ الجامع أيضاً وصحنه والكلاسة
وباب البريد وباب الساعات إلى باب اللبادين والغوارة،
وحضرت الجنازة في الساعة الرابعة من النهار أو نحو ذلك
ووضعت في الجامع، والجند قد احتاطوا بها يحفظونها من الناس
من شدة الزحام، وصلى عليه أولاً بالقلعة، تقدم في الصلاة عليه
أولاً الشيخ محمد بن تمام، ثم صلى عليه بالجامع الأموي عقيب صلاة الظهر،
وقد تضاعف اجتماع الناس على ما تقدم ذكره، ثم تزايد
الجمع إلى ضاقت الرحاب والأزقة والأسواق بأهلها ومن فيها،
ثم حمل بعد أن صلى عليه على الرؤوس والأصابع،
وخرج النعش به من باب البريد واشتد الزحام وعلت الأصوات بالبكاء
والنحيب والترحم عليه والثناء والدعاء له، وألقى الناس على
نعشه مناديلهم وعمائمهم وثيابهم، وذهبت النعال من أرجل الناس
وقباقيبهم ومناديل عمائم لا يلتفتون إليها لشغلهم بالنظر إلى الجنازة،
وصار النعش على الرؤوس تارة يتقدم وتارة يتأخر، وتارة يقف حتى تمر الناس.
وخرج الناس من الجامع من أبوابه كلها وهي شديدة الزحام،
كل باب أشد زحمة من الآخر، ثم خرج الناس من أبواب البلد
جميعها من شدة الزحام فيها، لكن كان معظم الزحام من الأبواب الأربعة:
باب الفرج الذي أخرجت منه الجنازة،
وباب الفراديس، وباب النصر، وباب الجابية. وعظم الأمر بسوق الخيل
وتضاعف الخلق وكثر الناس، ووضعت الجنازة هناك وتقدم للصلاة عليه
هناك أخوه زين الدين عبدالرحمن، فلما قضيت الصلاة حمل
إلى مقبرة الصوفية فدفن إلى جانب أخيه شرف الدين عبدالله رحمهما الله،
وكان دفنه قبل العصر بيسير، وذلك من كثرة من يأتي
ويصلي عليه من أهل البساتين وأهل الغوطة وأهل القرى وغيرهم،
وأغلق الناس حوانيتهم ولم يتخلف عن الحضور إلا من هو عاجز عن الحضور،
مع الترحم والدعاء له، ولو أنه قدر ما تخلف، وحضر نساء كثيرات
بحيث حزرن بخمسة عشر ألف امرأة، غير اللاتي
كن على الأسطح وغيرهن، الجميع يترحمن ويبكين عليه فيما قيل.
وأما الرجال فحزروا بستين ألفاً إلى مائة ألف إلى أكثر من ذلك إلى
مائتي ألف وشرب جماعة الماء الذي فضل من غسله، واقتسم جماعة
بقية السدر الذي غسل به، ودفع في الخيط الذي كان فيه الزئبق
الذي كان في عنقه بسبب القمل مائة وخمسون درهماً وقيل
إن الطاقية التي كانت على رأسه دفع فيها خمسمائة درهم.
وحصل في الجنازة ضجيج وبكاء كثير وتضرع وختمت له ختمات
كثيرة بالصالحية وبالبلد وتردد الناس إلى قبره أياماً كثيرة ليلاً ونهاراً يبيتون
عنده ويصحون، ورؤيت له منامات صالحة كثيرة، ورثاه جماعة بقصائد جمة.
توفي رحمه اللهوهو يتلو قول الله " إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليكٍ مُقتدر "
رفعت لكم نسخة من 6 كُتب للشيخ اتمنى ان تنال رضاكم ..