08-01-2019, 07:32 AM
|
|
|
|
خُلُقُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في حَجِّهِ وعُمْرَتهِ
خُلُقُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في حَجِّهِ وعُمْرَتهِ
الحمدُ للهِ الذي أوجبَ حجَّ بيتِه في العُمُرِ مرَّة على من استطاعَ إليه سبيلاً، وأوجبَ المغفرةَ والجنةَ لِمن حَجَّهُ فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ وقامَ بحُقوقهِ إجمالاً وتفصيلاً، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، كلمةً عليها قيام الدِّين والملَّة، وعليها أُسِّسَ الجهادُ وشُرعت القِبلة، ولأجلها دعا الرَّبُّ عبادَه لحجِّ بيته الحرام، ليغفرَ ذنوبهم ويُتمِّمَ عليهم الفضائل والإنعام، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه أعظمُ داعٍ لقصد هذا البيتِ الكريم، وأفضل ساعٍ إلى مراضي الربِّ الرحيم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ، وسلَّم تسليماً.
أما بعد: أيُّها الناسُ، اتقوا الله تعالى، واعلموا أنَّ من أعظمِ حُقوقِ الإسلامِ: حِجُّ البيتِ العتيقِ، قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 97]، وقال تعالى: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ [الحج: 27]، وقال صلى الله عليه وسلم: (أيُّها الناسُ قَد فَرَضَ اللهُ عليكُمُ الحَجَّ فَحُجُّوا) رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَن حَجَّ للهِ فلم يَرْفُث، ولم يَفْسُق، رَجَعَ كيومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ) رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري، وقال عمر رضي الله عنه: (مَن أطَاقَ الحَجَّ فلَم يَحُجَّ فسَوَاءٌ عليهِ ماتَ يَهُودِيَّاً أو نصرانيَّاً) رواه أبو بكر الإسماعيلي وصحَّحه ابن كثير.
قال ابن سعدي: (من استطاع السبيلَ فلم يَحُجَّ فإسلامُه وإيمانُه ودينُه في اختلالٍ، وهو أعظمُ جُرْماً من الزاني والسارقِ وشاربِ الخمر والمُختال) انتهى، وقال ابنُ القيِّم: (مَن تَرَك الحَجَّ عَمْداً معَ القُدرَةِ عليهِ حتى ماتَ، أو تَرك الزكاةَ فلم يُخرِجها حتى ماتَ، فإنَّ مُقتَضَى الدليلِ وقَوَاعِد الشرعِ: أنَّ فِعْلَهُما عنهُ بعدَ الموتِ لا يُبَرِّئ ذِمَّتَهُ، ولا يُقبلُ منهُ، والحَقُّ أحَقُّ أنْ يُتَّبَع) انتهى، وقال ابن عثيمين: (لو حُجَّ عنه ألفَ مرَّةٍ لم تبرأ ذمَّتُّه) انتهى.
فيا مَنْ وفَّقه الله بالعزمِ على الحجِّ: عليك أن تتخلَّق بهديِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في جميع عباداتكَ وخاصةً في حَجِّكَ وعُمرتكَ، فإنه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لم يَحُجَّ إلاَّ حَجََّةً واحدةً وهي حجَّةُ الوَدَاع، فحَرَصَ الناسُ على لقائهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ورُؤيتهِ والاقتداءِ به في مناسكهِ، وبعضُهم لم يسبقَ له رُؤيتَهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، قال جابرٌ رضي الله عنه: (إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ في الناسِ في العاشرةِ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ حَاجٌّ، فَقَدِمَ الْمدينةَ بَشَرٌ كَثيرٌ، كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أنْ يَأْتَمَّ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، ويَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ) رواه مسلم، وفي روايةٍ: (فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أنْ يَأْتيَ راكباً أوْ راجلاً إلاَّ قَدِمَ، فَتَدَارَكَ الناسُ لِيَخْرُجُوا مَعَهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ) رواه النسائي وصححه الألباني، قال جابرٌ رضي الله عنه: (نَظَرْتُ إلى مَدِّ بَصَرِي بينَ يَدَيْهِ، مِنْ راكبٍ وماشٍ، وعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذلكَ، وعنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذلكَ، ومِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذلكَ، ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بينَ أَظْهُرِنَا، وعليهِ يَنْزِلُ القُرآنُ، وهُوَ يَعْرِفُ تأْوِيلَهُ، وما عَمِلَ بهِ مِنْ شيْءٍ عَمِلْنَا بهِ) رواه مسلم.
ولعلنا نقف وقفاتٍ في أخلاقه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في حَجَّته، مَنَّ اللهُ علينا بالاقتداءِ به:
الوقفة الأولى: غَضَبُه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في حَجَّته إنما كان للهِ: (عن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها أنها قالت: قَدِمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لأَرْبَعٍ مَضَيْنَ من ذِي الحِجَّةِ أوْ خَمْسٍ، فدَخَلَ علَيَّ وهُوَ غَضْبَانُ، فقُلْتُ: مَن أَغْضَبَكَ يا رسولَ اللهِ أَدْخَلَهُ اللهُ النارَ، قالَ: «أوَ مَا شَعَرْتِ أنِّي أَمَرْتُ الناسَ بأَمْرٍ فإذا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ؟ ولَوْ أنِّي استَقْبَلْتُ مِن أَمْرِي ما اسْتَدْبَرْتُ ما سُقْتُ الهَدْيَ مَعِي حتَّى أَشْتَرِيَهُ، ثُمَّ أَحِلُّ كَمَا حَلُّوا) رواه مسلم، وفي روايةٍ: (فقامَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: «قدْ عَلِمْتُمْ أنِّي أتقَاكُمْ للهِ وأَصْدَقُكُمْ وأَبَرُّكُمْ، ولَوْلاَ هَدْيي لَحَلَلْتُ كمَا تَحِلُّونَ، فَحِلُّوا، فلَوِ استقبَلْتُ مِن أَمْرِي ما استَدْبَرْتُ ما أَهْدَيْتُ»، قال جابرٌ: فَحَلَلْنَا وسَمِعْنَا وأَطَعْنَا) رواه البخاري ومسلم.
الوقفةُ الثانية: حُسنُ مُعاشرته صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لأهلهِ وصبرِهِ على قضاءِ الله وقَدَرِه: فقد حَجَّ بنسائهِ وبناته، فمنهنَّ مَن كانت تشتكي الْمَرَض، كأُمِّ سلمةَ رضي الله عنها، فأرشدها صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أن تركبَ وتطوفَ من وراء الناس (متفق عليه)، ودخلَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يوم التروية على عائشة رضي الله عنها فوجدها تبكي، (فقالَ: ما شأنُكِ؟ قالت: شأني أنِّي قدْ حِضْتُ، وقَدْ حَلَّ الناسُ ولَمْ أَحْلِلْ، ولَمْ أَطُفْ بالبيتِ والناسُ يَذهَبُونَ إلى الحَجِّ الآنَ، فقالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: إنَّ هذا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللهُ على بَنَاتِ آدَمَ، فاغْتَسِلي ثُمَّ أَهِلِّي بالحَجِّ، فَفَعَلَتْ ووَقَفَتِ الْمَواقِفَ حتى إذا طَهَرَتْ طَافَتْ بالكَعْبَةِ والصَّفَا والْمَرْوَةِ، ثُمَّ قالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجِّكِ وعُمْرَتِكِ جَمِيعاً، فقالت: يا رسولَ اللهِ إني أجِدُ في نفسي أني لَمْ أَطُفْ بالبيتِ حتى حَجَجْتُ، قالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: فاذهَبْ بها يا عبدَالرحمَنِ فأَعْمِرْهَا مِنَ التنعيمِ) رواه البخاري ومسلم، قال جابرٌ: (وكانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رَجُلاً سَهْلاً، إذا هَوِيَتِ الشَّيْءَ تَابَعَها عليهِ، فأَرْسَلَها معَ عبدِ الرحمنِ بنِ أبي بكْرٍ) رواه مسلم، وقالت رضي الله عنها: (فخَرَجْنا فأَهْلَلْتُ، ثُمَّ طُفْتُ بالبيتِ وبالصفا والمَرْوَةِ، فجِئْنا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وهُوَ في مَنْزِلِهِ مِنْ جَوْفِ الليلِ، فقالَ: هلْ فَرَغْتِ؟ قُلْتُ: نعَمْ، فَآذنَ في أصحابهِ بالرَّحِيلِ) رواه مسلم.
فلم يُعنِّفها صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على تأخيرها لهم، فماذا عن تعاملنا مع أُمَّهاتنا ونسائنا في حَجِّنا وعمرتنا؟.
الوقفة الثالثة: صَبْرُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على لقاء الحجيج ورُؤيتِهم له وردِّه على استفتاءاتهم على كثرتهم: ركِبَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ناقتَهُ لكي يَسْهُلَ عليهِم رُؤيتُهُ للاقتداءِ به، قال ابنُ عباس رضي الله عنهما: (إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كَثُرَ عليهِ الناسُ، يقولُونَ: هذا محمَّدٌ هذا محمدٌ، حتى خَرَجَ العَواتِقُ من البُيوتِ، قالَ: وكانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لا يُضْرَبُ الناسُ بينَ يَدَيْهِ، فلَمَّا كَثُرَ عليهِ ركِبَ) رواه مسلم.
و(عن أبي الطُّفَيْلِ قالَ: قُلْتُ لابنِ عبَّاسٍ: أُراني قدْ رأَيْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، قالَ: فَصِفْهُ لي، قالَ قُلْتُ: رأَيْتُهُ عندَ الْمَرْوَةِ على ناقَةٍ وقَدْ كَثُرَ الناسُ عليهِ، قالَ: فقالَ ابنُ عبَّاسٍ: ذاكَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، إنهُم كانُوا لا يُدَعُّونَ عنهُ ولا يُكْهَرُونَ) رواه مسلم، أي: لا يُدفعون عنه ولا يُنتَهَرُون.
وعن قُدَامَةَ العامِرِيِّ قالَ: (رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رَمَى الجَمْرَةَ يومَ النحْرِ، على ناقَةٍ لَهُ صَهْباءَ، لا ضَرْبَ ولا طَرْدَ ولا إليكَ إليكَ) رواه ابن ماجه وصحَّحه الألباني.
وعن عبدِاللهِ بنِ عَمْرِو (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وَقَفَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ بمِنىً للناسِ يَسأَلُونَهُ، فجاءهُ رجُلٌ فقالَ: لَمْ أَشْعُرْ فحَلَقْتُ قبلَ أنْ أذْبَحَ؟ فقالَ: اذْبَحْ ولا حَرَجَ، فجاءَ آخَرُ فقالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قبلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ قالَ: ارْمِ ولا حَرَجَ، فمَا سُئِلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عن شَيْءٍ قُدِّمَ ولا أُخِّرَ إلاَّ قالَ: افْعَلْ ولا حَرَجَ) رواه البخاري ومسلم.
وقال الحارثُ السَّهْمِيُّ رضي الله عنه: (أتَيْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وهُوَ بمِنىً أوْ بعَرَفَاتٍ وقَدْ أطَافَ بهِ الناسُ، قالَ: فَتَجيءُ الأعرابُ فإذا رَأَوْا وجْهَهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالُوا: هذا وَجْهٌ مُبَارَكٌ) رواه أبو داود وحسنه الألباني.
الوقفةُ الرابعةُ: ترخيصُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لكبارِ السِّنِّ والضَّعَفَةِ خوفاً عليهم من الزِّحام: قالت عائشةُ رضي الله عنها: (نَزَلْنَا الْمُزْدَلِفَةَ فاستَأْذَنَتِ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ سَوْدَةُ أنْ تَدْفَعَ قبْلَ حَطْمَةِ الناسِ - أي زحمَتُهُم - وكانتِ امرأَةً بَطيئَةً، فأَذِنَ لَهَا فَدَفَعَتْ قبلَ حَطْمَةِ الناسِ، وأَقَمْنَا حتى أصْبَحنا نحنُ ثمَّ دَفَعْنَا بدَفْعِهِ، فلأَنْ أكُونَ استأذنتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كَمَا استأْذَنَتْ سَوْدَةُ أحَبُّ إليَّ مِنْ مَفْرُوحٍ بهِ) رواه البخاري ومسلم.
وقال ابنُ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهُمَا: (بَعَثَنِي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في الثَّقَلِ أوْ قالَ في الضَّعَفَةِ مِنْ جَمْعٍ بلَيْلٍ) رواه مسلم.
الوقفةُ الخامسةُ: مُداعبَتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للصِّغار وتعليمِهِم حَجَّهُم:عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قالَ: (قَدَّمَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ليلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ أُغَيْلِمَةَ بَني عبدِ الْمُطَّلِبِ علَى حُمُرَاتٍ، فجَعَلَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَلْطَخُ أَفْخَاذنا، ويَقُولُ: «أُبَيْنِيَّ لا تَرْمُوا الجَمْرَةَ حتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ»، قالَ أبُو داوُدَ: اللَّطْخُ: الضَّرْبُ اللَّيِّنُ).
وفَّقني الله وإياكم إلى الوُصول إلى حَرَمِه، وأجزل لي ولكم من موائد جُوده وكرمه، آمين، إنه جوادٌ كريمٌ رؤوفٌ رحيمٌ.
♦ ♦ ♦
أمَّا بعدُ: الوقفةُ السادسة: رحمَتُه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بالنَّاسِ ورِفْقِهِ بهِم: قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، و(عن أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ: أنَّ نبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رأَى رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً، قالَ: ارْكَبْها، قالَ: إنَّهَا بَدَنَةٌ، قالَ: اركَبْها، قالَ: فلَقَدْ رأَيْتُهُ راكِبَها يُسايِرُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ) رواه البخاري.
وعن أُمِّ سُليمانَ بنِ الأَحْوَصِ رضي الله عنها قالت: (رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَرْمِي الجَمْرَةَ مِن بطنِ الوادي وهوَ راكبٌ يُكبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصاةٍ ورَجُلٌ مِنْ خَلْفِهِ يَسْتُرُهُ، فسألتُ عنِ الرَّجُلِ، فقالُوا: الفَضْلُ بنُ العباسِ، وازْدَحَمَ الناسُ، فقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: يا أيها الناسُ لا يَقْتُل بعضُكُم بَعْضاً، وإذا رَمَيْتُمُ الجَمْرَةَ فارْمُوا بمثْلِ حَصَى الْخَذْفِ) رواه أبو داود وحسنه الألباني.
الوقفةُ السابعة: تواضُعه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ للرِّجال والنساء والصغار والكبار: قال تعالى: ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 215]، و(عن ابنِ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهُمَا: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ جاءَ إلى السِّقايةِ فاسْتَسْقَى، فقالَ العبَّاسُ: يا فَضْلُ، اذهَبْ إلى أُمِّكَ فأْتِ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بشَرابٍ مِن عندِها، فقالَ: «اسْقِني»، قالَ: يا رسولَ اللهِ، إنهُمْ يَجْعَلُونَ أيدِيَهُم فيهِ، قالَ: «اسْقِني»، فشَرِبَ منهُ، ثمَّ أَتى زمْزَمَ وهُمْ يَسْقُونَ ويَعْمَلُونَ فيها، فقالَ: «اعْمَلُوا فإنكُمْ على عَمَلٍ صالحٍ»، ثمَّ قالَ: «لَوْلا أنْ تُغْلَبُوا لَنَزَلْتُ، حتى أَضَعَ الحَبْلَ على هذهِ» يَعْني: عاتِقَهُ، وأشارَ إلى عاتِقِهِ) رواه البخاري.
ومن ذلك أيضاً: (أنَّ أُسامةَ رضيَ اللهُ عنهُ كانَ رِدْفَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ إلى الْمُزْدَلِفَةِ، ثُمَّ أَرْدَفَ الفَضْلَ مِنَ الْمزْدَلِفَةِ إلى مِنىً) رواه البخاري.
وبعد فيا أيها المسلمون: الأخلاق الشريفة والوصايا المنيفة التي تَحلَّى بها سيِّدُ الخلْق صلى الله عليه وسلم في حَجَّته، فحريٌّ بكُلِّ حاجٍّ يُريد الخير لنفسه والكَمَال لِحَجِّه أن يأتسيَ به في أعماله وأخلاقه، فيرفُق بالضعيف والكبير، ويُعين ذا الحاجةِ والفقير، ويُعلِّمُ الجاهلَ والصغير، ويُعوِّد لسانه الكلام الحسن الجميل، فيرجع وقد غُفرت ذنوبه، ومُحيت سيِّئاتُه، ونال الحظَّ الأوفرَ من قوله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (مَن حَجَّ للهِ فلم يَرْفُث، ولم يَفْسُق، رَجَعَ كيومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ) رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري.
فانتهزوا أيها المسلمون هذه الفرصة بأداءِ فريضةِ الحجِّ، والاقتداءِ بسيِّد الخلق عليهِ وسلَّمَ، وتزوَّدُا بالتطوِّعِ به فإنَّ التطوُّع تُكْمَلُ به الفرائضُ يومَ القيامة.
وفَّقني الله وإياكم ووالدينا وأهلينا للجِدِّ وحُسنِ القَصْدِ في طَلَبِ رضوانه، وغَمَرَنا بجُودِه وإحسانه، ورزقنا حجَّةً برَّةً مُتقبَّلةً لا رياءَ فيها ولا سُمعة، اللهُمَّ آمين.
اللهمَّ صلِّ على محمدٍ، اللهُمَّ أنزِلْهُ الْمَقْعَدَ الْمُقرَّبَ عندكَ يومَ القيامَةِ، آمين.
oEgErE hgkfd~A wgn hggi ugdi ,sgl td pQ[~AiA ,uElXvQjiA oEgErS
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
5 أعضاء قالوا شكراً لـ شموع الحب على المشاركة المفيدة:
|
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 08:17 PM
|