تقدم أنه يحرم اتخاذ القبور مساجد ؛ وحينئذ فإدخال القبر بالمسجد حرام .
وإذا اجتمع القبر والمسجد فلهما حالتان : - - ص 36 - الحالة الأولى : أن يبنى المسجد أولا ثم يدخل فيه القبر ، فلا يخلو هذا القبر من أمرين : -
أحدهما : أن يكون جديدا ، فـيجب نبشه وإزالتـه عن المسجد تماما ، وتسقط حرمته إن كـان مسلما ، باعتدائه أو اعتداء من أدخله المسـجد . لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ليس لعرق ظالم حق . رواه أبو داود والترمذي .
وثانيهما : أن يكون القبر قديما ، لكـنه بعد المسجـد . فذكر ابن تيمية : أن هذا القبر يسوى .
والذي يظهر لي : أنه يجب نبشه ، وإخـراج عظامه ولحـمـه ، وما خالطها من تراب ، واستبدال تراب طاهر به إن كان الميت مسلما ، فإن كان كافرا فـمن باب أولى ، لما ذكرته من الأدلة آنفا ، ولاتفاق العلماء على تحريم دفن الميت بالمسجد ولأن حماية المسجد واجبة ؛ إذ هو حق مشاع للأحياء ، وليس للأموات فيه مشاركة ، فلا بد من إخراجه .
أما الصلاة في هذا المسجد فصحيحة ، لكونه بني خالصا لله تعالى في أرض تجوز الصلاة فيها . وينبغي للمصلي أن يجتنب استقبال القبر ما وسعه ذلك ، فإن استقبله في صلاته معظما له فـهو على خطر عظيم . - ص 37 - الحالة الثانية : أن يكون القبر قد وضع أولا ، ثم بني عليه مسجد .
فهذه الحالة هي التي نص الرسول - صلى الله عليه وسلم - على لعن من يفعلها ، وقد حدثـت إقامة المشاهد على القبور في وسط المساجد ، وحصل فيها بلاء وكـفر بالله ، وما تزال في بعض مساجد المسلمين اليوم ، وأغلبها لأناس يزعم القائـمـون عليـهـا أنـهم من الصـحـابة أو التـابـعين ، كـالحسين بن علي وزينب وغيرهما . وهي في الحـقيقة ليست لهم .
وقـد أنكـر المحـقـقون للتوحـيد هذه الأعمال ، وبينوا حـكـمـهـا للناس .
والصلاة في هذه المساجد محرمة عند جمع من أهل العلم ، لأن المسجد ذاته محرم ، ويجب هدمه ، لما في هذا العمل من مشابهة المشركين ، ولأنه ذريعة إلى الشرك .
وتصح فـي هذه المساجد صلاة الجنازة ، لصحتها بالمقبرة ، وتصح صلاة من سجن بمسجد فيه قبر ، لكونه لا يجد محلا غيره ، وعليه ألا يستقبل القبر ما أمكنه .
وإن كـانت القبور التي بالمسجد لمشركين ، فتنبش ويطهر المسجـد - ص 38 - منها ، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - عند بنائه لمسجده .
وأما أن يوجد القبر والمسجد في آن واحد فهذا نادر جدا ولا يتأتى إلا إذا كان المسجد من مادة يمكن صنعها بسرعة ، كعريش السعف ونحوه . قال ابن القيم : ولو وضع المسجد والقبر معا لم يجز ولم يصح الوقف ولا الصلاة وهذا من باب تغليب الحظر على الإباحة ولأن الأحاديث تشمل هذه الصورة كغيرها مما تقدم ذكره . ولو أن إنسانا أوقف مسجدا وشرط أن يدفن في جانب منه ، لبطل شرطه لمخالفته المشروع . ولربما قيل بحبوط عمله لسوء نيته .