السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سؤالي هو: هل يجوز أن يقال: إن
الزمن غدار؟ وما الدليل على ذلك؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فالذي يظهر لي –والله تعالى أعلم- ما يلي:
هذا القول من القائل يحتمل أمرين:
الأمر الأول: السبّ للدهر وهو الزمان وذمّه وهذا ظاهر النص؛ لأن الغدر صفة ذم وسبّ، وإذا كان هذا مراد القائل فهذا لا يجوز؛ لورود النص الصحيح الصريح بالنهي عن سب الدهر، كما في حديث أبي هريرة –رضي الله تعالى عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: قال الله –تعالى-:"يؤذيني ابن آدم يسب
الدهر وأنا
الدهر أقلب الليل والنهار" رواه البخاري (4826)، وفي رواية زيادة "بيدي الأمر" وفي مسلم (2246): "لا تسبوا
الدهر فإن الله هو الدهر" وذلك لما في سب
الدهر من مفاسد، ومنها:
1. أنه سبّ من ليس أهلاً للسب، فإن
الدهر خلق مسخر من خلق الله –تعالى- منقاد لأمره متذلل لتسخيره، فسابّه أولى بالذم والسب منه.
2. أن سبه متضمن للشرك وذلك إنما سبه لظنه أنه يضر وينفع وأنه مع ذلك ظالم له قد غدر بمن لا يستحق الغدر.
3. أن السب إنما يقع على من فعل هذه الأفعال، فسبهم للدهر هو في حقيقته سب لله –تعالى-؛ لأن الله هو الذي يقلب الليل والنهار ويدبر الأمر فيهما، فالساب دائر بين أمرين لا بد له من أحدهما: إما مسبة الله أو الشرك به –تعالى- فإن اعتقد أن
الدهر فاعل فهو مشرك، وإن اعتقد أن الفاعل هو الله فهو سابّ لله –تعالى-.
4. أن السب فيه اعتراض على قدر الله الكوني؛ لأنه لا يكون إلا ما يريده –تعالى-.
الأمر الثاني: ألا يريد السب والذم، وإنما يريد وصف الواقع، فإذا كان هذا هو المراد فذكر وصف الزمان بحقيقته جائز، كأن يقال: هذا يوم حار وهذه أيام نحسات ويوم عصيب ونحوها، لكن الغدر ليس من أوصاف الزمان وهذا كذب لا يجوز، وما يقع في
الدهر من أمور فإنما هي بتقدير الله –تعالى- وخلقه وإيجاده، وأما
الزمن فليس له خلق ولا إيجاد ولا فعل، وإنما هو محل لهذه المقادير، وعليه فهذا التعبير لا يجوز على الحالتين.
المجيب: فضيلة الشيخ د. عبد الله بن عمر الدميجي
.............................. ...................
وايضـآًً :
و اسمح لي باضفة تفسير حديث " لا تسبوا
الدهر فإن الله هو الدهر":\-
- قال النووي ، قالوا : هو مجاز وسببه أن العرب كان شأنها أن تسب
الدهر عند النوازل والحوادث والمصائب النازلة بها من موت أو هرم أو تلف مال أو غير ذلك فيقولون " يا خيبة
الدهر " ونحو هذا من ألفاظ سب
الدهر فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تسبوا
الدهر فإن الله هو
الدهر "أي : لا تسبوا فاعل النوازل فإنكم إذا سببتم فاعلها وقع السب على الله تعالى لأنه هو فاعلها ومنزلها ، وأما
الدهر الذي هو الزمان فلا فعل له بل هو مخلوق من جملة خلق الله تعالى .
ومعنى " فإن الله هو
الدهر " أي : فاعل النوازل والحوادث وخالق الكائنات والله أعلم . شرح مسلم/ ( 15 / 3 ) .
وينبغي أن يعلم أنه ليس من أسماء الله اسم "
الدهر " وإنما نسبته إلى الله تعالى نسبة خلق وتدبير ، أي : أنه خالق
الدهر ، بدليل وجود بعض الألفاظ في نفس الحديث تدل على هذا مثل قوله تعالى : " بيدي الأمر أقلِّب ليلَه ونهارَه " فلا يمكن أن يكون في هذا الحديث المقلِّب - بكسر اللام - والمقلَّب - بفتح اللام - واحداً ، وإنما يوجد مقلِّب - بكسر اللام - وهو الله ، ومقلَّب - بفتح اللام - وهو
الدهر ، الذي يتصرف الله فيه كيف شاء ومتى شاء .انظر " فتاوى العقيدة " للشيخ ابن عثيمين ( 1 / 163 ) .
- قال الحافظ ابن كثير - عند قول الله تعالى : { وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا
الدهر } [ الجاثية / 24 ] : قال الشافعي وأبو عبيدة وغيرهما في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تسبوا
الدهر فإن الله هو
الدهر " كانت العرب في جاهليتها إذا أصابهم شدة أو بلاء أو نكبة قالوا : " يا خيبة
الدهر " فيسندون تلك الأفعال إلى
الدهر ويسبونه وإنما فاعلها هو الله تعالى فكأنهم إنما سبوا الله عز وجل لأنه فاعل ذلك في الحقيقة فلهذا نهى عن سب
الدهر بهذا الاعتبار لأن الله تعالى هو
الدهر الذي يصونه ويسندون إليه تلك الأفعال .
وهذا أحسن ما قيل في تفسيره ، وهو المراد . والله أعلم، تفسير ابن كثير / ( 4 / 152 ) .