03-28-2017, 08:38 PM
|
|
|
|
|
الهديه القاتله
في إحدى القرى الجاثمة على سفح من سفوح جبال جرجرة العظيمة ، عرين الأمازيغ بمنطقة القبائل الكبرى بالجزائر، نشأت أريناس و قد ألهب مشاعرها فقدان والدتها و لفحها بأواره ، و هي لا تزال غضّة لم تصل بعد إلى سنّ العاشرة ، كانت والدتها قبل وفاتها قد سكبت بفؤادها أسمى الأخلاق و أجلّها ، و أنبل الفضائل و أرفعها .
مرّت السّنون على عجل ، فشبّت أريناس دافئة المشاعر ، مرهفة الحسّ ، زكيّة النّفس ، طيّبة المعشر، أحبّها ابن عمّها ماسين و افتتن بها منذ أن بلغ مبلغ الرّجال .
كانا قد قضيا صغرهما معا ، يلعبان و يمرحان بين البساتين و المروج ، و على ضفاف الجداول و الغدران ، و تحت شجر الزّان و السّنديان ، يجمعان طاقات الورود و حبّات البلّوط ، و يقطفان توت العليق و ثمار القُطْلَب ( لنج ) ، و قد زاد في ألفتهما ما جمعهما من يتم ، و اليتامى يشعرون بما يعتلج من آلام و ما يتردد من أوجاع في أنفس بعضهم بعض ، فيزدادون حنوا على أمثالهم ، و يبسطون أجنحة الرّأفة على من يشاركهم هذا البؤس و من يقاسمهم هذه الفجيعة .
اغتنم ماسين ذهاب أريناس لتملأ الدّلاء من البئر القريبة ، و كشف لها عمّا يجول بداخله ، فأنشأ يقول و الارتباك باديا على محيّاه ، و في تدحرج كلماته : إنّك تعلمين يا ابنة العمّ أنّك الفتاة التي لم أعرف غيرها ، و قد أحببتك منذ الصّغر حبّا بريئا طاهرا ، لم تدنّسه أشواق الجسد و نوازع النّفس ، كحبّ الورود لإطلالة الصّباح ، و عشق الفَراش للزّهر الفوّاح ، و قد تعاظم هذا الحبّ بين جنبيَّ يا قرّة عيني ، حتّى بتِّ اليوم نبض قلبي الذي يبعث فيَ الحياة ، و إذا فقدته فليس لي دونه نجاة ، أنت سحابة الغيث يا أريناس ، و من سواك ؟! و أنا الزّرع فإن لم تجودي فمصيري بلا ريب إلى هلاك ، و إنّي اليوم أطلب يدك للزواج ، و الرأي ما رأيت .
نظرت إليه و قد اغرورقت عيناها ، و جادت بدموعها على وجنتيها و هي تقول : إن لم أكن لك ، فلن أكون لغيرك يا ماسين ، فأنت الشمس التي أستمد منها الضّياء لنفسي إذا أعتمت و سدّ الظّلام آفاقها ، و خيّمت غيلان الوحشة ببطاحها ، كيف تظنّني لك صادّة يا ماسين ، و قلبي الواهن متعلّق بك في سرّه تعلّق النّاسك بِوِرْدِه ( أذكاره ) ، و المَقْرُورُ (من أصابه برد ) بزَنْدِه (القدّاحة) ؟!
فرح ماسين عند سماع جوابها و اغتبط ، و سرعان ما تمّت خطبتهما ، فسرّ جميع الأهل بذلك . و صلت مايا عمّة ماسين توّا بعد سفر طويل من مدينة البُليدة ، و آيات الشؤم و القلق بادية على وجهها ، فاجتمعت بماسين في غرفة المعيشة و قالت له : إنّك تعلم يا ماسين مدى حبّي لك ، و لقد ربّيتك في حجري وليدا، و كنت ولازلت أخاف عليك النّسمة الرّقيقة ، ثمّ صمتت فجأة ، اضطرب ماسين من هيأتها تلك ، و ردّ عليها مستفهما : ما الخطب يا عمّتي و علام هذا الوجوم ؟!
قالت : إنّ أريناس لا تصلح لك زوجة يا بني . لعبت في تلك اللحظات الوساوس بماسين ظهرا على بطن ، و تقاذفته أسوأ الظنون يُمنة و يُسرة . ماسين : و كأنّي بك يا عمّتي تتهمينها بأمر شنيع وقفتِ عليه في غفلة منّي ! كانت مايا ثقيلة السّمع بسبب حمّى ألمّت بها في صغرها ، فلم تسمع ما قاله ، و استمرّت في الحديث : العلّة في الهديّة يا بني ، ماسين : الهديّة ! إذن كانت أريناس قد أخذت هديّة من رجل تعرفه و اكتشفتِ الأمر ، و جئت لتصارحيني بذلك يا عمّتي ، يا لغدر النّساء و مكرهنّ و سرعة تقلّبهنّ و تلونهنّ ! ضاع الحبّ و انطمست معالمه للأبد ، يا حسرتاه على نفسي الكسيرة !
مايا : بلى يا بني ، العلّة في الهديّة التي أهدتك إياها تاليس والدة أريناس ، ماسين : أفقدت عقلك يا عمّتي ، أيّ نوع من الهدايا هذا الذي يمنعني الزّواج من أريناس ؟! و لا أذكر أنّ الخالة تاليس قد أهدتني هديّة كما تدّعين ! مايا : و كيف لك يا ولدي أن تذكر ذلك ، و أنت لاتزال حينها في القماط ، و قد أهدتك تاليس رحمها الله الحياة في رضعات مشبعات من صدرها لما مرضت والدتك ، و لولاها لكنت ميتا ، إنّ أريناس أختك من الرّضاعة ، و الله شهيد على ما أقول ، صعق ماسين لهول الخبر و بقي في غرفته مدهوشا لأيام لا يحرّك ساكنا . علم الجميع بالمسألة ، فحالوا بينهما ، و كان سكان القبائل و لازالوا مستمسكين بتعاليم الإسلام ، راسخ فيهم رسوخ جرجرة في أرضه ، لا يتحلحل عنها مهما ضربت جوانبه الرّياح الزّعازع .
ذبل شباب أريناس فجأة و تلاشت نضارته ، و ضَوِيَ جسدها ( ضعف ) و اصفر لونها ، و أمست شبحا ممدّدا على الفراش، بعد أن فارقت الطّعام و الشّراب ، وهي تنتحب و تبكي حبّها المنكوب مردّدة : ما أسعدك يا بلابل الحبّ الطّليقة فوق الأغصان ، لا يصدّك عن الحبيب صاد ! و ما أتعسني في أسمال شقوتي ، مثقلة بالهموم مكبّلة بغير أصفاد( قيود ) ! ما ألطف الربيع ! بين أحضانه يلثم النّحلُ و الفراشُ أجمل الزّهرِ ، و ما أقسى الدّهر ! حيث أرشفني عنوة مرارة القهرِ ، و ها هي أمالي تسحقها الأقدار السّاخرة نصب عيني ، ليبقى حبّي لك يا ماسين سرمديّا تسقيه حسرة الفراق و تنعشه أنفاس الموت التي باتت أسمى المنى و أعذب الرّجاء ثم جادت بروحها إلى بارئها بعد أيّام قلائل .
سمع ماسين الخبر ، ففقد عقله و هام على وجهه في قمم جرجرة و منحدراتها و على رباها ، يصعد النّجاد و ينزل الوهاد لا يأبه لأحد و لا يلوي على شيء ، وقد استأنس الوحش وسكون الخلاء ، أينما حدّق رأى صورة أريناس و الحزنُ مرتسم على محياها الجميل ، فيخاطبها بلوعة : يا لها من هديّة قاتلة ، ليتني متّ قبل أن تصل إلى أحشائي ، صدقت يا أريناس ، يا نغمة الرّوح الفانية ، كيف للنّاسك النّبيل أن يعيش إذا حيل بينه و بين ورده ، ؟! و كيف للمقرور في ليالي البرد و الصّقيع أن يحيا إذا حرم زنده ( القدّاحة) ؟!و بقي على هذه الحال حتّى وُجد ميتا في الشّعاب المجاورة ، و هو يعانق خمار أريناس المبلّل بدموعه . |
hgi]di hgrhjgi
تسلم يدينك غلاتي امجاد على الأهداء الرائع
اشكرك ياخياط على هذا تكريم الرائع ما قصرت ربي يسعدك
شكرا على تكريم الرائع ما قصرتي شموخي ياقلبي
|
03-30-2017, 10:43 AM
|
#2
|
رد: الهديه القاتله
تسلم الايادي على الطرح الراقي
لاحرمنا من حضوركِ وإبداعكِ المتميز
دمتي بهذا العطاء بالاحدوود
|
|
|
03-30-2017, 05:00 PM
|
#3
|
رد: الهديه القاتله
منوره بمرورك العطر يالغلا
|
|
|
03-31-2017, 03:29 AM
|
#4
|
رد: الهديه القاتله
طرح اكثر من رائع
سلمت اناملك
ويعطيك الله العافيه على مجهودك
في أنتظار المزيد
والمزيد من عطائك ومواضيعك الرائعه والجميله
ودائما في إبداع مستمر
|
|
|
03-31-2017, 08:57 PM
|
#5
|
رد: الهديه القاتله
|
|
|
03-31-2017, 09:03 PM
|
#6
|
رد: الهديه القاتله
,‘*
أختيااار أكـثر من رااائـع ’
وُجودك لـه وآقعٌ مُختلف / وكله تميز ..
شُكراً تمتد عميقاً وتنتشي لك بالورد
|‘,
|
|
|
04-01-2017, 03:56 PM
|
#7
|
رد: الهديه القاتله
|
|
|
04-02-2017, 09:44 PM
|
#8
|
رد: الهديه القاتله
*،
سلمت آناملك لروعة طرحهآ
ودي لك ولروحك
|
|
|
04-03-2017, 08:07 PM
|
#9
|
رد: الهديه القاتله
|
|
|
04-03-2017, 08:36 PM
|
#10
|
رد: الهديه القاتله
طرح رآئع وراقي
تحية عطرة ل روحك الجميلة
شكراً لك من القلب على هذآ العطاء
|
|
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 11:35 AM
| | | | | | | | | |