تعريفه:
لغة: هو الانتفاع.
وشرعاً: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ( شوال وذي القعدة وعشر ذي الحجة ) ويفرغ منها ويتحلل بطواف وسعي وتقصير، ويحل له كل شيء من محظورات الإحرام، ثم يحرم بالحج في نفس العام.
وسمي تمتعاً لأن الإنسان يتمتع فيه بما أحل الله له بين النسكين العمرة والحج.
فضله:
الذي عليه الأدلة الصحيحة والصريحة أن هذا النسك (التمتع) هو أفضل الأنساك الثلاثة، ويدل على ذلك:
- أن الله تعالى نص عليه في القرآن فقال: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (سورة البقرة:196).
- وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به من لم يسق الهدي من أصحابه لما طافوا وسعوا أن يجعلوها عمرة، وتمنى أن يوافقهم لولا أنه قد ساق الهدي فقال: ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت، ولولا أن معي الهدي لأحللت)) البخاري (1568) واللفظ له، ومسلم (1216)، وهو صلى الله عليه وسلم لا يختار لهم فيأمرهم إلا بالأفضل، ولا يتأسف إلا على الأفضل، وأحاديث التمتع متواترة رواها أكابر الصحابة.
- ولإتيانه بأفعالهما كاملة على وجه اليسر والسهولة.
- ولأنه أكثر عملاً من غيره.
- ولأن المتمتع يلزمه هدي، ولزوم الهدي هذا فضيلة ليس غرماً وخسراناً، بل هو فضيلة ونعمة من الله عز وجل؛ لأنه شكر لله عز وجل على تيسير هذين النسكين جميعاً؛ العمرة والحج. قال الترمذي رحمه الله: "وأهل الحديث يختارون التمتع بالعمرة إلى الحج، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق"، وقد قال بأفضليته الحنابلة ، وبذلك أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة[1]، والشيخان ابن باز وابن عثيمين رحمه الله[2]؛ وغيرهم للأسباب السابقة، مع إجماع كل العلماء على جواز اختيار أي نسك من الثلاثة بلا كراهة.
والتمتع أفضل في حق من لم يسق الهدي، ويتأكد أكثر في حق من لم يأت بعمرة من قبل، أما القران فهو أفضل لمن ساق الهدي لحديث النبي صلى الله عليه وسلم وفعله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ولهذا كان الصواب أن من ساق الهدي فالقران له أفضل، ومن لم يسق الهدي وجمع بينهما في سفر وقدم في أشهر الحج فالتمتع الخاص أفضل له، وإن قدم في شهر رمضان وقبله بعمرة فهذا أفضل من التمتع، وكذلك لو أفرد الحج بسفرة والعمرة بسفرة فهو أفضل من المتعة المجردة ؛ بخلاف من أفرد العمرة بسفرة ثم قدم في أشهر الحج متمتعاً فهذا له عمرتان وحجة فهو أفضل، كالصحابة الذين اعتمروا مع النبي صلى الله عليه وسلم عمرة القضية ثم تمتعوا معه في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج فهذا أفضل الإتمام" ( مجموع الفتاوى 26 / 276 )
أعمال المتمتع:
- يحرم بالعمرة أولاً من الميقات، "والإحرام: هو نية النسك، وليس لبس ثوب الإحرام؛ لأن الإنسان قد ينوي النسك فيكون محرماً، ولو كان عليه قميصه وإزاره، ولا يكون محرماً ولو لبس الإزار والرداء إذا لم ينو، والنية محلها القلب فيكون داخلاً في النسك إذا نوى أنه داخل فيه"[3]، "فإذا وصل الميقات اغتسل اغتسالاً تاماً كما يغتسل للجنابة، لا فرق في هذا بين الرجال والنساء، ولا بين النساء الطاهرات والنساء الحائضات، الكل يغتسل كما يغتسل للجنابة، وهذا من سنّة الإحرام ومستحباته، ثم يتطيب الرجل في رأسه ولحيته بأطيب ما يجد، ويكثر حتى يرى بريق الطيب في رأسه لا في ثيابه، ثم يلبس إزاراً ورداءً، والأفضل أن يكونا أبيضين نظيفين أو جديدين، وتتطيب المرأة بطيب لا تفوح رائحته للرجال لما روت عائشة رضي الله عنها قالت:" كنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فنضمد جباهنا بالمسك عند الإحرام، فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهاها"[4].
ثم يلبي قائلاً: "لبيك اللهم عمرة" إذا ركب السيارة، وإن شاء بعد الصلاة إن كان هناك صلاة، "لبيك عمرة".. "لبيك عمرة". أي: يسمي نسكه في التلبية، "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك"، يصوّت بها الرجل، وتخفيها المرأة، ويقول: "لبيك عمرة".
- فإذا وصل إلى مكة دخل المسجد الحرام، ويقدم رجله اليمنى ويقول: "باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك".
- ثم يأتي بالعمرة كاملة فيطوف ويسعى ويقصر، ثم يلبس ثيابه، ويحل من إحرامه إحلالاً تاماً بعكس القارن والمفرد فإنهما لا يحلان من إحرامهما، بل يبقيان محرمين.
- فإذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة أحرم بالحج من مكان نزوله، وخرج إلى منى، وصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء قصراً للرباعية من غير جمع، وبات بها ليلة التاسع، وأما القارن والمفرد فيخرج إلى منى بدون إحرام جديد؛ لأنه أصلاً لم يحل من إحرامه.
- فإذا كان يوم التاسع صلى الفجر بمنى، ثم يدفع بعد طلوع الشمس إلى عرفة - يفعل ذلك المتمتع والقارن والمفرد - فينزلون بنمرة إن تيسر، وإلا استمروا إلى عرفة، ونزلوا بها، حتى إذا زالت الشمس (يعني: حلَّ وقت صلاة الظهر) صلوا الظهر والعصر جمعاً وقصراً، ثم شرعوا بعد ذلك في الدعاء إلى غروب الشمس، ويدعو الحاج بما شاء من أمور الدين والدنيا، وإذا تعب وملَّ يُروّح عن نفسه إما بحديث مع أصحابه، وإما بقراءة كتب، وإما بقراءة قرآن، ومما يدفع الملل أن يمسك الإنسان المصحف إن كان لا يحفظ، أو يقرأ إن كان يحفظ، كلما مرَّ بآية رحمة سأل، وبآية وعيد تعوذ، وبآية تسبيح سبح، وهذا في الحقيقة يجمع بين القراءة والدعاء، والغالب أنه إذا سلك هذا لا يمل فليفعل؛ لأنه خير، إلى أن تغرب الشمس من اليوم التاسع. وخير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما يقوله العبد: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدبر.
- يدفع بعد غروب الشمس من عرفة إلى مزدلفة، ويصلي بها المغرب والعشاء جمعاً وقصراً، ويبيت بها إلى طلوع الفجر.
- فإذا طلع فجر اليوم العاشر صلى الفجر بسنتها، وبقي يدعو ويذكر الله سبحانه وتعالى بما أحب، إلى أن يسفر جداً، فيدفع قبل أن تطلع الشمس متجهاً إلى منى، ويسلك أقرب طريق إلى الجمرة - جمرة العقبة - لأن النبي صلى الله عليه وسلم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة، فيرمي الجمرة - جمرة العقبة - بسبع حصيات يأخذهن من أي مكان شاء، يكبر مع كل حصاة تذللاً لله عز وجل، وتأسياً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإقامة لذكر الله.
- ثم ينحر هديه ( شاة أو سبع بقرة أو سبع بدنة ). فإن لم يجد الهدي صام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله.
- ثم يحلق شعره أو يقصر، وبذلك يكون قد تحلل التحلل الأول، فيجوز له ما حرم عليه بالإحرام إلا النساء.
ويحصل التحلل الأول بفعل اثنين من ثلاثة : الرمي والحلق أو التقصير والطواف، والسنة ترتيب أعمال يوم العيد: الرمي ثم الذبح للمتمتع والقارن ثم الحلق أو التقصير ثم الطواف ثم سعي الحج للمتمتع ، وللقارن والمفرد إن لم يكون قد طاف مع طواف القدوم.
- ثم ينزل إلى مكة فيطوف طواف الإفاضة ( ويسمى طواف الحج وطواف الزيارة )، ويسعى سعي الحج، أما القارن فسينوي بطواف الإفاضة الذي يكون يوم العيد أنه للحج والعمرة جميعاً، كما ينوي بالسعي الذي سعاه بعد طواف القدوم أو أخره إلى ما بعد الإفاضة أنه للحج والعمرة جميعاً.
وطواف الإفاضة ركن من أركان الحج يفعله المتمتع والقارن والمفرد. ويمكن أن يؤخره ويجمعه مع طواف الوداع إن شق عليه. لكن تعجيله أفضل وموافقه للسنة.
فإذا أتم نسكه فرمى وحلق وطاف وسعى فقد تحلل التحلل الثاني وحل له كل شيء حرم عليه بالإحرام حتى النساء.
ومن هذا يتبين لنا أن على المتمتع طوافين وسعيين ( طواف العمرة وسعي العمرة ) ( وطواف الحج وسعي الحج ).
- ثم يرجع إلى منى فيبيت بها ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر، وبعد الزوال من كل يوم يرمي الجمرات الثلاث الأولى ( الصغرى )، ثم الوسطى، ثم العقبة ( الكبرى، يرمي كل واحدة بسبع حصيات متعاقبات يقول عند رمي كل حصاة: "الله أكبر".
فإذا فرغ من الجمرة الأولى تقدم قليلاً وأخذ ذات اليمين، فوقف مستقبلاً القبلة، رافعاً يديه، يدعو الله تعالى دعاءً طويلاً فيما أحب. وكذلك أيضاً بعد رمي الوسطى يتقدم قليلاً إلى اليسار، ويقف مستقبلاً القبلة يدعو ويسأل الله من خيري الدنيا والآخرة. أما العقبة فلا وقوف بعدها لا يوم النحر ولا الأيام التي بعده، بل يرميها وينصرف.
- فإذا رمى الجمار في اليوم الثاني عشر فله الخيار بين أن يبقى إلى الثالث عشر ويرمي، أو ينزل إلى مكة ويتعجل، لقول الله تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} (البقرة:203). فإن نوى التعجل فإنه يخرج من منى قبل غروب شمس اليوم الثاني عشر. والتأخر أفضل لأنه سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأكثر عملاً.
- فإن تأخر إلى اليوم الثالث عشر ، بات بمنى تلك الليلة ، ثم يرمي الجمرات الثلاث في اليوم الثالث عشر، وهو آخر أيام التشريق.
- وإذا أراد أن يرجع إلى بلده فإنه لا يخرج حتى يطوف للوداع.وهو واجب ويسقط عن النفساء والحائض.